(4)
نحَو الإيمَان
وإذا تأمل الإنسان في حياة الناس وجد حياة أكثرهم تشهد أنهم في تيه وضياع, فعلامة الضائعين وأمارتهم أن تجدهم مختلفين في طريقهم مترددين في أعماق أنفسهم قلقين في مشاعرهم أدلتهم ظنون وأوهام وأماني وهكذا حياة أكثر الناس اليوم.
فهذه الدول تعيش في اختلاف وصراع وكذلك الأحزاب والهيئات والجماعات والقبائل داخل تلك الدول ونشهد الصراع أيضاً والاختلاف داخل أجنحة الحزب الواحد والهيئة الواحدة، والجماعة الواحدة والقبيلة الواحدة، وفي داخل كل جناح خلاف وصراع وحياة كأنها الضياع، فما هو السر في هذا الاختلاف وما هو السر في حياة الضياع؟. وما هو السر في هذا الصراع؟ لو تأملنا وتفكرنا لوجدنا أن السبب في الاختلاف يرجع إلى أن الناس قد اختلفوا في مبادئهم وآرائهم، وإذا تفكرنا في سبب اختلاف الناس في مبادئهم وآرائهم وجدنا أن السبب يرجع إلى اختلافهم فيما يلي:
– اختلاف الناس في علومهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
– اختلاف الناس في أخلاقهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
– اختلاف الناس في أفهامهم وعقولهم وهذا يؤدي إلى اختلاف آرائهم.
– اختلاف الناس في تجاربهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
– اختلاف الناس في مصالحهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
فإذا كان رأي كل واحد منا يتوقف على علمه، وخلقه، وفهمه، وتجربته، ومصلحته.
وإذا كان الناس يختلفون في كل هذا ولا يمكن أن تجد اثنين علومهم وأخلاقهم وأفهامهم، وتجاربهم ومصالحهم متساوية وموحدة, إذن فلا يمكن للبشر أن يتحدوا إلا إذا وحدنا آراءهم.
ولا يمكن أن تتحد الآراء والنظريات إلا إذا وحدنا الناس فجعلنا علومهم وأخلاقهم وأفهامهم وعقولهم وتجاربهم ومصالحهم واحدة. وهذا مستحيل فلا بد من الاختلاف ومن المستحيل، إذن أن يكون اتحاد بين الناس ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ (سورة هود: آية 118- 119)
نحَو الإيمَان
وإذا تأمل الإنسان في حياة الناس وجد حياة أكثرهم تشهد أنهم في تيه وضياع, فعلامة الضائعين وأمارتهم أن تجدهم مختلفين في طريقهم مترددين في أعماق أنفسهم قلقين في مشاعرهم أدلتهم ظنون وأوهام وأماني وهكذا حياة أكثر الناس اليوم.
فهذه الدول تعيش في اختلاف وصراع وكذلك الأحزاب والهيئات والجماعات والقبائل داخل تلك الدول ونشهد الصراع أيضاً والاختلاف داخل أجنحة الحزب الواحد والهيئة الواحدة، والجماعة الواحدة والقبيلة الواحدة، وفي داخل كل جناح خلاف وصراع وحياة كأنها الضياع، فما هو السر في هذا الاختلاف وما هو السر في حياة الضياع؟. وما هو السر في هذا الصراع؟ لو تأملنا وتفكرنا لوجدنا أن السبب في الاختلاف يرجع إلى أن الناس قد اختلفوا في مبادئهم وآرائهم، وإذا تفكرنا في سبب اختلاف الناس في مبادئهم وآرائهم وجدنا أن السبب يرجع إلى اختلافهم فيما يلي:
– اختلاف الناس في علومهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
– اختلاف الناس في أخلاقهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
– اختلاف الناس في أفهامهم وعقولهم وهذا يؤدي إلى اختلاف آرائهم.
– اختلاف الناس في تجاربهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
– اختلاف الناس في مصالحهم وهذا يؤدي إلى اختلاف الآراء.
فإذا كان رأي كل واحد منا يتوقف على علمه، وخلقه، وفهمه، وتجربته، ومصلحته.
وإذا كان الناس يختلفون في كل هذا ولا يمكن أن تجد اثنين علومهم وأخلاقهم وأفهامهم، وتجاربهم ومصالحهم متساوية وموحدة, إذن فلا يمكن للبشر أن يتحدوا إلا إذا وحدنا آراءهم.
ولا يمكن أن تتحد الآراء والنظريات إلا إذا وحدنا الناس فجعلنا علومهم وأخلاقهم وأفهامهم وعقولهم وتجاربهم ومصالحهم واحدة. وهذا مستحيل فلا بد من الاختلاف ومن المستحيل، إذن أن يكون اتحاد بين الناس ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ فما هو الحل لهذا؟.
إن الحل الوحيد هو أن يعرف الناس أن لهم خالقاً قد أحاط بكل شيء علماً وله أكمل الأخلاق وأعظم الصفات وله الأسماء الحسنى وهو الخبير الذي ما غاب ولا يغيب عن علمه ولن يغيب شيء وأنه الرب الرحيم الذي استوى الناس أمامه في عبوديته ﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ فإذا عرف الناس ربهم وبحثوا عن هداه خرجوا من ذلك الاختلاف وأنقذوا أنفسهم من نتائجه وعاشوا عباداً متحدين معتصمين بحبل ربهم مهتدين بهداه قال تعالى﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ لذلك كله فإنه لا يخرج الناس من الاختلاف إلا إذا عرفوا ربهم ولذلك كان أول واجب على الإنسان أن يعرف ربه.
وإذا تأملنا في السر الذي يبعث في الناس مشاعر الخوف من المجهول الذي قد يحدث في غدهم أو قد يلقاهم بعد موتهم، وإذا تأملنا في سر ذلك القلق الذي يغمر حياة الكفار في هذا الزمان، وجدنا أن السر يرجع إلى أنهم يعيشون في الدنيا لا يعرفون لحياتهم معنى ولا يعرفون الذي أوجدهم ولا يعرفون الطريق التي ترضي خالقهم ولا يعرفون ماذا ينتظرهم بعد موتهم؟ فهم يتخبطون وهم في قلق لا يطمئنون ولن يجد الناس الاطمئنان في العيش والرضى بحياتهم إلا إذا عرفوا ربهم وآمنوا به, قال تعالى: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28)فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ لذلك كان أول واجب على الإنسان أن يعرف ربه وخالقه.
وإذا تأملنا في السر الذي سبب هذا الصراع بين الناس رأينا أنه يرجع إلى جهل الناس بخالقهم وحكمته من خلقهم.
لأن كل إنسان قد خلق الله فيه طموحاً واسعاً بحيث لا تكفي الأرض لتحقيق طموح واحد من بني الإنسان فلو قيل لشخص قد ملكناك نصف الأرض لقال أريد نصفها الثاني فما هي نتيجة هذه الأطماع الواسعة التي تلتهب في نفوس الناس؟ الصراع هو النتيجة ولا مفر منه في ظل الكفر بالله تعالى, لأن الكافر يظن أنه ليس له من الحياة إلا هذه الدنيا ومتاعها وليس له من هذه الدنيا إلا ما تمتع به وتلذذ به وما في الأرض لا يكفي لتحقيق متعه ورغباته ولذاته فكيف وهو يجد ملايين من البشر, كل واحد مثله يريد أن يمتلك الدنيا لوحده وأن يخضعها لحكمه, فلا بد من الصراع على أطماع الدنيا ومتاعها الزائل! ولا بد من الصراع في داخل البيوت بين الأخ وأخيه ولا بد من الصراع في القرية أو الحارة بين الأسر.
لا بد من الصراع بين المناطق المختلفة، والقبائل المختلفة، والتجمعات المختلفة.
لا بد من الصراع بين الدول والأحلاف على وجه الأرض.
وهذا هو الواقع !! ومن لا يعيش الصراع يعد للصراع !! ولا مفر منه في ظل الكفر وكلما تذكر الإنسان الموت، ورأى أنه قد يفجؤه في أي لحظة أحس بقصر العمر فانطلق كالمجنون المسعور يزيد من صراعه ومنافسته ليفوز بأكبر قدر من متاع الدنيا قبل أن تنتهي حياته وهكذا يقدم الصراع على أطماع الدنيا وتستخدم في هذا الصراع كل الأسلحة والحيل مهما كانت خبيثة غادرة وهذا هو الواقع… ولا مفر منه في ظل الكفر إلا بالفرار إلى رحاب الإيمان, لأن المؤمن يعلم أن ربه قد خلق له ما يكفي طموحه وأطماعه في جنة عرضها السموات والأرض أعد الله فيها للمؤمنين كل ما تشتهيه نفوسهم وتلذ به أعينهم وهم فيها خالدون، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ(69)ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ(70)يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وعلم المؤمن أنه لن يفوز بهذا النعيم الدائم كما أنه لن ينجو من عذاب الجحيم إلا إذا نجح في امتحان طاعته لربه الذي يؤديه أثناء حياته وبقائه على وجه الأرض, وعلم المؤمن أن نجاحه في الامتحان لا يكون إلا باتباع أوامر خالقه ومالكه واجتناب ما نهاه عنه، وعلم المؤمن أن ربه قد أمره أن يأخذ حظه من متاع الدنيا من الطرق الحلال التي لا غش فيها ولا خداع ولا استغلال ولا ظلم وأن له ما يكفيه ويكفي من يعوله وعليه حق نحو من عجزوا عن أخذ ما يحتاجون له من متاع الدنيا, فترى المؤمن عاملاً مجداً، ومنافساً شريفاً، ومنفعاً متعاوناً مواسياً، وهكذا يعيش المؤمن في مجتمع تشيع فيه المحبة بدلاً من العداوة, والتعاون بدلاً من التقاطع, والمحبة بدلاً من الكراهية، والشرف بدلاً من الخسة، والعفة بدلاً من الدناءة، والكرم بدلاً من الشح، والمواساة بدلاً من الاستغلال، والعدل بدلاً من الظلم، والتواضع بدلاً من التكبر، و الرضى والسعادة بدلاً من السخط والقلق والشقاء والتعاسة.
وهكذا كان واقع المسلمين يوم أن كانوا مؤمنين أقوياء في إيمانهم ولا تزال هذه الصفات الطيبة في تناقص واختفاء في مجتمعات المسلمين، ويلاحظ اختفاؤها بقدر ما يصيب الإيمان من ضعف في نفوس أصحابه. وتعود للظهور مرة ثانية بقدر ما يعود الإيمان بالله ورسوله لينتهي الصراع بين الناس ولتعود الحياة الإسلامية الصالحة للظهور مرة ثانية كما ظهرت أول مرة ولذلك كان أهم واجب وأول واجب على الإنسان أن يعرف الله تعالى.
(6)
أنت ومن في الأرض جميعاً ستخرجون من الدنيا فبما يقارب مئة عام (إذا شاء الله) بعدها ستكون في عداد الأموات، قال تعالى﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ فما أنت إلا من أبناء الموت وأنت تنتظر موعد طلبك للخروج من الدنيا كذلك الذي قد أخرج مع فوج كبير إلى ساحة الإعدام وهو ينتظر دوره الذي لا مفر منه وسيأتيك الموت في لحظة معينة، فقد تصبح مع الأحياء فلا تمسي إلا مع الأموات, وقد نمسي مع الأحياء فلا تصبح إلا مع الأموات. قال تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾
وما أنت إلا أيام أيها الإنسان كلما مر يوم نقصت وقربت من أجلك ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
ستخرج راضياً أو كارهاً، وسيخرج الملوك والرؤساء والأغنياء كما خرجوا في الأمم الماضية, وكما يخرج الأفراد والفقراء والضعفاء, وستخرج كل الشعوب كما خرجت من قبل, فليس الناس إلا عبيداً لمن أحياهم وأماتهم بدون إذن منهم أو اختيار. وستترك مالك وسلطانك وأهلك وأحبابك وعلمك وعملك وخبرتك وصحتك وجمالك, وسيعود جسدك إلى ما بدأ منه، وستأتي اللحظة التي ينسلخ فيها لحمك عن عظامك وتتمزق فيها عروقك وأحشاؤك وسيصبح هذا الجسد الحي أمامك قليلاً من العظام تحت كتلة من التراب وسيطول بك المقام كما طال بسابق الأقوام فهل سألت نفسك عن حقيقة مصيرك الدائم وهل فهمت ما سيكون من أمرك في مستقبلك الطويل؟!.
إنك ومن في الأرض من الدول والشعوب تبذلون أقصى الجهود لتأمين مستقبل يعد بالسنين ولا يلبث أن تنتهي أعوامه وأيامه! فماذا أعددت لمستقبلك الدائم وهل هناك مستقبل؟ وهل هناك حياة بعد هذه الحياة؟ وهل ترتبط تلك الحياة بهذه الحياة؟ وما هو طريق الفوز والنجاة؟ وما الذي يؤكد لنا هذه الأخبار؟ إن الذي خلقنا أول مرة من تراب ليس بعسير عليه أن يبعثنا مرة أخرى بعد أن نعود تراباً. إن الذي ظهرت حكمته من خلقنا وأطوار خلقنا لا شك أنه قد أراد حكمة من موتنا ستظهر إن انتقلنا إلى طورنا الجديد بعد الموت.. إن الذي أتقن خلق الإنسان من نطفة تمنى لن يتركه يذهب سدى.. إن الذي أقام الحق في الأرض والسماء سيقيم الحق فيما عمل الإنسان من خير وشر فيجزي المحسن ويعاقب المسيء في يوم الحساب.. إن الذي بعث الرسل مبشرين ومنذرين من يوم الحساب بعد الموت في كل أمة لن يخلف وعده وسيصدقه رسله.. إن علامات قرب الساعة قد ظهرت في الدنيا كما أخبر محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. فما بقي إلا أن نرى الساعة كما رأينا اليوم علاماتها. ولقد ثبت أن الأرض تحتفظ بسجل لأعمالنا (الصوت والصورة) وما حفظ وسجل إلا لعرضه مرة ثانية. قال تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ .
إن الذي يبدأ الخلق ثم يعيده قادر على إعادة خلقنا مرة ثانية كما بدأه أول مرة.
إن الأمر خطير إذن… إنه أمر المستقبل الدائم والمصير الدائم.
إما حياة النعيم… أو حياة الجحيم.
ولن يزول عنك الخوف من مستقبلك المجهول إلا إذا تحققت من صدق رسل ربك وتأكدت أن ما أخبروك به هو الحق من ربك الذي أحياك ويميتك ويبعثك وعندئذ تهدأ خواطرك وتسعد حياتك، ويذهب عنك القلق والفزع من المصير المجهول الذي ينتظرك ولكن ذلك كله لن يكون إلا إذا آمنت بالله ورسوله لذلك كله كان أول واجب على الإنسان أن يؤمن بالله تعالى وأن يعرف رسول الله إليه.
بارك الله فيكِ
وجزاكِ الله خير
(7)
نحَو الإيمَان
وما أحوج الإنسان الفقير الخاضع المستسلم إلى ربه الغني الحاكم المسيطر القهار.
وما أحوج العبد المتردد الحائر الجاهل إلى إرشاد سيده، المرشد الهادي العليم.
إن الإنسان في أمَسّ الحاجة لتحقيق صلة دائمة بربه فإن حققها أمن المخاوف وعاش في ظل رعاية ربه، واثقاً مطمئناً سعيداً، كما يشاهد في أحوال المؤمنين الصادقين وكما عرف من تاريخ المسلمين الصادقين. لكن هذه السعادة وهذه الرعاية والألطاف الإلهية، والنصر والتثبيت لا تتحقق إلا بعد تحقق أهم صلة بين المخلوق وخالقه تلك هي صلة إيمان المخلوق بخالقه.
لذلك كان لا بد من الإيمان بالله وكان لا بد من الإيمان برسوله لأنه المرشد إلى تفاصيل تلك الصلة.
وهكذا نعرف أن أول واجب على الإنسان أن يعرف ربه ورسول ربه إليه.
(8)
– من لا يعرف خالقه فهو يعيش في الظلام.
– من لا يعرف مالكه المتصرف بأمره كيف يشاء فهو يعيش في الظلام.
– من لا يعرف الحكمة من خلقه ووجوده فهو يعيش في الظلام.
– من لا يعرف الهدى والنور الذي جاء به من ربه فهو يعيش في الظلام.
– من لا يعرف مصيره الذي يسير إليه كل يوم وينتقل بالموت إليه فهو يعيش في الظلام.
– من لا يعرف الطريق للعيش في ظل رضى ربه ورعايته يعيش في الظلام.
– من لا يعرف الطريق للخروج من هذه الظلمات فسيبقى في الظلمات ليس بخارج منها.
وإذا تأمل العاقل وتفكر فسيجد أن حاجته للهدى والنور الذي يخرجه من هذه الظلمات مقدم على كل الحاجات.
وإذا تفكر العاقل في شأن خالقه فسيرى أنه سبحانه قد هدى كل شيء إلى وضعه الأمثل الذي يتناسب مع خلقه وتكوينه فترى كل عرق وكل عصب في جسم الإنسان وكل عضو وكل جزء وكل جهاز فيه قد خلق على الوضع المناسب وهدي إلى الأمر الذي يتناسب مع خلقه وتكوينه وكذلك كل أجزاء النباتات من عروق وأوراق وزهور وأغصان وثمار وكذلك كل أعضاء وأجزاء الحيوان وكذلك أجزاء الأرض من ماء وهواء وتراب وجبال وليل ونهار وصيف وشتاء وخريف وربيع وكذلك كل نجوم السماء وكواكبها فكل شيء قدَّر خلقه وهدى إلى ما يناسب ذلك الخلق لأن خالقه هو ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2)وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ (سورة الأعلى: آية 2- 3) وهو ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (سورة طه: آية50).
وإذا تأمل العاقل في هذا وجد أن الخالق قد هدى ما هو أصغر منه وما هو أعظم فيستنتج عقله أنه ربه الهادي لم يتركه بغير هدى. وإذا تأمل العاقل في خلقه وتكوينه يجد أن الله قد خلقه محتاجاً إلى الهواء فوفر له الهواء وخلقه محتاجاً للماء فوفر له الماء، وخلقه محتاجاً للضوء فكفاه بالضوء وخلقه محتاجاً للطعام فكفاه وخلقه محتاجاً للملابس والفراش فخلقه وخلقه محتاجاً للدم واللحم والعظام والأسنان وسائر أجزاء جسمه فخلق له كل ما يحتاج إليه، وخلقه محتاجاً لطرد الفضلات من جسمه فهدى تلك الفضلات إلى طريقها، وإذا كان الخالق قد هدى أصغر أجزاء الإنسان فلا يشك العاقل أن خالقه بعد ذلك سيتركه بدون هدى. إن الإنسان في أمس الحاجة إلى نور يخرجه من ظلمات الجهل والحيرة والضياع والقلق والشك في أهم أمور حياته ووجوده. إن الإنسان إذا صنع آلة لا يرسلها إلا وقد أتبعها بمن يشرح للناس الحكمة من صنعها وكيفية عملها، وخالق هذا الإنسان لا يمكن أن يترك الإنسان بدون بيان أو هدى، ولقد جاءنا من ربنا النور والهدى ولكن الكافر يتعامى ويتبع الهوى. قال تعالى:﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15)يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (سورة المائدة: آية 15-16).
فما من أمة إلا وقد أرسل إليها رسولاً, قال تعالى:﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (سورة فاطر: آية 24). وتاريخ البشر المدوّن يشهد أنه ما من أمة إلا ولها دين، سواء كانت على أصله الصحيح أو قد حرفته الأيام.
فلا عذر لمعتذر فقد جعل الله لعباده نوراً يخرجون به من الظلمات إلى النور وأرسل هذا النور مع رسله الكرام لإيصاله إلى عباده فلا تبقى حجة لمن أصر على العيش في الظلام قال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ (سورة النساء: آية 165).
وهذه الحجة قائمة في هذا الزمان… هذا هو القرآن تبثه في الآفاق عشرات المحطات الإذاعية والتلفزيونية سليماً كما أنزله الله، قد حفظه الله من كل تحريف، وهذا هو القرآن، قد حفظ في الصدور، وتجمعت جهود العلماء في كل زمان للعناية بحفظه وتعليم كل علومه، فما هو عذر الذي لا يزال يعيش في الظلام وما عذره يوم يسأله ربه كما أخبر تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (سورة النمل: آية 84).
إن في الهدى الذي جاء من ربنا جواباً كاملاً على كل أسئلة الإنسان، وفي هذا الهدى شفاء لما في الصدور، وفي هذا الهدى الإقناع الكامل لأهل العقول.
ولقد أقبل أهل العقول على هدى ربهم فعرفوا أنه الحق ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (سورة سبأ: آية 6).
وهكذا استجابوا بعد أن عرفوا وعلموا فأي عذر للتخلف عن الإيمان بعد أن استجاب غيرهم للحق لما عرفوه. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ (سورة الشورى: آية 16).
(9)
نحَو الإيمَان
وكما استجاب العقلاء لنور الله، فإن الباحثين من قادة العلوم المعاصرة في الشرق والغرب قد عادوا إلى رحاب الإيمان بالله بعد أن نفّرهم الرهبان والقسس والكهنة من الدين، لأن القسس أرادوا أن يفرضوا الدين الذي حرفوه وبدلوه على عقول الباحثين بالقوة فنفروا من الدين كله , ولكنهم كلما حاولوا الفرار من الإيمان بالله قابلتهم أنواره وتكشفت لهم آياته وكلما لفّقوا نظرية لنصر الإلحاد كشف الله لهم عن حقائق تعصف بتلك النظرية الزائفة فأرغمتهم الآيات الربانية أن يعودوا دعاة للإيمان به بعد أن كانوا دعاة للإلحاد. ومن المؤسف أن كثيراً من الناس في بلاد المسلمين قد خدعوا بنظريات الإلحاد التي كان يروّجها هؤلاء الباحثون لصد الناس عن الدين وعن الإيمان بالله، ولا زالوا بتلك النظريات مخدوعين، وعلموا أن الباحثين ما فعلوا ذلك إلا فراراً من دين قد حرّفه القسس والرهبان وكذبوا على الله، وما علم هؤلاء المغرورون أن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جاء بالبيان لما حرفوه وبدلوا، وأنه قد أشار إلى الباطل الذي لبس على النصارى به في دينهم قبل أن يكتشف الباحثون ذلك الباطل بقرون عديدة. وما علم هؤلاء المغرورون وخاصة في بلاد المسلمين أن قادة البحوث العلمية في الشرق والغرب قد أصبحوا من الذين ينددون بالإلحاد وأباطيله، وأن الكثير منهم قد أصبح من دعاة الإيمان بالله، وإليك بعض أقوال هؤلاء الباحثين والدارسين في علوم الكون مختلفة:
ا- الدكتور وولتر سكاءلند برج:
وهو عالم في الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية، حاصل على درجة الدكتوراه وأستاذ فسيولوجيا الكيمياء بجامعة فيوتا وأستاذ الكيمياء الحيوية الزراعية فيها وعميد معهد هورمل منه سنة 1949 م وعضو ورئيس جمعيات عديدة لدراسة الطعام وتركيبه الغذائي قال: "أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد من إدراكهم وإبصارهم لأيادي الله في هذا الكون ".
2- وقال أندرو كونواي أيفي:
وهو من العلماء الطبيعيين ذوي الشهرة العالمية في عام 1925 إلى 1946 م قال فيما كتبه تحت عنوان "وجود الله حقيقة مطلقة ":
"ويظهر أن الملحدين أو المفكرين بما لديهم من الشك لديهم بقعة عمياء أو بقعة مخدرة داخل عقولهم تمنعهم من تصور أن كل هذه العوامل سواء ما كان منها ميتاً أو حياً تصير لا معنى لها بعدم الاعتقاد بوجود الله ".
3- وقال هيرشل العالم الفلكي الإنجليزي:
"فكلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدافعة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم وهو صرح عظمة الله وحده ".
4- ويقول الدكتور (ووتز) الكيماوي الفرنسي:
"إذا أحسستُ في حين من الأحيان أن عقيدتي بالله قد تزعزعت وجهت وجهي إلى أكاديمية العلوم لتثبيتها".
5- وقال الدكتور ماريت ستانلي كونجدن:
وهو عالم طبيعي وفيلسوف حاصل على دكتوراه من جامعة بورتون وأستاذ سابق بكلية ترتيتيسي بفلوريدا وعضو الجمعية الأمريكية الطبيعية وأخصائي الفيزياء وعلم النفس وفلسفة العلوم قال: "إن جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه ويدل على قدرته وعظمته وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر الكون ودراستها حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته ذلك هو الله الذي لا نستطيع الوصول إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كل ذرة من ذرات هذا الوجود وليست العلوم إلا دراسة خلق الله وآثار قدرته ".
6- وقال إدوارد لوتر كبل:
وهو أخصائي في علم الحيوان والحشرات حاصل على دكتوراه من جامعة كاليفورنيا أستاذ علم الأحياء ورئيس القسم بجامعة سان فرانسيسكو ومتخصص في دراسة أجنحة الحشرات والسلامتدو (نوع من الحيوان) والحشرات ذات الجناحين قال بعد أن سرد عدداً من الأدلة على إيمانه:
"ولا يتسع المقام لسرد أدلة أخرى لبيان الحكمة في التصميم والإبداع في هذا الكون ولكني وصلت إلى كثير من هذه الأدلة فيما قمت به من البحوث المحدودة حول أجنحة الحشرات وتطورها وكلما استرسلت في دراستي للطبيعة والكون ازداد اقتناعي وقويَ إيماني بهذه الأدلة، فالعمليات والظواهر التي تهتم العلوم بدراستها ليست إلا مظاهر وآيات بينات على وجود الخالق المبدع لهذا الكون".
لقد كشف الله للباحثين الآيات والأدلة على وجوده سبحانه كما كشف لهم أيضاً عن عجائب القرآن الكريم ومعجزات الرسول عليه الصلاة والسلام ما يقنعهم بنبوته ورسالته (1) وهذه مواكب الإيمان بالإسلام من الدارسين والباحثين في الشرق والغرب (2) ولا تزال هذه المواكب تتزايد يوما بعد يوم.
وهذه المراكز الإسلامية قد أُنشِئت في كثير من البلاد الأوروبية وأمريكا ومما يزيد الثقة بهذا الدين أن الذين يدخلون فيه يدخلونه على علم وبينة وأن الذين يخرجون منه يخرجون على جهل.
(10)
وإذا كنت أيها العاقل بحاجة إلى الإيمان كما سبق البيان فأنت بحاجة إليه لتنجو من العذاب بالنيران وتكون من أهل الجنان ولأن عدل الخالق- سبحانه- يأبى التسوية بين المسلمين والمجرمين. ولأن خالق السماوات والأرض بالحق لا بد أن يقيم الميزان في كل قضايا الإنسان ولأن الذي حفظ خلقك ورعاك وأنت نطفة صغيرة لن يضيعك سدى.
ولأن هذا الطور الناقص من حياة الإنسان لا يكمل وتظهر الحكمة منه إلا بالحياة الأخرى ولأن ما تحتفظ به الأرض من سجلات لا بد من عرضه مرة ثانية (3)
ولأن مطامع الإنسان لا تشبع إلا بما أعد لها الخالق في الآخرة لأنها قد خلقت للآخرة ولأن الذي يبديء ويعيد وقد بدأ الخلق أول مرة يسهل عليه أن يعيد الخلق مرة ثانية ولأن الذي كتب الموت والحياة قد أرسل الرسل الصادقين وأيدهم بالدلائل والبينات فأخبرونا عن المصير وعن عذاب الله للعصاة في نار وقودها الناس والحجارة، كما أخبرونا عن السعادة الكبرى في جنة عرضها السماوات والأرض، ولقد أخبرنا الرسول محمد- عليه الصلاة والسلام- بأنه خاتم الأنبياء وأن الحساب قد قرب ولقد حدثنا عن علامات قرب الساعة التي ستأتي بعده عليه الصلاة والسلام فرأيناها الآن قد بدأت تظهر وما كان أحد ليصدق في الزمن الماضي بأنها ستقع لولا أن الذي أخبر بها هو رسول الله بتعليم من ربه ونحن اليوم نراها كما أخبرنا رسول الله وغداً يرى أهل النار ما وعدهم ربهم كما يرى أهل الجنة صدق ما وعدهم ربهم. وهذه بعض العلامات التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ا- ظهور العجائب التي لا تخطر على بال:
هذا هو زمن العجائب في المخترعات و المباديء والأخلاق والتنظيمات وفي هذا الزمان شاهدنا من عظائم الأشياء ما لم يكن يخطر لنا على بال، ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الزمان حتى لا تضطرب أفكارنا وتطيش مع الأمور العظيمة أفئدتنا فقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " لا تقوم الساعة حتى تروا أموراً عظاماً لم تكونوا ترونها ولا تحدثون بها أنفسكم " (4). وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " سترون قبل أن تقوم الساعة أشياء ستنكرونها عظاماً تقولون: هل كنا حدثنا بهذا فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله تعالى واعلموا أنها أوائل الساعة" (5).
2- الحفاة العراة رعاة الغنم العالة سيشيدون العمائر المتطاولة:
لا يصدق إنسان من غير المؤمنين أو جاهل بالحديث أن راعي الغنم الحافي الذي لا يملك الحذاء ولا الملبس ولا الطعام يتمكن من بناء العمائر الضخمة ويطاول غيره في البناء حتى رأينا البترول يخرج من أرض الحفاة الرعاة العالة فإذا هم يتطاولون في البنيان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بهذا قبل وقوعه بقرون فقال صلى الله عليه وسلم:
"إذا رأيت الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان فانتظر الساعة" (6).
3- زخرفة البيوت كما تزخرف الأثواب:
ما كان أحد من السابقين يتوقع أن يبذل الناس جهداً لزخرفة الجدران والبيوت وتخطيطها كما تخطط الثياب لما يسبب ذلك من كلفة ولأن ذلك ليس بالأمر الضروري حتى جاء هذا الزمان ورأينا الزخرفة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يوشونها وشي المراحيل " (7) والمراحيل هي الثياب المخططة.
4- تقريب أجزاء الأرض:
ما كان يخطر ببال أحد أن أجزاء الأرض ستقرب وتزوى حتى يتمكن المشاهد أن يشاهد في مرة واحدة تلك الأجزاء المتباعدة كما حدث ذلك لرسول اله صلى الله عليه وآله وسلم وكما أخبر فقال: "زُويت لي الأرض فأُريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي مقدار ما تزوى لي منها" (8).
أو كما قال ولقد أخبر الرسول الكريم أن الأرض ستزوى في أواخر الزمان فقال: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتزوى الأرض زياً". فهذه الأرض قد زويت فرأى راكب الصاروخ مشارقها ومغاربها ورأى الناس معه ذلك، وهذه المسافات قد اختصرت وهذا من زوى الأرض وتقارب الزمان وهذه الأصوات قد سمعت من الأماكن البعيدة والصور قد انتقلت وهذا من زوى الأرض وتقارب الزمان وهذه علامات الساعة كما أخبر الرسول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.
5- حديث السباع ونطق الجماد ونقل أخبار الزوجة إلى زوجها:
هل يمكن للسباع أن تتكلم؟ هذا مستحيل بالنسبة لمن عاشوا قبلنا… لكنها اليوم قد بدأت الكلام وهذه القطط قد بدأ بعضها يفصح… وغداً تلحقها السباع… لكن هذا من علامات قرب الساعة هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغداً تقع الساعة كما وقعت اليوم بعض علاماتها وكذلك ما كان أحد يصدق أن الجماد سيتكلم لكنه الآن ينطق وبعد أن نطق الجماد، وكان من البعيد جداً أن يتمكن الجماد من التعرف على أحوال المنزل ونقل أخباره إلى الزوج بعد مغادرته بيته حتى تمكن الباحثون من صنع جهاز للتنصت ينقل الأخبار من أي مكان إلى حامل هذا الجهاز وذلك بواسطة توجيهه على موجة معينة وغداً يطور هذا الجهاز فيحمل في النعل في شكل عذبة سوطة التي تتحدث كما قد شاهدنا المذياع (الراديو) قد صنع في شكل نظارة ولكن هذا أيضاً من علامات قرب الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنسان وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره بما أحدث أهله من بعده " (9) وهذا هو حديث السباع ونطق الجماد وهذا من علامات قرب الساعة.
6- نهضة علمية مع جهل بالدين:
كان السائد أن القراءة إذا كثرت دلت على كثرة الفقه وأن الأمراء إذا كثروا، كثر فيهم الأمناء لأن الإمارات والولايات يتحرى فيها الأمانة، لكن آخر الزمان قد جاءنا بالعكس من ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام: "من اقتراب الساعة كثرة القراء وقلة الفقهاء وكثرة الأمراء وقلة الأمناء" (10).
ولقد كان العلم دليلاً على قوة الدين والجهل دليلاً على ضعف الدين ولكن العكس هو الذي يكون في آخر الزمان كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "يكون في آخر الزمان عبّاد جهّال وقرّاء فسقة" (11).
7- وفرة الأموال واتساع التجارة وكثرة القراءة والكتابة:
قال عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة أن يفشو المال وتفشو التجارة ويظهر القلم " (12) وظهور القلم دليل على كثرة القراء والكتّاب.
8- تعرّي النساء وتمايلهن وجعل الرؤوس كأسنمة الجمال:
ما كان يخطر ببال أحد أن نساء المسلمين سيعملن على التعري والتمايل واتخاذ كل وسيلة تثير شهوات الرجال. لكن حركة التعري مشاهدة رغم وفرة الملابس فهذه الملابس الضيقة تجعل المرأة كأنها عارية وهذه الملابس الخفيفة الكاشفة تعري الجسم من خلف الكساء الشفاف وهذه الملابس القصيرة تكشف قدراً كبيراً من جسم المرأة رغم وفرة القماش والكساء الذي يكسو ما كشف، وهذه حمّامات السباحة المختلطة تشاهد فيها المرأة، وقد تجردت من ثيابها وكسائها وعرت جسمها إلا الفرج وبعض الثديين!! فهؤلاء هن الكاسيات لكنهن العاريات، ولقد تعمدت أغلب النساء أن يلبسن حذاء بكعب عال يجعل جسم المرأة مائلاً من الخلف إلى الإمام فتميل رؤوس المفتونين وقلوبهم مع ميل قلوب النساء وتمايل أجسادهن ومع هذا التعري والتمايل تلك التسريحات المختلفة التي تجمع الشعر، وكأنه سنام جمل يتمايل ولقد كشف هذا الرسول عليه وآله الصلاة والسلام فكانت الكلمات كأنها تقاطيع الصورة المشاهدة فقال: "صنفان من أمتي في النار لم أرهما؟ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات. مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائل " (13).
9- تشبه الرجال كالنساء والنساء كالرجال:
ما كان يخطر على بال أحد من السابقين أن الرجال سيتشبهون بالنساء وبالعكس وخاصة في جو النخوة القبلية الذي يئد البنت حية تخلصاً من عارها، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بذلك ويخبر أنه عن علامات قرب الساعة فقد قال: "من اقتراب الساعة تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال " (14).
(11)
إذا تأملت إلى ما مضى من عمرك، فستعرف قيمة هذه الحياة لأنك إذا أشرفت على حافة قبرك وتذكرت حياتك التي تنتهي باحتضارك ستعرف عندئذ أنك لم تكن فيها إلا عابر سبيل كما أخبرك الرسول الكريم بقوله: " عش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " فهل أعددت أيها المسافر ما يلزمك لدار النزول أم أنك انشغلت بجمع الفائض عن حاجتك و أهملت كل ما تحتاجه غداً.. سل نفسك ما الذي تنتفع به عملياً مما تصارع من أجله ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وستخرج تاركاً كل شيء. لو اجتمع من عاشوا في الأرض من قبلنا لرأينا آلاف الأشخاص يتنازعون على قطعة أرض واحدة كل يدعي أنه قد ملكها واحتجزها وكانت ضمن ممتلكاته!! فمن المالك الحقيقي؟ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ(23)وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ(24)وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ .
لو فكرت كثيراً في أمرك وعرفت خالقك ورسوله إليك لعرفت عندئذٍ أن هذه الدنيا ما هي إلا دار ابتلاء وامتحان يتعاقب عليها الناس ليتميز عليها المطيع لربه من العاصي ثم يخرجون منها كما دخلوا إليها ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ .
ولو عرفت الآخرة وحقيقتها لعملْتَ واشتقت للعيش فيها وأنقذت نفسك من أخطارها .
وإذا كانت الدنيا أياماً منقضية، فإن الآخرة حياة باقية خالدة، وإذا كانت الدنيا قد مزجت بالشقاء فإن الآخرة قد خلصت للنعيم قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ(31)هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ(32)مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ(33)ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ(34)لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ .
لكن الكافرين بربهم لهم عذاب شديد، فإذا وقفوا لديه طلبوا من ربهم أن يعيدهم مرة أخرى إلى الدنيا ليعملوا صالحاً غير الذي كانوا قد عملوا فيرد عليهم بأنهم قد أُعطوا مهلة كانت تكفي لكي يتذكروا وقد جاءهم من ينذرهم فما خافوا يوم لا يكون لهم نصير قال تعالى: ﴿لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ(36)وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ .