من أحب الله؛ أحب رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحب رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ أحب لغة القرآن الكريم، فهي لغة كريمة نزل بها أفضل كتاب، ونطق بها أفضل مخلوق -صلى الله عليه وسلم-.
هي وعاء علوم الدين، وذخائر التراث، لا تكون معرفة القرآن والسنة إلا بها، ولا يتم فَهَم علومهما ومقاصدهما بدونها، تعلُّمها وإتقانها من الديانة، فهي أداة علم الشريعة ومفتاح الفقه في الدين.
إن لغة الأمة ميزانٌ دقيق ومعيارٌ أساس في حفظ الهوية وتحديد الذات، فهي شريان الأمة، وأقنوم الحضارة، ومصدرٌ عظيمٌ من مصادر القوة، وإذا أضاعت أمة لسانها أضاعت تاريخها وحضارتها، كما تضيع حاضرها ومستقبلها.
إن اللغة من أهم ملامح الشخصية الإنسانية إن لم تكن أهمها، وهي التي تربط المرء بأهله وأمته ودينه وثقافته، فهي التاريخ، وهي الجغرافيا.
اللغة مظهرٌ من مظاهر قوة الابتكار في الأمة، فإذا ضعفت قوة الابتكار؛ توقفت اللغة، وإذا توقفت اللغة؛ تقهقرت الأمة، وإذا تقهقرت الأمة؛ فذلكم هو الموت والاضمحلال والاندثار.
إنَّ شواهد التاريخ قديمها وحديثها تُظْهِر بجلاء: أنه لم تتقدم دولة ولم تشيد حضارة ما لم تكن العلوم والتعليم بلغة الأمة نفسها لا بلغة أجنبية عنها.
إن قوة اللغة واستمرارها -بإذن الله- يعتمد بالدرجة الأولى على وعي الأمة وحرصها على رعايتها وحمايتها وانتشارها، واليقين الجازم بأنها صالحةٌ لمقتضيات الحال، قادرة على متطلبات الوقت، ومعطيات التحضر، ومستجدات التطور، وتلك أهدافٌ كبرى تخطط لها الدولة المحترمة والأمة العظيمة، فتقيم المؤسسات المتخصصة، وتبني مراكز البحوث المتقدمة، وتؤسِّس الهيئات الفنية لتعليم اللغة وتطوير أساليب تدريسها، وترجمة المصطلحات الأجنبية.
لا بد أن يبقى للغتنا سلوكها، ولا بد من تطويق المناعة الذاتية في جسم أبناء الأمة، والاعتزاز بالدين والدار، والتعامل مع اللغة الأجنبية ببصيرة وحسن استفادة من غير ذوبان.
يجب أن نعلن ونلقن، ونرسم أننا بحاجة إلى الأمن اللغوي، كما أننا بحاجة إلى الأمن الفكري والغذائي والمائي، فكل أولئك من ضروريات الحياة والعيش الكريم.. هذا هو الطريق، وذلكم هو المسار، وعلى الله قصد السبيل، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.
للشيخ: صالح بن حميد -حفظه الله-
(بتصرف)