أصبحنا لا نسمع من كثير من علماء السلفية الحديثة اليوم إلا ذم الصوفية والتصوف ، وأنهم قوم مبتدعة أهل رقص وطرب وموالد، وغيرها مما كثر الحديث فيه فهل الصوفية كذلك أم أنهم فرق ودرجات كحال الناس الآخرين من غير الصوفية، ففي الناس المجتهد في العبادة ومنهم المؤدي للواجبات فقط ومنهم المضيع، فهل التصوف جريمة ومعصية لله تعالى وبدعة منكرة لننظر ماذا يقول ابن تيمية شيخ السلفية ومعلمها وإمامها:
يقول رحمه الله تعالى في رسالته المسماة في الصوفية والفقراء ما يلي: فَطَائِفَةٌ ذَمَّتْ " الصُّوفِيَّةَ وَالتَّصَوُّفَ " . وَقَالُوا : إنَّهُمْ مُبْتَدِعُونَ خَارِجُونَ عَنْ السُّنَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَلامِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْكَلامِ.
وَطَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِمْ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ وَكِلا طَرَفَيْ هَذِهِ الأُمُورِ ذَمِيمٌ .
وَ " الصَّوَابُ " أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَمَا اجْتَهَدَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ
فَفِيهِمْ السَّابِقُ الْمُقَرَّبُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ وَفِيهِمْ الْمُقْتَصِدُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مَنْ قَدْ يَجْتَهِدُ فَيُخْطِئُ وَفِيهِمْ مَنْ يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَوْ لا يَتُوبُ .
وَمِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ عَاصٍ لِرَبِّهِ . وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالزَّنْدَقَةِ ؛ وَلَكِنْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ لَيْسُوا مِنْهُمْ : كَالْحَلاجِ مَثَلًا ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِ الطَّرِيقِ أَنْكَرُوهُ وَأَخْرَجُوهُ عَنْ الطَّرِيقِ . مِثْلُ : الجنيد بْنِ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الطَّائِفَةِ وَغَيْرِهِ . كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي ؛ فِي " طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ " وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ . فَهَذَا أَصْلُ التَّصَوُّفِ . ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَشَعَّبَ وَتَنَوَّعَ وَصَارَتْ الصُّوفِيَّةُ " ثَلاثَةَ أَصْنَافٍ
:1 – صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ 2 – وَصُوفِيَّةُ الأَرْزَاقِ 3 – وَصُوفِيَّةُ الرَّسْمِ .
فَأَمَّا " صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ " : فَهُمْ الَّذِينَ وَصَفْنَاهُمْ . وَأَمَّا " صُوفِيَّةُ الأَرْزَاقِ " فَهُمْ الَّذِينَ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْوُقُوفُ . كالخوانك فَلا يُشْتَرَطُ فِي هَؤُلاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْحَقَائِقِ . فَإِنَّ هَذَا عَزِيزٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَقَائِقِ لا يَتَّصِفُونَ بِلُزُومِ الخوانك ؛ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِمْ ثَلاثَةُ شُرُوط :
( أَحَدُهَا الْعَدَالَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِحَيْثُ يُؤَدُّونَ الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبُونَ الْمَحَارِمَ .
وَ ( الثَّانِي التَّأَدُّبُ بِآدَابِ أَهْلِ الطَّرِيقِ وَهِيَ الآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ فِي غَالِبِ الأَوْقَاتِ وَأَمَّا الآدَابُ الْبِدْعِيَّةُ الْوَضْعِيَّةُ فَلا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا .
وَ ( الثَّالِثُ أَنْ لا يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُتَمَسِّكًا بِفُضُولِ الدُّنْيَا فَأَمَّا مَنْ كَانَ جَمَّاعًا لِلْمَالِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَخَلِّقٍ بِالأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ وَلا يَتَأَدَّبُ بِالآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ كَانَ فَاسِقًا فَإِنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ .
وَأَمَّا " صُوفِيَّةُ الرَّسْمِ " فَهُمْ الْمُقْتَصِرُونَ عَلَى النِّسْبَةِ فَهَمُّهُمْ فِي اللِّبَاسِ وَالآدَابِ الْوَضْعِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَؤُلاءِ فِي الصُّوفِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى زِيِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْجِهَادِ وَنَوْعٌ مَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بِحَيْثُ يَظُنُّ الْجَاهِلُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ .
نعم هذا هو رأي أهل العلم ورأي علماء الإسلام وهذا هو الرأي الصحيح في التصوف والصوفية فعلى إخواننا من طلبة العلم من السلفيين أن يتقوا الله تعالى فيما يصفون به الصوفية على عمومها من غير تفرقة ومن غير استثناء فيعطون حكما عاما للصوفية ويصفونهم جميعا بأوصاف الخارجين عن الدين وعن الملة والعياذ بالله، وكما أن الصوفية فيهم أنواع وطبقات فكذلك السلفيين فيهم المتمسك بدينه السابق بالخيرات المقرب عند الله تعالى وفيهم المقتصد في دينه القائم بالواجبات وبعض السنن وفيهم المفرط في حقوق الناس، وهؤلاء تصل إلينا من أهلهم وأقاربهم وأزواجهم الشكايات في أمور كثيرة لا نود ذكرها لأنهم لا يخرجون عن كونهم بشر لهم ما للبشر وعليهم ما على الناس. فلا يغتر أحد بنفسه،فليتقي الله الجميع بدون استثناء وليقولوا قولا سديدا، يصلح لهم أعمالهم ويغفر لهم ذنوبهم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.قال الله تعالى {
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
}