صفة صلاة النبى صلى الله علي وسلم
الجزء الثامن والأخير
___________________________________
بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد فهذاالجزءالثامن من صفة الصلاة …فنقول وبالله التوفيق..
ثم يتعوَّذ بالله من أربع:
فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير، فلْيَتعوَّذ بالله من أربع: من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القَبْر، ومن فِتْنة المَحيا والممات، ومن شرِّ المسيح الدجَّال))[مسلم].
وقد استَدلَّ بهذا الحديث مَن يقول بوجوب الاستعاذة من هذه الأربع بعد التشهُّد الأخير، وهو الراجح.
فصلٌ في أدعية الصَّلاة:
(1) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم: علِّمْنِي دعاءً أدعو به في صلاتي، قال:
((قل: اللَّهم إنِّي ظلَمْتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحَمْني إنك أنت الغفور الرحيم))[البخاري].
(2) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يدعو في الصَّلاة:
((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المَغْرَم والمأثم))[البخاري]
ومعنى ((الْمَأثم)): الأمر الذي يَأْثَم به الإنسان، و((المَغْرَم)): الدَّيْن.
(3) عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنهما أنه صلَّى صلاة، فأوجز فيها، فأنكروا ذلك، فقال: "ألَمْ أُتِمَّ الرُّكوع والسُّجود؟"، فقالوا: بلى، قال: أما إنِّي دعَوْتُ فيها بدُعاء كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -يدعو به:
(اللهم بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخلْقِ، أحْيِنِي ما عَلِمْتَ الحياة خيرًا لي، وتوفَّنِي إذا كانت الوفاة خيرًا لي، اللهم إنِّي أسألُك خشيتَك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحقِّ في الغضب والرِّضا، وأسألك القَصْد في الفقر والغِنَى، وأسألك نعيمًا لا يَنْفَد، وأسألك قرَّة عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرِّضا بعد القضاء، وأسألك بَرْد العيش بعد الموت، وأسألك لذَّةَ النظر إلى وجهك، وأسألك الشَّوق إلى لقائك، في غير ضرَّاء مُضِرَّة، ولا فتنة مُضِلَّة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداة مهتدين))[صحيح].
(4) وكان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -إذا قام إلى الصلاة يكون آخر ما يقول بين التشهُّد والتسليم: (اللهم اغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسررْتُ وما أعلنت، وما أسرَفْت وما أنت أعلم به منِّي، أنت المقدِّم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت))[مسلم].
(5) وقد قال النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -لرجل: ((كيف تقول في الصلاة؟)) قال: أتشهَّد، ثم أقول: اللهم إنِّي أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إنِّي لا أحسن دَنْدنَتَك ولا دَنْدنة مُعاذٍ، فقال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حولَهما نُدَندِن))[صحيح]، ومعنى "الدَّندنة": أن يتكلَّم الرَّجُل بكلام تُسمع نغمته ولا يُفهَم
[انظر "النهاية في غريب الحديث والأثر].
(6) وعن أنس رضي الله عنه قال: كنتُ مع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -جالسًا، ورجُلٌ قائم يصلِّي، فلما ركع وتشهَّد، قال في دعائه: الله إنِّي أسألك بأنَّ لك الحمْدَ، لا إله إلا أنت الْمنَّان، بديع السَّموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيُّوم، إنِّي أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، فقال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تدرون بما دعا؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((والذي نفسي بيده، لقد دعا اللهَ باسْمِه العظيم – وفي رواية: الأعظم – الذي إذا دُعِي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى))[صحيح].
(7) وقد دخل رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -المسجد، فإذا هو بِرَجُل قد قضى صلاته، وهو يتشهد ويقول: اللهم إنِّي أسألك يا ألله الواحد الأحد الصَّمَد، الذي لم يَلِد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، أن تغفر لي ذنوبي إنَّك أنت الغفور الرحيم، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((قد غُفِر له، قد غفر له))[صحيح].
(8) وكان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -يقول في بعض صلاته: ((اللهم حاسِبْنِي حسابًا يسيرًا))[حسن_صحيح].
فائدة
هل يجوز أن يدعو بغَيْرِ ما ذُكِر في الأحاديث المأثورة؟ الصحيح أنه يجوز ذلك لعموم الأحاديث السابقة، وكذلك لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ثم يدعو لنفسه ما بدا له))[رواه النَّسائي (3/ 58) بسند صحيح.]
_ولأنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -دعا لأُناس: ((اللَّهم أَنْجِ الوليد بن الوليد…))[البخاري]، ودعا على أناس: ((اللهم الْعَن رعلاً وذكوان…))[البخاري].
29- ثم يسلم:
والتسليم رُكْن؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((مِفْتاح الصلاة الطُّهور، وتَحْريمها التكبير، وتَحْليلها التسليم))[البخاري].
صفته:
المشروع في التسليم أن يسلِّم تسليمتين؛ إحداهُما عن يَمينه، والأُخْرى عن يساره، ويَجوز أن يسلِّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه؛ فعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يسلِّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه"
[حسن لغيره: رواه الترمذي (296)، وابن ماجَهْ (919)، وابن خزيمة (729)، والحاكم (1/ 131)، وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أنس: رواه الطبراني في "الأوسط" (7/ 25)، والبيهقي في "السُّنَن" (2/ 179). وشاهد آخر عن سهل بن سعد، رواه ابن ماجَهْ (918)، والدارقطني (1/ 359). وعن سلمة بن الأكوع عند ابن ماجَهْ (920)، وعن سمرة عند الدارقطني (1/ 358)، ولا يَخْلو كلٌّ منها من مقال، لكنها تقوى بمجموعها.]،
وثبت عنها أنَّها كانت تسلِّم تسليمة واحدة قبالة وجهها.
صحيح: رواه ابن خزيمة (730)، والحاكم (1/ 231)، والبيهقي (2/ 179).].
ألفاظ السلام
(1) أن يقول عن يَمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
(2) قال الشيخ الألبانِيُّ رحمه الله:"وكان أحيانًا يزيد في التَّسليمة الأولى ((وبركاته))، وكان إذا قال عن يمينه: ((السلام عليكم ورحمة الله)) اقتصر – أحيانًا – على قوله عن يساره: ((السَّلام عليكم))"
[انظر "صفة صلاة النبي – صلَّى الله عليه وسلم" للألباني].
___________________
حكم السلام:
تقدَّم أنه رُكْن في الصلاة، وإنَّما الواجب في ذلك التَّسليمة الأولى فقط، أما التسليمة الثانية فهي مُستَحَبّة، وهذا رأي الجمهور، ومعنى ذلك أن مَن اقتصر على تسليمة واحدة أجزأته، خلافًا للحنفية الذين يرَوْن أن التسليم كلَّه مُستَحَبّ.
____________________
ملاحظات:
(1) إذا سلَّم المصلِّي تكون يداه مستقرتين على فخذيه، ولا يشير بِهما يمينا وشمالا مع التسليم.
(2) بالنسبة للنِّية في التسليم: يَجتمع في التسليمِ بعضُ النَّوايا مثل:
(أ) الخروج من الصَّلاة؛ لِما تقدَّم: ((وتحليلها التسليم)).
(ب) أن ينوي السَّلام على الملائكة المقرَّبين ومن تَبِعَهم من المسلمين والمؤمنين.
(جـ) أن ينوي السَّلام على أخيه مِن على يَمينه وشماله.
(3) يُستَحَبّ للمأموم أن لا يبتدئ السَّلام حتَّى يفرغ الإمامُ من التسليمتَيْن، ويجوز له أن يسلِّم بعد فراغه من التسليمة الأولى.
(4) كذلك يُستَحَبّ للمسبوق ألاَّ يقوم ليأتي بِما فاته إلاَّ بعد أن يسلِّم الإمام التسليمتين، ويجوز له أن يقوم بعد فراغه من التسليمة الأولى، فإن قام قبل شروع الإمام في التسليمة الأولى بطلت صلاتُه.
(5) قال الشافعيُّ رحمه الله: "إذا اقتصر الإمام على تسليمة يُسَنُّ للمأموم تسليمتان؛ لأنَّه خرج عن متابعته بـ – التسليمة – الأولى، بِخلاف التشهُّد الأول لو تركه – (الإمام) – لزم المأمومَ تركُه؛ لأن المتابعة واجبة عليه قبل السَّلام"[انظر: "المجموع" للنووي (3/ 484)].
(6) لو بقي على المأموم إتْمام التشهُّد والصلاة على النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد فراغ الإمام من التسليم، فله أن يُتِمَّه، ولا يخرجه ذلك عن المتابعة؛ لأنَّ المتابعة انتهَتْ بتسليم الإمام.
(7) قال النوويُّ رحمه الله:"قال أصحابنا: ولو سلَّم التسليمتَيْن – معا – عن يَمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه، أجْزَأه وكان تاركًا للسُّنة، وقال البغويُّ: لو بدأ باليسار كره وأجزأه"["الْمَجموع" (3/ 478)].
ويُستَحَبّ الذِّكر بعد الصلاة:
يُستَحَبّ ذِكْر الله عزَّ وجلَّ بعد السلام، وذلك للإمام والمأموم والمنفرد، والرَّجل والمرأة، والمقيم والمسافر، وغيرهم، وورد في ذلك أحاديثُ، منها:
(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -بالتكبير"[البخاري]،
_وفي روايةٍ له: أن رفع الصوت بالذِّكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سَمِعته.
قال الشيخ عادل العزَّازي: وظاهر الحديث يدلُّ على رفع الصوت بالتكبير – (كل واحد بمفرده) – كما لا يَخْفى، وهذا هو الرَّاجح، والله أعلم.
(2) وكان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثًا، وقال: ((اللهم أنت السَّلام ومنك السلام، تبارَكْتَ يا ذا الجلال والإكرام))[مسلم].
(3) وعن عبدالله بن الزُّبَير رضي الله عنه أنه كان يقول في دبر كلِّ صلاة حين يُسَلِّم:
((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله – وفي رواية: ((العلي العظيم)) – لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاه، لا إله إلا الله له النعمة وله الفَضْل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مُخْلِصين له الدِّينَ ولو كره الكافرون))،
وقال: كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -يُهَلِّل بِهنَّ دبُرَ كل صلاة[مسلم].
(4) وكان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لِما أعطيتَ ولا مُعْطِيَ لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجدُّ))[البخاري]
(5) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "أمرَنِي رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -أن أقرأ بالمعوذتين دبُرَ كلِّ صلاة"[صحيح].
(6) وتقدم حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -أخذ بيده يومًا، ثم قال: ((يا معاذ، إنِّي لأحبُّك))، فقال له معاذ: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، وأنا أحبُّك،
قال: ((أوصيك يا معاذ، لا تدعَنَّ في دبر كلِّ صلاة أن تقول: اللَّهم أعنِّي على ذِكْرِك وشكرك وحُسْنِ عبادتك))[صحيح].
(7) وقال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من سبَّحَ الله دبر كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، تلك تسع وتسعون، ثم قال تَمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرٌ، غُفِرت له خطاياه وإن كانت مثل زبَدِ البحر))[مسلم].
(8) وعن سالِمِ بن أبي بكرة قال: كان أبي يقول في دبر كلِّ صلاة: ((اللهم إنِّي أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القَبْر))، فكنت أقولُهنَّ، فقال: أيْ بني، عمَّن أخَذْت هذا؟ قلت: عنك، قال: "إنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يقولهن دبر الصلاة"[صحيح].
(9) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يُعَلِّم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلِّم المعلِّمُ الغلمانَ الكتابة، ويقول: إنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يتعوَّذ بِهنَّ دبر الصلاة: ((اللهم إنِّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُرَدَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدُّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر))[البخاري].
(10) وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، بعدما يصلِّي الغداةَ – (يعني صلاة الصبح) – عشر مرات، كتَبَ الله عزَّ وجلَّ له عشر حسنات، ومَحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكُنَّ له بعِدْل عتق رقبتَيْن من ولد إسماعيل، فإنْ قالها حين يمسي كان له مثل ذلك، وكُنَّ له حجابًا من الشيطان حتَّى يصبح))[صحيح:].
(11) وكان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -يقول إذا صلَّى الصبح حين يسلِّم: ((اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملاً متقبَّلاً))
رواه ابن ماجَهْ (925)، والطبراني في "الصغير" (2/ 36)، بإسناد جيد، ورواه أحمد (6/ 294)، وابن أبي شيبة (6/ 33)
(12) وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خصلتان – أو خَلَّتان – لا يُحْصيهما رجلٌ مسلم إلاَّ دخل الجنة، وهُما يسير، ومن يعمل بِهن قليل؛ يُسبِّح في دبر كلِّ صلاة عشرًا، ويَحْمد عشرًا، ويكبِّر عشرًا، فذلك خمسون ومائة باللِّسان، وألف وخمسمائة في الميزان، ويكبِّر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويسبح ثلاثًا وثلاثين، فذلك مائة باللسان، وألْفٌ في الميزان))، فلقد رأيتُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله، كيف هُما يسير، ومن يعمل بِهما قليل؟
قال: ((يأتي أحدَكم – يعني الشيطان – في منامه فينومه قبل أن يقول، ويأتيه في صلاته فيذكِّره حاجته قبل أن يقولها))[صحيح].
ملاحظات:
(1) ما يفعله كثيرٌ من المصلِّين بعد الصلاة بقراءة أحدهم آيةَ الكرسيِّ جهرا، ثم يقول: سبحان الله فيسبحون… إلخ، هذه من البدع؛ لأنَّ هذه الهيئة ليس عليها دليلٌ من الشرع.
(2) ما ورد من آثار في استعمال السبحة للذِّكْر كلها ضعيفة لا يُحتج بها، والأولى العَقْد على الأنامل (يعني أطراف الأصابع)؛ لأنَّهن مستنطَقات يوم القيامة،
_ وقد قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -لبعض النِّسوة (… واعْقِدْن بالأنامل؛ فإنَّهن مسؤولات مستنطَقات))[صحيح]؛
_ولِما ثبت عن ابن عمرو رضي الله عنهما: رأيت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -يعقد التسبيح – زاد في رواية – بيمينه[صحيح]،
_ ولكن لا ننكر على من يستعمل السبحة في غير أذكار الصلاة، لأن الأمر محل خلاف بين العلماء في مشروعيتها.
(3) لا يشرع مسح الوجه بعد الدُّعاء والذِّكر.
(4) ما يفعله كثير من المصلين من مُصافحة بعضهم بعضًا بعد كل صلاة، يقول أحدهم "حرَمًا"، والآخَر: "جمعًا"، أو نحو ذلك – لا أصل له من الشَّرع، بل هو من البدع المُحْدثة التي ينبغي أن تُمْحى، ولو كان ذلك مشروعًا لكان الأولى به النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -وأصحابَه.
(5) من البِدَع كذلك ما يفعله بعض المصلِّين من السجود بعد الصلاة للدُّعاء أو للشُّكر ونحوه، ولو كان ذلك مشروعًا لكان الأولى به النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -وأصحابَه.
(6) قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لم يصح عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة، ولم يصحَّ ذلك أيضًا عن أصحابه رضي الله عنهم…، وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة – (مباشرة) – بدعة لا أصل لها"["الفتاوى" (1/ 74).].
قال الشيخ عادل العزازي:
وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه قيل لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخِر، ودبر الصلوات المكتوبات))، فإسناده ضعيف، وعلى فرضيَّة صحته فليس فيه رفع الأيدي في هذا الدُّعاء، فهو مَحْمول على الأدعية السالف ذِكْرُها؛ أيْ: عقب التشهد وقبل السلام.
تنبيهات عامَّة:
(1) إذا انتهت الصلاة، فإنْ كان خلف الصُّفوف نساءٌ، استُحِبَّ للإمام أن يَلْبث قليلاً قبل أن يلتفت للمأمومين حتَّى ينصرف النساء، فإن لم يكن معهم نساء، فلا يُستَحَبّ له إطالة الجلوس، بل ينبغي أن يلتفت مباشرة بعد أن يقول: ((اللهم أنت السَّلام ومنك السلام، تبارَكْتَ يا ذا الجلال والإكرام))، لِما ثبت أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -كان إذا سلم لم يَقْعد إلاَّ مقدار ما يقول: ((اللهم أنت السَّلام ومنك السلام، تبارَكْتَ يا ذا الجلال والإكرام))[مسلم].
(2) يجوز للإمام أن ينصرف – يعني يلتفت للمأمومين – عن يمينه أو عن شماله، ومن السنة أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، لأنه ثبت أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -كان ينصرف عن يمينه، كما ثبت أنه كان ينصرف عن شماله.
(3) الأفضل أن يصلِّي النافلة في بيته، لكنَّه إن صلاَّها في المسجد، فلا يَصِل صلاة النافلة بالفريضة مباشرة حتَّى يفصل بينهما بكلام، أو تسبيح، أو يتحوَّل عن مكانه الذي صلى فيه الفريضة.
(4) المرأة كالرَّجُل في جَميع أحكام الصلاة، وهذا هو الراجح، وأما ما استحبَّه بعضُ العلماء بأن تضمَّ نفسها في السُّجود ونحو هذا، فمِمَّا لا دليل عليه.
(5) وينبغي للمأموم ألاَّ ينصرف قبل أن يلتفت الإمام للمأمومين؛ لِما ثبت أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -قال إنِّي إمامُكم، فلا تبادروني بالرُّكوع ولا بالسُّجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف))[مسلم].
_ قال ابن قدامة رحمه الله: "فإنْ خالف الإمامُ السُّنةَ في إطالة الْجُلوس مستقبل القِبْلة أو انْحَرف، فلا بأس أن يقوم ويدَعَه"["المُغْني" (1/ 561).].
(6) إذا عرض عارضٌ لأحد المأمومين يقتضي خروجه من الصلاة فإنه يُستَحَبّ للإمام أن يُخفِّف؛ لِما ثبت في الحديث أن النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -قال: ((إنِّي لأَقُوم في الصلاة، وأنا أريد أن أطوِّل فيها، فأَسْمع بكاء الصَّبِي، فأتجوَّز؛ كراهيةَ أن أشُقَّ على أمِّه))[البخاري].
قال الخطَّابي:
"فيه دليلٌ على أنَّ الإمام وهو راكعٌ إذا أحسَّ بِرَجُل يريد الصلاة معه، كان له أن ينتظره راكعًا؛ لِيُدرك فضيلة الرَّكعة في الجماعة؛ لأنه إذا كان له أن يحذف من طول الصَّلاة؛ لِحاجة الإنسان في بعض أمور الدنيا، كان له أن يزيد فيها؛ لعبادة الله، بل هو أحقُّ بذلك وأولى، وقد كَرِهَه بعض العلماء…"["مَعالم السنن" (1/ 499 – هامش أبي داود).].
(7) يُستَحَبّ أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من الرَّفع والوضع بعد فراغ الإمام منه، ويُكْرَه أن يفعله معه في قول أكثر أهل العلم (يعني تكره مساواة المأموم للإمام في أفعال الصلاة من الخفض والرفع).
واعلم أنه لا يجوز للمأموم أن يسبق إمامه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تسبقوني بالرُّكوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف))[مسلم]،
_ ولقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -أيضا: ((أمَا يَخْشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يَجْعل الله صورته صورةَ حمار؟))[البخاري (691)، ومسلم (427)]
_ والظاهر من كلام الإمام أحمد أنَّه إنْ سبَق إمامه عمدًا، بطلَتْ صلاتُه، وثبت ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما وقد تقدَّم قولُ الجمهور: إنَّه أساء، وصلاته صحيحة.
(8) إن سَبَق الإمامُ المأموم بِرُكن كامل، مثل أن يركع الإمام ويرفع قبل أن يركع المأموم (لِعُذر من نُعاس أو زحام أو عجلةِ الإمام)، فإنَّه – أيِ: المأموم – يأتي بالركن الذي سُبِق به، ثم يدرك إمامه ولا شيء عليه.
وأما إن سبقه بأكثر من ركن وأقلَّ من ركعة (لِعُذر أيضًا)،
_فالمنصوص عن الإمام أحمد أنَّه يتبع إمامه (يعني لا يأتي بالأركان التي سبقه بها الأمام، بل يتابع الإمام على آخر وضع يجده عليه)، ولا يعتد بتلك الرَّكعة (يعني يقضي ركعةً كاملة بعد انتهاء الصَّلاة)،
_وأمَّا عند الشافعي: يأتي بِما فاته من أركان ثم يكمل متابعة الإمام، واستدلَّ على ذلك بصلاته – صلَّى الله عليه وسلَّم -بأصحابه صلاة الخوف، وهذا ما رجَّحَه ابن قدامة في "الْمُغني".
وأما إن سبقه بركعة كاملة، فإنَّه يتبع إمامه (يعني لا يأتي بالأركان التي سبقه بها الأمام، بل يتابع الإمام على آخر وضع يجده عليه)، ويقضي ركعةً كاملة بعد انتهاء الصَّلاة، هذا كلُّه إذا كان لِعُذر، وأمَّا إن كان لِغَيْر عذر بطلَتْ صلاته.
(9) ينبغي متابعة الإمام، بِحيث لا يتأخَّر المأموم عن إمامه لتطويل السجود مثلاً كما يفعله بعضُ العوام عند السَّجدة الأخيرة، فهذا من قلَّة الفقهِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________________________________________________ _____________
(10) نسوق الآن بيان بالشروط والأركان والواجبات والسُّنن، وهو إعادة مُختصرة لِما سبق، لكنَّها مجموعة:
__________________________________________________ ______
الشروط:
دخول الوقت، وسَتْر العورة، واستقبال القِبْلة، والطهارة من الحدَث الأصغر والأكبر، وطهارة الثَّوب والبدن والمكان).
الأركان:
النيَّة، والقيام أثناء الصلاة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والرُّكوع، والاعتدال، والسُّجود على الأعضاء السَّبعة، والجلوس بين السَّجدتَيْن، والطُّمَأنينة في جَميع الأركان، والجلوس الأخير، والتشهُّد الأخير، والصَّلاة على النبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيه، وترتيب الأركان، والتسليم.
الواجبات:
(وهي التي يَجْبرها سجودُ السَّهو، وتسقط بالنِّسيان): تكبيرات الانتقال، وقَوْل: "سَمِع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، وتسبيحات الرُّكوع والسجود، والتشهُّد الأول، والجلوس فيه.
وأما ما عدا ما ذُكِر من الأركان والواجبات والشُّروط فهو من السنن (يعني من المُستَحَبّات، التي ليس عليها سجود للسهو سواء تركها ناسيا أو متعمدا).
تنبيه:
في بعض هذا التَّقسيم خلافٌ بين العلماء، وما ذكَرْتُه هو المعتمد من مذهب الحنابلة، إلاَّ النية فإنَّها عندهم من الشُّروط، والله أعلم.
انتهت صفه صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بتوفيق الله
وساتبعها بأمور خاصة بالصلاة اللهم فقهنا فى ديننا وتقبل منَّا انَّك أنت العليم الحكيم…وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
المرجع_
ملخص صفة الصلاة
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله
توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أبو أحمد المصري
بترتيب وتنسيق منى. و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته