أ :- أوصافه الخلقية
إن الشيخ – حفظه الله – يمتاز باعتدال في بنيته ، مع المهابة ، وهو ليس بالطويل البائن ، ولا القصير جدا ، بل هو عوان بين ذلك ، مستدير الوجه ، حنطي اللون ، أقنى الأنف ، ومن دون ذلك فم متوسط الحجم ، ولحية قليلة على العارضين ، كثة تحت الذقن ، كانت سوداء يغلبها بعض البياض فلما كثر بياضها صبغها بالحناء ، وهو ذو بسمة رائعة تراها على أسارير وجهه إن ابتسم؛ وهو عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ويمتاز بالتوسط في جسمه فهو ليس بضخم الكفين ولا القدمين؛ وأوصافه فيها شبه من أوصاف العلماء السابقين – رحمهم الله – .
ب :- هيئته ولباسه
يعتبر الشيخ – حفظه الله – حسن الهيئة ، جميل المظهر ، ولا يتكلف في ذلك أبدا ، ويحرص جدا على لباس البياض في ثيابه ، ويحب ارتداء الثياب الواسعة ، وثيابه تصل إلى أنصاف ساقيه ، ويزين ثيابه بمشلح وعباءة عودية اللون ، وهو سلفي في المظهر والشارة .
الفصل الثالث صفاته الخُلقية
إنه لمن المعلوم المتواتر عند جميع الناس أن سماحة الشيخ عبد العزيز – حفظه الله – ممَّن تميَّز بالخلال الحميدة ، والخصال الرشيدة ، وجميل الأخلاق ، وطيب الفعال ، وعظيم التواضع ، وهو ممن يقتدى به في الأدب والعلم والأخلاق ، بل هو أسوة حسنة في تصرفاته وسمته وهديه المبني على كتاب الله العظيم ، وسنة رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم ، وخاصة في زهده وعبادته وأمانته وصدقه ، وكثرة التجاءه وتضرعه إلى الله ، وعظيم خشيته لله ، وذكاء فؤاده وسخاء يده ، وطيب معشره ، مع اتباع للسنة الغراء ، وكثرة عبادة – زاده الله إحسانا وتوفيقا – وقصارى القول أن للشيخ – رعاه المولى – صفات حسنة ، وخلال جميلة ، وشيم كريمة ، ومناقب فذّة عظيمة ، يجدر بنا أن نتناولها بشيء من التفصيل .
أ :- عظيم تواضعه
التواضع هو انكسار القلب لله ، وخفض جناح الذل والرحمة للخلق ، ومنشأ التواضع من معرفة الإنسان قدر عظمة ربه ، ومعرفة قدر نفسه ، فالشيخ – حفظه الله – قد عرف قدر نفسه ، وتواضع لربه أشد التواضع ، فهو يعامل الناس معاملة حسنة بلطف ورحمة ورفق ولين جانب ، لا يزهو على مخلوق ، ولا يتكبر على أحد ، ولا ينهر سائلا ، ولا يبالي بمظاهر العظمة الكاذبة ، ولا يترفع عن مجالسة الفقراء والمساكين ، والمشي معهم ، ومخاطبتهم باللين ، ولا يأنف أبدا من الاستماع لنصيحة من هو دونه ، وقد طبق في ذلك كله قول الله : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولا يبغي أحد على أحد أخرجه مسلم ( 2865 ) .
ومما يندرج تحت هذا الخلق خلقا : السكينة والوقار ، وهما من أبرز صفات الشيخ – حفظه الله – وهما أول ما يواجه به الناس سواء القرباء أو البعداء ، جلساءه الأدنين أو زواره العابرين ، فإن الناس ليتكبكبون حوله أينما وجد ، في المسجد ، في المنزل ، في المكتب ، وإنه ليصغي لكل منهم في إقبال يخيل إليه أنه المختص برعايته ، فلا ينصرف عنه حتى ينصرف هو ، ومراجعوه من مختلف الطبقات ، ومن مختلف الأرجاء ، ولكل حاجته وقصده ، فيقوم الشيخ – حفظه الله – بتسهيل أمره ، وتيسير مطلبه ، ولربما ضاق بعضهم ذرعا عليه ، بكلمات يرى نفسه فيها مظلوما فما من الشيخ – حفظه الله إلا أن يوجهه للوقار والدعاء له بالهداية والصلاح ، إنها والله صور صادقة ، بالحق ناطقة ، تدل على تواضع جم ، وحسن سكينة ، وعظيم أناة وحلم ، وكبير وقار .
ومما يؤكد تواضعه – حفظه الله – تلبية دعوة طلابه ومحبيه في حفلات الزواج الخاصة بهم ، ويحضر حضورا مبكرا ، ويطلب من أحد الإخوان قراءة آيات من القرآن الكريم ، ثم يقوم بتفسيرها للجميع ، هذا دأبه والغالب عليه في حضوره للولائم – رفع الله قدره – .
الفصل الرابع حياته العلمية
أ :- مكانته العلمية
إن مما لا شك فيه ، ولا ريب يعتريه ، أنه لا توجد في الإسلام وظيفة أشرف قدرا ، وأسمى منزلة ، وأرحب أفقا ، وأثقل تبعة ، وأوثق عهدا ، وأعظم أجرا عند الله ، من وظيفة العالم! ذلك لأنه وراث لمقام النبوة ، وآخذ بأهم تكاليفها ، وهو الدعوة إلى الله وتوجيه خلقه إليه ، وتزكيتهم وتعليمهم وترويضهم على الحق حتى يفهموه ويقبلوه ، ثم يعملوا به ويعملوا له .
فالعالم بمفهومه الديني في الإسلام ، قائد ميدانه النفوس ، وسلاحه الكتاب والسنة وتفسيرهما العملي من الكتاب والسنة ، ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه ، وعونه الأكبر الانتصار ، في هذا الميدان أن ينسى نفسه ويذوب في المعاني السامية التي جاء بها الإسلام وأن يطرح حظوظها وشهواتها من الاعتبار ، وأن يكون حظه من ميراث النبوة أن يزكي ويعلم ، وأن يقول الحق بلسانه ، ويحققه بجوارحه ، وأن ينصره إذا خذله الناس ، وأن يجاهد في سبيله بكل ما آتاه الله من قوة؛ وقد هيأ الله لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز هذه الصفات الحميدة ، والمناقب الرشيدة فأتاه الله حسن القبول ، ورفعة الذكر ، وانكباب المسلمين عليه في أقطار المعمورة ، إفتاء ودعوة وتوجيها وإرشادا وتسديدا ، بل إنه ليعتبر في مكانة علمية رفيعة فهو مفتي المسلمين ومرجعهم في النوائب والكرب والملمات والشدائد ، بعد الله سبحانه ، فهو لضعيفهم أب رحيم ، ولمظلومهم كهف منيع ولداعيهم موجه سديد ، ولطالبهم معلم رشيد ، ولفقيرهم محسن كريم ،
وأما الوسيلة الكبرى في نجاحه في هذه المكانة العلمية ووصوله إليها ، فهي أنه قد بدأ بنفسه في نقطة الأمر والنهي ، فلا يأمر بشيء مما أمر الله به ورسوله حتى يكون أول فاعل له ، ولا ينهى عن شيء مما نهى الله ورسوله عنه حتى يكون أول تارك له ، كل ذلك ليأخذ الناس عنه بالقدوة والتأسي أكثر مما يأخذون عنه بوساطة الأقوال المجردة والنصوص اللفظية ، لأنه أدرك – أدام الله عزه – تمام الإدراك أن تلاوة الأقوال والنصوص لا تعدو أن تكون تبليغا ، والتبليغ لا يستلزم الاتباع ، ولا يثمر الاهتداء ضربة لازم ، ولا يعدو أن يكون تذكيرا للناسي ، وتبكيتا للقاسي ، وتنبيها للخامل ، وتعليما للجاهل ، وإيقاظا للخامل ، وتحريكا للجامد ودلالة للضال . . .
أما جر الناس إلى الهداية بكيفية تشبه الإلزام فهو في التطبيقات والتفسيرات العملية التي كان المرشد الأول محمد صلى الله عليه وسلم يأتي بها في تربية أصحابه ، فيعلمهم بأعماله ، أكثر ما يعلمهم بأقواله . . . لعلمه وهو – سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم – بما للتربية العملية من الأثر في النفوس ، ومن الحفز إلى العمل بباعث فطري في الاقتداء ، وقد رأى مصداق ذلك في واقعة الحديبية حين أمر أصحابه بالقول فتردّدوا ، مع أنهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا ينطق عن الهوى ، ثم عمل فتتابعوا في العمل اقتداء به وكأنهم غير من كانوا .
ومما أوصل سماحته إلى هذه المكانة العلمية ، والمنزلة الرفيعة ، أنه يرى نفسه أنه مستحفظ على كتاب الله ، ومؤتمن على سنة رسوله في العمل بها وتبليغها كما هي ، وحارس لهما وعليهما أن يحرفهما الغالون ، أو يزيغ بهما عن حقيقتهما المبطلون ، أو يعبث بها المبتدعة الضالون ، فهو حذر أن يؤتى الإسلام من قبله ، تجده لذلك – حفظه الله – يقظ الضمير ، متأجج الشعور ، مضبوط الأنفاس ، دقيق الوزن ، مرهف الحس ، كثير العمل ، قليل الكلام عن نفسه وجهده وجهاده ، متتبع لما يأتي الناس ، وما يذرون من قول وعمل ، سريع الاستجابة للحق ، إذا دعا داعيه ، وإلى نجدته ، إذا ريع سربه ، أو طرق بالشر حماه . ومما أوصله إلى مكانته العلمية أنه قد أخذ على نفسه بالفزع والجد لحرب الباطل أول ما تنجم ناجمته وتظهر بوادره ، فلا يهدأ له خاطر ، ولا تلين له قناة ، حتى يوسعه إبطالا ومحوا ، ولا يسكت عليه وعنه حتى يستشري شره ويستفحل أمره ، فتستغلظ جذوره ، ويتبوأ من نفوس العامة مكانا مطمئنا ، بل يحاربه محاربة شديدة حتى يقل ويندثر ، وتلك صفة مجيدة ، ومنقبة حميدة تذكر لسماحته في كل منكر وباطل – زاده الله توفيقا – .
من تلك المقومات ، لمكانته العلمية أنه دائما يتذكر عهد الله على العلماء وأنه قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ، وأن الحق هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه عز جل لهداية البشر وصلاح حالهم وإصلاح نفوسهم .
ومن تلك المقومات ، أنه يزن نفسه دائما بميزان الكتاب والسنة ، فأي زيغ واعوجاج وميل ، قوّمه في الحال بالرجوع والإنابة والعودة إلى المصدرين الأصليين والمنبعين العظيمين . ومما أوصله إلى تلك المكانة المتميزة أنه يرد كل ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة ، تاركا آراء العلماء ، وأقوال الفقهاء ، والتي يرى أنها بعيدة عن الكتاب والسنة ، لأن الحق واحد لا يتعدد؛ وله في ذلك سلف صالح من علماء الأمة ، وأمناء الملة ، فما هي قصة الإمام مالك – بن أنس – رحمه الله – مع الإمام ابن مهدي – رحمه الله – وهو قرينه في العلم والإمامة – حينما عزم على الإحرام من المسجد النبوي ، وعلل ذلك قائلا : إنما هي بضعة أميال أزيدها ، فقال له مالك : أو ما قرأت قوله : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وأية فتنة أعظم من أن تسول لك نفسك أنك جئت بأكمل مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو كلاما هذا معناه . . . ثم تلا قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا
وقال كلمته الجامعة التي كأن عليها ضياء الوحي بل كأنها مستلة من مشكاة النبوة ، وهي قوله : " فما لم يكن دينا فليس اليوم بدين " .
ومن أبرز مقومات مكانته العلمية التي تبوأها هي أنه يقدم دينه والوحي على العقل ، ويجعل الرأي تبعا للنص ويحكم عقله في لسانه ، فلا يصدر كلاما إلا بعد أن يتحرى ويتروى فيه ، وينظر نظرة ذات اعتبار وتقدير في آرائه وفتاويه ، ويجعل ميزان الترجيح داخلا في أمور مهمة من المصلحة والضرورة والزمان والمكان والحال ، ودرء المفاسد ، بل إنه يميز بين أقل الخيرين وأكثر الشرين مع دفع أعلاهما ضررا وأضرارا ، وبين خير الخيرين وشر الشرين ، لذلك غلب صوابه على خطأه في الفهم والاجتهاد .
وكان وما زال – رفع الله قدره – يزن الشدائد التي تصيبه في طريقه إلى إقامة دين الله بأجرها عند الله ومثوبتها في الدار الآخرة ، ولا يهتم بما يفوته من أعراض الدنيا ، وسلامة البدن ، وخفض العيش وراحة البال ، فما أصابه من أمر من أمور الابتلاء يعد طريقا إلى الجنة ، ووسيلة إلى رضي الله . ومن أهم مقومات مكانته العلمية أنه ذائد عن حمى الدين ، واقف بالمرصاد لمن يريد العلو في الأرض والفساد والضلال بين العباد ، لا يقر باطلا أو منكرا ، ولا يسكت أو يتجاهل مخالفة صريحة للدين ، ولا يتساهل أبدا في حق الله ، ولا يرضى مطلقا عن ما يسخط الله من أي شخص كائن من كان ، بل يقول كلمة الحق ، ويدل عليها ، ويحرص أشد الحرص على بيان الحق وإيصاله للأمة أجمع ، فلله دره ما أقواه وما أجلده فجزاه الله خير الجزاء عن أمة الإسلام ، فقد قدم جهدا كبيرا ، وبذل وقتا ثمينا للأمة فنال بذلك جمال الأحدوثة ، وطيب الثناء ، والأمة هي شهود الله في الأرض ، وأن الأمة تشهد والتاريخ يشهد والعلماء يشهدون أن ابن باز – وفقه الله للصالحات من الأعمال – أمة في رجل ، ورجل في أمة .
بمثل هذه الخلال الحميدة التي أشرنا إليها إشارات يسيرة ، باللمحة المنبهة ، تبوأ ابن باز هذه المكانة العلمية التي أوصلته إلى أعلى المراتب ، وأسنى المناصب ، وهو التوقيع عن رب العالمين في الإفتاء والدعوة إلى الله ، وهذا قليل من كثير في مكانته العلمية ، ومنزلته الدينية ، جعلنا الله وإياه من دعاة الحق وأنصار الهدى – آمين – .
وإننا لنفرح أشد الفرح أن الله قد ادّخره لهذا العصر المتلاطمة أمواجه بالفتن ، والظاهر فيه أوار المحن والذي تأذن فيه أيضا فجر الإسلام بالانبلاج ، هذا العالم الرباني ، والإمام المصلح ، الذي بزَّ الجميع في شجاعة الرأي وقوة العلم والعقل ، وسلامة الفكر والتدبير ، وجرأة اللسان والقلب ، والزهد والورع فهز النفوس الجامدة ، وحرك العقول الراكدة ، وأيقظ المشاعر الخامدة ، وترك ذكره وعمله دويا وصوتا ملأ سمع الزمان ، وسيكون له شأن أيما شأن ، بإذن الواحد المنان ، وربنا الرحمن المستعان .
تم اقتباس هذه السيرة من موقع (raddadi )
——————
<FONT COLOR="#800080" SIZE="2" FACE="Simplified Arabic,Verdana">تم تحرير الموضوع بواسطة بوسعود 2024م بتاريخ 03-02-2017 الساعة 09:08 AM</font>
——————
عواطف
فمن الجميل التعرف على شخصيته ومحاولة الأقتداء به . جمعنا الله واياه في دار كرامته .
——————
الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية