الحب.. من أسمى العلاقات الروحانية، فيها تلتقي أنهار المودة والوفاء؛ نابعةً من
القلب..
حيث يحلو اللقاء.. فهو للحياة ماء.. وللروح غذاء..
الحب.. معنىً تعيشه أرواحنا لكننا نستطيع ترجمته إلى واقعٍ ملموس؛
حين نفيض بعطائنا وبما نحمله من عواطفٍ جيّاشةٍ تجاه من نحب؛ ونؤثره على
أنفسنا ونحب له ما أحببنا لذاتنا..
فعندها نحيا السعادة التي ما بعدها سعادة..
(مَوجَة تَأمّل)
لو تأمّلت نفسك؛ لوجدت أن ما تقوم به من أفعال؛ لتحقق ما تصبو إليه من طموحاتٍ
وآمال، ما هو إلا بدافعٍ من حب..
وكذلك ما تتجنبه من آفات، وما تبتعد عنه من موبقات؛ إنما هو بغض وكره لهذا
الشيء..
إذن فالحب هو القوة المحركة لتصرفاتنا وأفكارنا..
فما حنت الأم على وليدها إلا لحبها.. وما هام المحب بحبيبه إلا لحبه..
وما ألقى المقاتل بنفسه في ساحات الوغى إلا لحبه لنيل مطلبٍ ما.. وما سهر
الطالب الليالي إلا لحبه لبلوغ ما يرجوه..
حتى في علاقتك مع الناس، قد تحب صنفاً منهم وتنفر من آخر..
فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف..
(مَوجَة مُقَدّسَة)
.. طوبى لمن سهرت بالليل عيناه***وبات في أمن من حب مولاه..
.. وقام يرعى نجوم الليل منفرداً***شوقاً إليه وعين الله ترعاه..
بالله ما أروع هذا الحب وما أعذبه!.. حب العبد لسيده ومولاه.. من خلقه وسوّاه..
ونفخ في روحه وهداه.. وأنعم عليه بفيض من النعم وأولاه..
إنه الحب الذي يجعلك تخشاه؛ بقدر ما تحبه.. وترجو عفوه بقدر مخافتك منه..
كما يدفعك للسعي لإرضائه.. مهما كلّف الثمن.. ومهما عظمت المحن..
.. لو كان حبك صادقاً لأطعته***إن المحب لمن يحب مطيع..
هل جربت تلك اللذة التي يعيشها العبد وهو يناجي ربه؟!.. إنها لذة لا تعدلها لذة..
شعور بالسكينة والرجاء.. يصاحبه وجل من رب السماء….
هجدنا ونام الرّكب والليل مسرف***وما نمت عن ذكراك يا طيب الذكرى..
لو جربت تلك الخلوة الروحانية لوددت لو كانت كل لحظاتك خلوه بربِّك..
تناجيه فيها بأعذب الدعاء.. حيث يطيب النداء..
(مَوجَة مُطَهّرَة)
.. يا حروف المجد قولي.. كيف شوقي للرسول..
.. أفتديه بكل مالي.. بالنفيسِ وبالجليلِ..
فداكَ روحي يا رسول الله.. بأبي أنتَ وأمّي يا حبيب الله..
حينما تتجول بين أرجاء سيرته العطرة.. تشعر بالحنين المتدفّق والشوق العارم
للقائه.. كما تشعر بخفقان قلبك من فرط حبّك له..
أتدري ما نتيجة هذا الحب؟! -أو إن صح التعبير- كيف تترجم هذا الحب؟..
إنه باقتدائك به، وانتهاجك نهجه، تحرص على ما أمرك به، وتتجنب ما نهاك عنه..
يقول – سبحانه وتعالى — في كتابه الكريم:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)..
واعلم أيضاً أن ذلك ناتج ٌ لحبك لله.. وسبب لمحبّة الله..
يقول الله – عز وجل -:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)..
الله نسأل أن يرزقنا شربة من حوض الحبيب لا نظمأ بعدها أبداً.. ونيل شفاعته..
وفي الجنة مرافقته..
(مَوجَة اقتِدَاء)
ولن ننسى أولئك الرجال العظماء.. الذين ارتضوا الإسلام نهجاً وطريقاً..
ورفعوا راية الحق لترفرف في السماء.. أولئك الذين – رضي الله عنهم – ورضوا عنه..
إنهم صحابة خير البرية المصطفى – صلى الله عليه وسلم -..
لم نرَهم.. لكن قلوبنا تنبض بحبهم.. تتوق إلى قربهم..
فلنسعَ لأن نحذو حذوهم.. ونسلك طريقهم.. في طاعتهم لربهم والاقتداء برسولهم..
لعلنا نبلغ بعض ما بلغوه في ثبات إيمانهم.. وزهدهم في دنياهم.. وحبهم لنيل رضا ربهم..
والفوز بشهادة في سبيله طمعاً لبلوغ الفردوس الأعلى من الجنّة..
(مَوجَة قَلْبيّة)
الحب له أنهار كثيرة ووجهات متعددة..
ولكن النّبع واحد ألا وهو القلب.. وعندما يكون المصبَّ واحداً والغايةَ واحدة بأن يكون
لله وفي الله..
فبذلك قد ارتقينا من الحب الماديّ الزائل إلى الحب الروحانيّ؛ الذي يبقى ببقاء الذّات
العليا التي هي مصدر الخلود..
فالحب الذي يغلبه نزوة أو شهوة يزول بمجرّد حصول المراد..
أما النقي الطّاهر من تلك الشّوائب فهو الأسمى والأبقى، المتجدد والمتطور..
فأنت قد تطوّر من ذاتك أي روحك.. ولكن لا تستطيع أن تطوّر من جمالك وشكلك..
فحب الروح أدوم من حب المادة، خاصّة إذا كان للغاية الكبرى.. الحب لله في الله..
(مَوجَة أخوّة)
ما أروع أن تتداخل موجتنا القلبيّة مع موجتنا الأخويّة!..
عندها تتكوّن موجة من أرقى الموجات "الحب في الله"،
فقد اجتمع المصدر والغاية والنهر العذب..
الحب في الله ينشأ بين قلوب حلاّها الإيمان وغلّفها.. ملأتها المودّة والوفاء..
قلوب لم تلتقِ إلا لترتقي.. وما افترقت إلا لتتصل بالذّكر الطيّب والدعاء..
.. فإن يكُ عن لقائك غاب وجهي *** فلم تغب المودّة والإخاء..
.. ولم يغب الثناء عليك منّي *** بظهر الغيب يتبعه الدعاء..
.. وما زالت تتوقُ إليك نفسي ***برغم البعد يحدوها الوفاء..
نعم، ما أنقى هذا الحب!.. لا تشوبه المصالح، ولا المفسدات كالغيبة والنميمة
والحقد والحسد وسوء الظن..
بل كان سعياً للإعانة على طاعة الله ونصرة دينه؛ للفوز برضاه وجنته.. لذلك كان من
أقوى الروابط و أوثقها وأدومها..
ولكن.. أتعلم ما عاقبته؟!.. وما أثره؟..
فوزٌ بمحبّة الله – عز وجل -.. وظلٌ تحت عرش الرّحمن يوم لا ظل إلا ظلّه.. ومنابرٌ من نور يغبط النبيون والشهداء معتليها..
فهل هناك أعظم من هذا الحب؟!.. إلا محبّة الله ومحبّة نبيه..
(مَوجَة خِتَام)
لا تعلّق قلبك بما هو فان.. واعلم أن كل شيء لا محالةَ زائل..
قد يتعلّق قلبك بمكان قد عشت فيه.. ولكن لا تلبث مليَاً حتّى ترحل بعيداً عنه..
قد تحب هدية من شخص عزيز على قلبك.. ويقدّر الله أن تنتزع منك..
يضيق صدرك.. ويفرغ قلبك.. ولكن اعلم أن الله لم يرد بك إلا الخير..
فمحبتك لهذا الشئ وتعلّقك به قد زاد عن حده وطغى على ما هو أهم وأسمى..
فازهد في الدنيا.. يخلفك الله خيراً منه في الآخرة وأبقى..
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين