الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم و بعد .
الموضوع : (( الـسـنـة فـيـمـا يـتـعـلـق بـولـي الأمــة )) الجزء الأخير .
فـصـل : في عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه
التثبيط عن ولي الأمر له صور عديدة ، بعضها أشد من بعض ، و كذا إثارة الرعية عليه .
فإذا دعا رجل إلى التثبيط أو الإثارة ، فإن لوليِّ الأمر إيقاع العقوبة المتلائمة مع جرمه ؛ من ضرب ، أو حبس ، أو نفي لأن التثبيط و الإثارة من أعظم مقدمات الخروج ، و الخروج من أشنع الجرائم و أبشعها ؛ فكان ما يفضي إليه كذلك .
قال الشوكاني رحمه الله في كتابه السيل الجرار 4 / 514 : في شرح قول صاحب الأزهار : ويؤدب من يثبط عنه أو ينفى ، و من عاداه فبقلبه مخطئ ، و بلسانه فاسق ، و بيده محارب ،
قال : و أما قوله : و يؤدب من يثبط عنه ؛ فالواجب دفعه عن هذا التثبيط ، فإن كفّ ، و إلا كان مستحقاً لتغليظ العقوبة ، و الحيلولة بينه و بين من صار يسعى لديه بالتثبيط ، بحبس أو غيره ؛ لأنه مرتكب لمحرم عظيم ، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء ، و تهتك عندها الحرم ، و في هذا التثبيط نزعٌ ليده من طاعة الإمام . وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم ، إنه قال : (( من نزع يده من طاعة الإمام ، فإنه يجيء يوم القيامة و لا حجة له ، و من مات و هو مفارق للجماعة ؛ فإنه يموت موتة جاهلية )) . اهـ.
وقال ابن فرحون في كتابه تبصرة الحكام 1 / 227 : و من تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين ؛ لزمته القعوبة الشديدة ، و يسجن شهراً . و من خالف أميراً ، وقد كرر دعوته ؛ لزمته العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام . اهـ.
و بهذا يعلم أن إثارة الرعية على الولاة ، و تأليب العامة عليهم ، داء عضال ، تجب المبادرة إلى كيه ، و ورم خبيث يتعين استئصاله ، لئلا يستفحل فيخرج خبثه ، فيستحكم البلية و تعظم الرزية ، و لا ينفع الندم عندئذٍ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فـصـل: في مشروعية الدعاء لولاة الأمر بالصلاح
صلاح ولاة الأمر مطلبٌ لكل مسلم غيور على دينه ، إذ صلاحهم صلاح للعباد و البلاد ، و لقد اعتنى علماء المسلمين بهذه القضية الدعاء لولاة الأمر عنايةً واضحة ، و تجلت في صور ناصعةٍ رائعةٍ ، منها :
أولاً : إ يداع الأمر بالدعاء لولاة الأمر في مختصرات العقائد السلفية ، التي يطالب المسلم باعتقاد ما فيها .
ثانياً : تخصيص بعض علماء الإسلام و السنة مؤلفاً في ذلك ؛ فقد ألف الإمام العلامة المفتي المحدث الرحال ، بقية السلف ، سيد المعمرين الأخيار ، علم السنة .
( بهذه الأوصاف وصفه الذهبي في كتابه معجم الشيوخ 2 / 377 ) يحي بن منصور الحراني المعروف بالحبيشي كتاباً سماه : دعائم الإسلام في وجوب الدعاء للإمام .
( و ابن الحبيشي هذا له مناقب جمة ، عدد بعضها ابن رجب في كتابه ذيل طبقات الحنابلة 2 / 297 فكان منها : قول الحق ، و إنكار المنكر على من كان ، لم يكن عنده من المداهنة و المراءاة شيء أصلاً ، يقول الحق و يصدع به . ) .
ثالثاً : جعل بعض العلماء المحققين علامة من كان سنياً سلفياً : الدعاء لولاة الأمر ، و عكسه من كان مبتدعاً ضالاً ، دعا على ولاة الأمر .
قال الإمام البربهاري رحمه الله في كتاب شرح السنة ص113 : و إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان ؛ فاعلم أنه صاحب هوى ، و إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ؛ فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله .
وإليك أيها الموفق جملة مما جاء عن أهل السنة المرضيين في ذلك :
أخرج أبو نعيم في كتابه الحلية : عن عبد الصمد البغدادي قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : لو أن لي دعوة مستجابة ، ما صيرتها إلا في الإمام . قيل : وكيف ذلك يا أبا عليّ ؟ ، قال : متى صيرتها في نفسي لم تجزني ، ومتى صيرتها في الإمام –يعنى: عمّت- ؛ فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد فقبل ابن المبارك جبهته ، و قال : يا معلم الخير ! من يحسن هذا غيرك ؟ . اهـ . واسناده صحيح .
أخرج الخلال في كتابه السنة 1 / 83 : أن الإمام أحمد يرحمه الله قال عن الإمام : و إني لأدعو له بالتسديد و التوفيق في الليل و النهار ، و التأييد ، و أرى ذلك واجباً علي .
وقال رحمه الله : لئن حدث به حدث ؛ لتنظرن ما يحلُّ بالإسلام .
قال ابو عثمان الصابوني ، المتوفى سنة 449هـ في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث : و يرون الدعاء لهم بالإصلاح و التوفيق و الصلاح ، و بسط العدل في الرعية .
و بعد : فهذه جملة مختارة من نصوص الكتاب و السنة و آثار السلف تكفي و تغني لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تحيااااااااااااتي
مشاعر90