الحمد لله نستعينه و نستغفرهُ ، و نعوذُ بالله من شرور
أنفسنا و سَيّئاتِ أعمالنا ، من يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ
و من يُضللْ فلا هاديَ لهُ ، و أشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ
وحدهُ لا شريكَ لهُ و أشهدُ أنَّ مُحمدا عبدهُ
و رسولهُ صلّى اللهُ عليهِ و سلم ، أمّا بعدُ :
فإنَّ الإيمان بالمغيباتِ ركيزة فطرية و ضرورية حسية
لا تندفعُ عن الأذهانِ ، فالإنسانُ يؤمنُ بوجود هذا العالم
و ما يحويهِ من عجائبَ و إن لم يكن اطلع على كل دقائقه
و مكنونـاتهِ ، بل مُجرّدُ نقل الخبر من ناقل ثقةٍ يجعلنا نصدقهُ
فيما نقلَ لنـا ، فنحنُ و قبل وجود وسائل الإعلامِ نُؤمنُ بأن
الأهرامَ توجدُ بمصرَ و سورُ الصينِ حقيقةٌ لا تندفعُ
و إن كنا في الحقيقة لم نقف على هذه المشاهدِ بأنفسنا
و هذا يُعتبرُ أوّل درجة من درجاتِ الإيمانِ بالغيبِ الذي كلّفَ
الله العقولَ المودعةَ في القلوبِ بالإيمانِ بهِ ..
فما هوَ الغيبُ ؟ و ما هي أقسامهُ ؟
و هلِ استأثرَ الله نفسهُ بالغيبِ كلهِ ، أم أطلعَ بعض مخلوقاتهِ
على ما شاء منهُ متى شاء ؟
نجيبُ على هذه الأسئلة -بعد الإستعانة بالله-
فنقـولُ :
الغينُ و الياءُ و الباءُ أصلٌ صحيح يدل على تستُّرِ الشيءِ عن العينِ ،
ثمّ يُقاسُ من ذلك الغيبُ : ما غابَ ممّا لا يعلمهُ إلا الله (1). فكلُّ ما غابَ
سواءٌ كان عن العينِ أو غيرها من الحواسِّ و كُلُّ ما جُهِلَ فهوَ غيبٌ (2) .
أقسامُ الغيبِ
يمكنُ تقسيم الغيبِ إلى عدّةِ أقسامٍ باعتباراتٍ مُختلفةٍ :
القسم الأول: تقسيمه باعتبار علمهِ و معرفتهِ :
أحدهما : غيبٌ مُطلق ، و هو الذي غاب عن جميع المخلوقين .
ثانيهما : غيبٌ مُقيد ، و هو ما علمه بعض المخلوقات من الملائكة
أو الجن أو الإنس و شَهِدوهُ .
فهذا إنما هو غيبٌ لمن غابَ عنهُ ، و أمّا من شهِدهُ فلا يُعَدُّ عندهُ غيباً (3)
القسم الثاني: باعتبار الزمـان :
ينقسمُ الغيبُ باعتبار الزمان إلى ثلاثةِ أقسام :
الأول : غيبٌ ماض ، و هذا كالأحداث التاريخيّة الماضية التي لم نشهدها
كقصة يوسف عليه السلام و الخضِرِ و البقرة و المائدة و غير ذلك من الأحداث
التي لم نشهدها .
الثاني : غيبٌ حاضر ، و ذلك كتسجيل الملائكة للأعمال ، و ما يجري اليوم من الأحداث.
الثالث : غيبٌ مُستقبلي ، مثل كسبِ الغَدِ ، و علم الساعة و نزول الغيث و غير ذلك (4)
القسم الثالث: باعتبار وُرودهِ :
و هذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أحدها : غيبٌ جاء في القرآن
ثانيها : غيبٌ جاء في السنة الصحيحة متواترها و آحادها
ثالثها : غيب جاء عن طريق الإسرائيليات و الأخبار التي لا يُعلمُ صدقها و لا كذبها (5)
اختصاصُ اللهِ وحدهُ بعلمِ الغيبِ
إن ممّا اختصّ اللهُ تعالى بهِ نفسَهُ علمُ الغيبِ ، فلم يَشركهُ في ذلك
ملكٌ مُقرب و لا نبي مُرسلٌ ، و قد جاءتِ النصوص صريحة في ذلك (6)
قال تعالى : { ألمَ اقل لكمُ إنّيَ أعلمُ غيبَ السّماواتِ و الاَرضِ و أعلمُ ما تُبدونَ
و ما كُنتمْ تكتُمونَ } [ البقرة : 33 ]
و قال تعالى : { و ما كانَ اللهُ ليُطلِعكُم على الغيبِ } [ آل عمران : 179 ]
و قال سبحانهُ : { فقلِ اِنّما الغيبُ للهِ } [ يونس : 20 ]
و قد تبرّأ من دعوى الغيبِ أوّلُ نبي و آخرُ نبيٍّ .
قال تعالى مُخبراً عن نبيِّهِ نوحٍ عليهِ السلامُ أنهُ قال :
{ و لا أقولُ لكُم عندي خزائنُ اللهِ و لا أعلمُ الغيبَ } [ هود : 31 ]
و قال عن نبيه محمد صلى الله عليهِ و سلّمَ :
{ قُلْ لا أقولُ لكم عندي خزائنُ اللهِ و لا أعلمُ الغيبَ } [ الأنعام : 50 ]
و قالَ تعالى : { قُلْ لا يعلمُ من في السماواتِ و الاَرضِ الغيبَ إلاّ اللهُ
و ما يشعُرونَ أيّانَ يُبعثُونَ } [ النمل : 65 ]
قال ابن كثير رحمه اللهُ : يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه و سلمَ
أن يقول مُعلّماً لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السماوات و الأرض
الغيب إلا الله ، و قوله تعالى : "إلا الله" استثناء مُنقطع : أي لا يعلم أحد ذلك
إلا الله عز و جل فإنه المُنفرد بذلك وحده لا شريط لهُ ، كما قال تعالى :
{ و عندهُ مفاتحُ الغيبِ لا يعلمُها إلا هوَ } الآية ، و قال تعالى :
{ إن اللهَ عندهُ علمُ الساعة و ينزل الغيثَ } إلى آخر السورة (7)
و عن جابر رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
يُعلّمُ أصحابه الإستخارة في الأمور كلّها ، كما يعلم السورة من القرآن ،
يقول : إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير فريضة ، ثم ليقل :
اللهم إنّي أستخيرك بعلمك و أستقدرك بقدرتك ، و أسألك من فضلك ،
فإنّك تقدر و لا أقدر ، و تعلمُ و لا أعلمُ و أنتَ علاّمُ الغُيوبِ .. " الحديث (8)
و عن ابن عُمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
" مفاتيحُ الغيبِ خمسٌ لا يعلمها إلا الله ، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله
و لا يعلمُ ما في غَدٍ إلا الله ، و لا يعلمُ متى المطر إلا الله ، و لاتدري بأي
أرضٍ تموتُ إلا الله " (9)
و الآياتُ و الأحاديثُ الدالة على اختصاصهِ سبحانهُ بعلم الغيبِ مُتظافرة
مُستفيضة ، لسنا بصدد حصرها و إنما مثلنـا بها .
مَفاتِحُ الغيبِ
لقدِ اختصّ الله سبحانهُ و تعالى بمعرفة مفاتح الغيب ،
فما المرادُ بهذهِ المفاتح ؟
قال تعالى : { و عندهُ مفاتحُ الغيبِ لا يعلمُها إلا هوَ } [الأنعام :59]
عن سالم بن عبد الله عن أبيهِ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : " مفاتحُ الغيبِ خمسٌ : إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث
و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري
نفس بأس أرض تموت ، إن الله عليم خبير " (10)
و عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : " مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما في غَدٍ إلا الله
و لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، و لا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله
و لا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، و لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " (11)
فالرسول صلى الله عليه و سلم فسّرَ كتاب الله تعالى بسنته حيثُ
بيّنَ أن المرادَ بمفاتح الغيب الوارد ذكرها في آية الأنعام هي الخمس
المذكورة في آية لقمـان .
و هذه الخمـس ليست هي الغيب كله و إنّما هي منـهُ (12) .
و إليكم بيان موجز لهذه الخمس :
الأول : علم الساعة
علم الساعة من الأمور الغيبية التي لم يطلع الله تعالى أحداً على وقتها ،
و قد أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم أن يكل علم الساعة إلى الله .
و ذلك لأن كثيراً من الناس كانوا يسألون النبي صلى الله عليه و سلم عنها ،
فأمره تعالى بذلك .
قال تعالى : { يسئلونك عن الساعة أيّانَ مُرساها قل إنما علمها عند ربي
لا يجلّيها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلا بغثة
يسئلونك كأنك حفيّ عنها قل إنما علمها عند الله و لكن أكثر الناس
لا يعلمـون } [الأعراف:187]
و قال تعالى : { يسئلُك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله
و ما يُدريك لعلّ الساعة تكون قريباً } [الأحزاب:63]
لكن النبي صلى الله عليه و سلم كان يُخبر عن أماراتها الدالة على قربها ،
حتى يكون الناس منها على حذر ، كما جاء في حديث جبريل الطويل .
فكام صلى الله عليه و سلم يجلي للناس أماراتها ، فإذا سُئل عن وقتها
أجاب صلى الله عليه و سلم : "ما المسؤول عنها بأعلم بالسائل " ،
فقد كان صلى الله عليه و سلم لا يعلم من ذلك شيئا .
فمن ادعى علم الساعة ، و متى تكون ، أو حدّدَها بوقتٍ و زمن
مُعيّنٍ ، فهو كافر ، لأنهُ خالف دلالاتِ الكتاب و السنة الصريحة
و المعلومة من الدين بالضرورة (13) .
و قد ظهرت في هذه الآونة الأخيرة ادعاءات بأن الساعة ستكون
يوم كذا بتاريخ كذا و كذا ، يبثّها في الناس و يعلنها من لا دين لهُ
و لا خلاقَ تضليلا للناس و تلبيساً على عقولهم ، و تغريراً بالسفهاء
و الضعفاء ، و هذا محض كفر بالله العظيم .
الثاني : علم نزول الغيث
و هو علم متى نزوله ، هل ينزلُ ليلاً أو نهاراً
و قدْرُهُ و مَحِلّهُ .
استشكـال: هل توقُّعُ قُربِ نزولِ الغيثِ يُعَدُّ من ادّعاءِ الغيبِ ؟!
الجوابُ : الظاهرُ أنهُ لا يُعَدُّ من ذلكَ ، و ذلكَ أنّ توقعَ
قربِ نزولهِ إنما يُعرفُ بالتّجاربِ و المَقاييسِ ،
و هيَ بأمورٍ ظاهرَةٍ ، و ليستْ خفِيّةً ، فالتّجاربُ
دلّتْ مثلاً على أنّ السُّحُبَ الرُّكاميّةَ تكونُ غالباً مُمطِرةً ،
و أنَّ السحُبَ العاليةَ الخفيفةَ لا تكونُ مُمطِرَةً ، و هكذا
فهيَ توقُّعاتٌ مبنِيّة على مُقدّماتٍ مُستفادَةٍ من مراصِدِ
الأحوالِ الجويّةِ التّي تَتأثّرُ بالرّطوبَةِ و اليُبوسةِ و نحوِ ذلكَ
و لهذا فكثيراً ما يكونُ الأمرُ على خِلافِ ما قالواْ .(14)
فما تُعلِنهُ مراكِزُ الأرصادِ الجَوِّيّةِ فإنّما هيَ تُخبِرُ عنِ
المَطَرِ بعدَ رُؤيةِ أسبابِهِ و تمامِ خَلقِهِ .
أمّا إنشاءُ السّحُبِ و إنزالُ المطَرِ في أرضٍ كتَبَ
اللهُ عليها الجفافَ أو مَنْعَ السّحابِ و المطَرِ عن أرضٍ
كتَبَ اللهُ لها الحياةَ و الخُضْرَةَ ، فهذا لا يُمكِنُ لأحدٍ كما
أنَّ العلمَ بوقتهِ تحديداً و مُدّةِ نُزولهِ و نَفْعِهِ و موقِعِ كلِّ
قَطْرَةٍ منهُ ، فهذا لا يَعلمهُ إلاّ اللهُ سُبحانهُ و تعالى . (15)
الثالث : علمُ ما في الأرحامِ
و هوَ العلمُ بكونهِ ذَكراً أم أنثى ، تامّاً أو ناقصاً
أحمرَ أو أسودَ ، شقِيّاً أو سعيداً ، فعلمُ ذلكَ موكولٌ
إلى اللهِ سُبحانهُ و تعالى .
ثُمَّ إنهُ بعدَ تطوّرِ الأجهزَةِ الطبّيّةِ الحديثةِ أصبحَ كثيرٌ
من الأطبّاءِ يَدَّعي أنّهُ يعلمُ ما في الأرحامِ هلْ هيَ
ذكورٌ أم إناثٌ ؟ و إذا كانَ كذلكَ ، فهلْ هذا يُنافي
ما في الآيةِ ؟
اعلمْ رحِمَكَ اللهُ أنَّ العلمَ بالجنينِ يُعَدُّ غيباً قبلَ أن يُنفخَ
فيهِ الروحُ ، و هوُ بعدَ نفخِ الروحِ فيهِ لا يُعَدُّ من الأمورِ
الغيبِيّةِ ، لأنَّ الملائِكَةَ تعلمُ ذلكَ ، فإنَّ ملكَ الرّحِمِ يكتُبُ
رزقهُ و أجَلهُ و شقِيّاً أو سعيداً و غيرَ ذلكَ مِمّا يُؤمَرُ
بكتْبِهِ ، فهُوَ يُخبِرُهُ اللهُ تعالى ، فلا يُعَدُّ إذا من المغيباتِ .
قالَ الشيخُ عبدُ الرحمـنُ بنُ سعدِي رحمهُ الله تعالى :
" و لهذا يسألُ الملَكُ المُوكّلُ بالأرحامِ ربّهُ : هل هوَ ذكَرٌ
أم أنثى ؟ فيقضي اللهُ ما يشاءُ " (16)
و إذن فإنَّ مُجرَّدَ الكشفِ عن ذكورَةِ الجنينِ أو أنوثتهِ
لا يُعَدُّ من علمِ الغيبِ (17)
الرابع : علمُ كسبِ الغدِ
و هوَ العلمُ بما يكسبهُ في مستقبله من خير و شر
و طاعة و معصية ، و كُفرٍ و إيمانٍ ، و في آخرته من الثواب
و العِقــابِ .
الخامسُ : علمُ الموتِ
و هوُ العلمُ بأي قطعةٍ من الأرضِ تموتُ ، أفي ديارِ الإسلامِ
أم في ديارِ الكُفرِ ، و متى الموتُ ؟ و غير ذلك .
فصـلٌ
إن الإيمانَ بالغيبِ من أبرزِ سماتِ المُؤمنِ
و هوَ الفيصَلُ الحقيقيُّ بينهُ و بينَ الكافرِ ،
و لهذا امتدحَ الله عبادهُ المؤمنينَ و أثنى عليهم
و جعلَ كتابهُ هُدًى لهذه الطائفة التي قال تعالى فيها :
{ يؤمنون بالغيب } [ البقرة:3 ]
قال ابن مسعود و ابن عباس و قتادة : يؤمنون بجميع
مسائل الإيمان و جميع أمور الغيب (18)
و هذا الإيمان ينفع الإنسان ما لم يأتِ أجلهُ بعدُ
أو تظهرَ أشراطُ الساعة الكبـرَى ، و إلاّ فإن
فرعون آمنَ لمّا عاينَ الموتَ و أدركهُ الغرقُ
فهل نفعهُ إيمانهُ آنذاك ؟ قال الله تعالى :
{ آلآنَ و قد عصَيتَ من قبلُ و كنتَ من المُفسدينَ } [ يونس:91 ]
فمشاهدة ملك الموت و معاينة الملائكة أثناء الإحتضار
و كذلكَ مُشاهدة أشراط الساعة من طلوع الشمس من مغربِها
إلى غيرِ ذلكَ لا يُعَدُّ إيمانا بالغيبِ ، بل أصبحَ إيماناً بالشهادةِ
لأنهُ أصبحَ أمراً حِسِّيّاً مُشاهدا ،و لقد قرّرَ الله سُبحانهُ و تعالى
هذه الحقية في سورة الأنعام فقال جل من قائل :
{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً } [ الأنعام:158 ]
و يا سَعْدَ المؤمنِ و إيمانهُ بالغيبِ ، فهوَ
إنارةٌ لفكرِهِ و تزكيةٌ لنفسهِ ، بلهْ و طُمأنينةٌ
لقبلـهِ ، و ما أسعدَ الصحابة بهذا الإيمانِ
و ما ذلكَ إلا لرسوخ قدمهم و سبقهم في هذا الباب
فهم على الحقيقةِ { الذينَ آمنوا و تطمئنُ قلوبهم
بذكرِ الله ، ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوبُ } [ الرعد:28 ]
فالإيمانُ بالغيبِ تثبيتٌ للقلبِ و تسليةٌ للنفسِ و رجاءٌ
لما عندَ الله . فالمظلومُ يصبرُ و يحتسبُ لأنهُ يؤمنُ
بأنَّ هُناكَ يوماً سوفَ ينتقم الله فيهِ مِمّن ظلمهُ ،
فيطمئِنَّ .
و عالم الدنيا أيها الأحبابُ ، مهما كبُرَ فهوُ صغيرٌ في عينِ
المُؤمنِ بالغيبِ ، لأنهُ يُؤمنُ بقول رسولِ الله صلى الله عليه و سلم:
" لموضعُ سوطِ أحدكم في الجنة خير ممّا بينَ السماء و الأرض " (19)
و قوله صلى الله عليه و سلم :
" لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة
ما سقى كافرا منها قطرة أبدا " (20)
فلماذا يلهثُ وراءها و يتصارعُ و يتشاحنُ ، و يُوالي
و يُعادي عليها ؟! فانصرفَ همّهُ بالدرجة الأولى
إلى الآخرةَ و جعل الفانية مزرعةً للباقية .
فكـان بهذا الإيمان باللهِ تبارك و تعالى و بالغيبِ سبيلاً
لطمأنينةِ الإنسانِ و المُجتمعِ المُسلمِ الطمأنينةَ الكاملةَ .
ــــــــــــــــــ
(1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس [4/403]
(2) " لسان العرب " (غيب) [1/654]
(3) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام [16/110]
(4) " الإيمان بالغيب " بواسطة مقدمة تحقيق القول في علم النجوم [74]
(5) نفس المصدر السابق
(6) مقدمة تحقيق القول في علم النجوم [75]
(7) تفسير القرآن العظيم لابن كثير [6/72]
(8) أخرجه البخاري في " كتاب التوحيد " باب قول الله تعالى { قل هو القادر } [7390]
(9) أخرجه البخاري في " كتاب التوحيد " باب قول الله تعالى { أنّ الله هو الرّزاق ذو القوة المتين } [7379]
(10) أخرجه البخاري " كتاب تفسير القرآن " باب [ و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ] (4627)
(11) أخرجه البخاري " كتاب تفسير القرآن " باب [ الله يعلمُ ما تحمل كا أنثى و ما تغيض الأرحام ] ( 4697)
(12) القول في علم النجوم (88)
(13) المصدر السابق ( 89-90)
(14) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد الله الغنيمان ( 1/112 )
(15) "الإيمان بالغيب" (264-265) بواسطة "القول في علم النجوم" (92)
(16) "تفسير ابن سعدي [653] تحقيق عبد الرحمـن بن معلاّ اللويحق (مؤسسة الرسالة )
(17) لمن أرادَ البسطَ الجلي لهذهِ المسألةِ فليرجعْ إلى " مجموع فتاوى و رسائل فضيلة الشيخ
محمد بن صالح العثيمين " (3/76-79) رقم الفتوى (362) فإنَّ للشيخِ تَمّتَ كلامٌ نفيس لولا
مخافة الطول لنقلناهُ هنا برُمّتِهِ .
(18) تفسير ابن كثير [ 1/58 ]
(19) صحيح الترغيب و الترهيب ( 3767 )
(20) أخرجه ابن ماجة (3334) و صححه الألباني