الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه أجمعين
و للعين أيضا صيام ، و أي صيام ؟
صيام العين غضها عن الحرام ، و إغماضها عن الفحشاء ، و إغلاقها عن المناهي :
قال تعالى : ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾– النور : 30 – 31
العينُ منفذٌ للقلب و بابٌ للرُّوح .
و أنا الذي جلب المنية طرفه … فمن المطالب و القتيل القاتل
صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنَّ عليّاً سأله عن النظر فقال : " غضَّ بصرك " 1
من لم يحبس نظره أصيبَ بأربع مصائب :
أولها : تشتُّت القلب في كلِّ وادٍ ، و تمزقُّه في كلِّ أرضٍ ، فلا يقرُّ له قرار ، و لا يهدأ له بال ، و لا يجتمعُ له شمل ، فهو مطعونٌ يئنُّ و يشكو من فعل العين بسبب نظراتها و تلفُّتاتها .
ثانيها : إتعاب النفس و تعذيبها بفقدِ ما نظرتْ إليه و عدم تحصيله ، فالنفسُ منْ فعلِ العين في حسرة و في همٍّ و اضطراب .
و كنتَ متى أرسلتَ طرفكَ رائداً … إلى كلِّ عينٍ أتعبتْك المناظر
أصبتَ الذي لا كلّه أنتَ قادرٌ … عليه و لا عن بعضهِ أنتَ صابر
ثالثها : ذهاب العبادة و حلاوة الطاعة بإطلاق النظر ، فقلْ على نور الإيمان السَّلام إذا ما تأدَّبتِ العينُ و صامتْ عن الحرام ، و لا يجدُ ذوقَ الإيمان و وَجْدَ اليقين إلا مَنْ غَضَّ بصرَه ، و أطبقَ أجفانَ عينيه .
رابعها : ذنب عظيم و إثم كبير جزاء وفاقاً لما فعلتِ العينُ بالأعراض و لما هتكتْ منَ المحارم ، و ما وقع ساقطٌ في الفاحشة إلا بعد إطلاق النَّظر ، و ضياع البصر ، فلا حولَ و لا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم .
يقولُ أحدُ السَّلف : أطلقتُ عيني مرَّة في حرام ، فنسيتُ القرآنَ الكريمَ بعد أربعين سنة ، جزاءُ مَنْ غَضَّ بصرَه عن الحرام أنْ يُبدلَه الله إيماناً يجدُ حلاوته في صدرهِ .
قالوا عن العين : هي رائدٌ إذا أرسِلَ صادَ ، و إذا اِنقيدَ انقادَ ، و إذا أطلق وقعَ القلب في فساد .
وقالوا عن العين : إذا أفلتَّ حبلَها أوبقتْك ، و إذا أطلقتَ قيدَها عذَّبتك .
قالَ شاه الكرماني : مَنْ غَضَّ بصرَه عن الحرام ، و عَمَرَ باطنَه بالتقوى ، و ظاهرَه باتِّباع السُّنة لم تخطئ له فراسة ، و تلا قوله تعالى : ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾– الحجر : 75
في غض البصر و حبس العين خمس كرامات و منافع :
أولها : طاعة المولى جلَّت قدرتُه في أمرهِ بغضِّ البصر ، و حسبك بهذه نعمة عزَّة في الدنيا و الآخرة .
ثانيها : سلامة القلب و عماره ، و جمع شمله ، و راحته ، و اطمئنانه ، و سروره ، و فرحه .
ثالثها : البعد عن الفتن ، و الأمان من البلايا ، و التحرُّز منَ الخطايا .
رابعها : الفتح على العبد بالعلم و المعرفة و التوفيق و السَّداد جزاء تقواه .
خامسها : فرقان من الله في قلوب العارفين ، و نور الباري في نفوس الصادقين ، يعطيه تبارك اسمه لمن غَضَّ بصرَه .
إذا دخلَ رمضانُ طلبَ منَ العين أنْ تصومَ طاعةً للحيِّ القيُّوم ، فكم للجوع منْ فضلٍ على العين :
جزى الله المسير إليك خيرا … و إن ترك المطايا كالمزاد
الجوع يكسر جموح العين و يحبس خطاها ويقيد مداها
الجوع يضعف شهوة النظر و يطفئ حرارة البصر
لما أطلق العابثون أبصارهم و طفحوا بأعينهم قوعوا في براثن المعصية و في أحابيل الفاحشة
و من الناس مَنْ يصومُ بطنُه عن الشراب و الطعام ، و ترتع عينُه في خمائل الحرام ، فهذا الصائم ما عرف حقيقةَ الصيام .
فلتصمْ عيونُنا يا عبادَ الله عن الحرام كما صُمْنا عن الشراب و الطعام ، عَلَّ قلوبنا أنْ تصحَّ و أرواحنا أنْ ترتاحَ .
قالَ تعالى : ﴿وَ جَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً ﴾– الإنسان : 12 – 13
سلام على من صامت عينه لمرضات ربه و رحمة الله و بركاته .