وفي هذه الأسطر المقبلة أذكر بعض الأمور المعينة على التغلب على وهذه الفتنة .
1- استحضار النصوص الواردة في الأمر بغض البصر والنهي عن إطلاقه في الحرام ، فمنها قوله تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقال عليه الصلاة والسلام : " إن الله كتب على إبن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تتمنى وتتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" متفق عليه . وعن جرير بن عبد الله قلا : سألت رسول الله صلى اله عنه وسلم عن نظرة الفجاءة فقال : " اصرف بصرك " رواه مسلم وأبوداود وهذا لفظه وقال صلى اللن عليه وسلم " يا على لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست كل الآخرة . والمراد بالنظرة الأولى أي التي وقعت بغير قصد .
2- الإستعانة بالله عز وجل والإنطراح بين يديه والإلحاح عليه في أن يقيك شر هذه الفتنة وأن يعصمك منها ، وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم : ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ) وقال تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) وكان من دعاءه عليه الصلاة والسلام ( اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ) أخرجه الترمذي وحسنه أيضاً الألياني . وكان يقول ( اللهم إني أعوذ يك من شر ما سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي )
3- أن تعلم أنه لا خيار كل في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال ، فإن النظر يجب جغضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة والأحوال ، فليس لك أن تحتج بفساد الواقع ولا أن تبرر خطأك بوجود ما يدعو إلى الفتنة . قال تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أذا قضى الله ورسولن أمراأن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يقص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) .
4- استحضر إطلاع الله تعالى عليك وإحاطته بك لتخافه وتستحيي منه ، قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان وتعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) وقال عليه الصلاة السلام : ( أوصيك أن تستحيي من الله تعالى كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك ) رواه الحسن بن سفيان وأحمد في الزهد وصححه الألباني ,. إذن فاستح من الله ولا تجعله أهون الناظرين إليك
5- تذكر شهادة العينين عليك قال تعالى : ( حتى إذا ما جاؤوها شهد سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ) . وفي صحيح مسلم عن أنس قال : ( كنا عنج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال : هل تدرون مما أضحك : يقول بلى ، قال فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه " أي جوارحه " أنطقي قال فتنطق بأعماله ، قال ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول : بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل ) .
فتبين من هذا أن عينك التي أردت أن تمتعها بالحرام ستشهد عليك يوم القيامة فاحبسها عن الحرام .
6- تذكر الملائكة الذين يحصون عليك أعمالك . قال تعالى : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وقال – أيضاً – ( وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون ) .
7- تذكر شهادة الأرض التي تمارس عليها المعصية . قال تعالى عن الأرض: ( يوم إذن تحدث أخبارها ) وفسر النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبارها بأن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا )
8- الإكثار من نوافل العبادات فإن الإكثار منها مع القيام بالفرائض سبب في حفظ الله لجوارح العبد ، كما في الحديث القدسي الذي قال تعالى فيه : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب عبدي إلي بشئ أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقري إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ) رواه البخاري .قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم : والمراد من هذا الكلام أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل قربه إليه ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة ، فمتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه ولم يبق للعبد شئ من يفسه وهواه ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه فحين أذن لا ينطق العبد إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره ، فإن يطق نطق بالله ، وإن سمع سمع به ، وإن نظر بظر به ، وإن بطش بطش به
9- تذكر منافع وثمرات غض البصر . ذكر ابن القيم في الجواب الكافي طائفة منها ، وسأذكر بعضها ملخصاً :
فمنها : أنه امتثال لأمر الله تعالى الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده .
ومنها أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه – إلى قلبه .
ومنها : أنه يورث القلب أنساً بالله وجمعية عليه فإن إطلاقه يفرق القلب ويشتته .
ومنها : أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب فإنه يدخل مع النظرة أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي .
ومنها : أن بين العين والقلب منفذا وطريقا يجعل أحدهما يصلح بصلاح الآخر ويفسد بفساده .
ومنها : أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات وانكشف له بسره ونفذ من بعضها إلى بعض ومن ارسل بصره تكدرعليه قلبه وأظلم من سد عليه باب العلم وطرقه .
ومنها : تخليص القلب من ألم الحسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شئ على القلب إرسال البصر فإنه يريد ما أشتد طلبه إليه ولا صبر ولا وصول إليه ذلك غاية ألمه ومنها أنه يورث القلب سروراً وفرحاً وانشراحا واعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر وذلك لقهره عدوه مخالفته ومخالفة نفسه وهواه ، وأيضا لما كف لذته وحبس شهوته لله وفيها مسرة الأمارة بالسوء أعاد الله مسرة ولذه أكمل منها .
ومنها أنه يخلص القلب من أثر الشهوة فإن الأسير أسير شهوته فهو كما قيل طليق برأي العين وهو أسير ومنها أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق وسكر العشق أعظم من سكر الخمر .
ومنها السلامة من العقوبة الأخروية المترتبة على النظر المحرم فإن ذنا العينين النظر كما تقدم .
10 – مجاهدة النفس وتعويدها على قد البصر والصبر على ذلك والبعد عن اليأس قال تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وقال : صلى الله عليه وسلم " ومن يتصبر يصبره الله " رواه البخاري وبوب عليه بقوله باب الصبر عن محارم الله وأخرج الترمزي وصححه " وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعلم إن النصر مع الصبر " وإذا اعتادت النفس غض البصر سهل عليه ذلك فإن المرء تحكمه العادة وتأخذ بزمامه .
11 – اتخاذ بعض الوسائل الحسية :
ومنها : تجنب المواطن التي تخشى فيها من فتنة النظر إذا كان لك مندوحة عنها وإن ترتب على تجنبها فوات بعض المصالح التي لا توازي مصلحة السلامة من فتنة النظر ، فمثلا إذا كان بين منزلك ومكان عملك أو دراستك موضع تخشى فيه من الفتنة فابتعد عنه واسلك طريقا آخر وإن طال عليك حتى يسلم قلبك من الفتنة ومنها : البعد عن فضول النظر وذلك بأن ينظر المرء إلى موضع طريقه ودع عنه الإلتفات بيمنه أو يسره أو خلفه فإنه إذا كان فضولي النظر لابد أن يقع بصرة على ما يحرم عليه فإذا اعتاد عدم الفضول سلم من ذلك .
ومنها أن الإنسان مثلا إذا إلى شراء مجلة معينة عليه ألا يأتي إلى المحلات التي تجمع كل ما هب ودب وإنما يأتي المحلات التي تنتقي من هذه الموضوعات فإن كان ولابد فإن عليه أن يطلب ما يريده من صاحب المحل ولا يباشر البحث بنفسه عن المجلة التي يريدها من بين هذه المطبوعات فيتعرض بالنظر إلى صور محرمة .
ومنها أن المرء بمجرد ما يتراءى له سواد إمرأة عليه أن يصرف البصر عنها ولا يدقق النظر فيقع في الفتنة .
12- الزواج : هو من أنفع العلاج وأقواه في معاجة هذا الأمر قال صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " متفق عليه .
وللزواج ثمرات عديدة منها : إنه إمتثال لأمر الشرع وفيه إمتثال لسعادة العبد دنيا وأخرى .
ومنها إنه تكميل لنصف الدين كما قال عليه الصلاة والسلام : " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي رواه البيهقي من حديث أنس وحسنه الألباني .
ومنها أنه سكن واستقرار كما قال تعالى : ( ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ويترتب على هذا السكن والإستقرار أن يؤدي المرء عبادته ويمارس نشاطه العملي والدعوي بيفس منشرحة وهم مجتمع على ما هو فيه فيأدي أكثر وأفضل من غيره .
13- ومنها أن يستحضر العبد أن لكل نعمة ينعم الله بها على العبد ما يناسبها من الشكر فشكر نعمة البصر استعماله فيما شرع وما أبيح وحفظه عن المحرمات فإذا أطلقه في الحرام فقد كفر تلك النعمة ولم يقوم بشكرها .
14- كثرة ذكر الله : فإنه وقاية وجنة من الشيطان ومن حديث الحارث الأشعري (وأمركم بذكر الله كثيرا ومثل ذلك رجل طلبه العدو سراعاً في أثره فأتى حصناً حصيناً فأحرز نفسه فيه وإن العبد أحسن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى ) رواه الترمذي . وقال حسن صحيح وأكثر منه في وقت مواجهة الفتنة حتى تطرد الشيطان وتتحصن منه لان النفس تشتغل بالذكر عن الفكر بالنظر والذكر أيضا يذكر العبد بربه فيحول ذلك بينه وبين النظر حياء من الله وخوفا منه
15- تذكر الحور العين : ليكون ذلك حاديا إلى الصبر عن الحرام ، طلبا لوصالهم قال عليه الصلاة والسلام : " لو إن إمرأة من أهل الجنة أطلقت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما وملأته ريحاً ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ) [ رواه البخاري ] .
عن إبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء اللحم رواه أحمد وأصله في الصحيحين .
فمن صبر نفسه عن النظر إلى ما حرم الله عوضه الله خير مما صرف بصره عنه كما قال عليه الصلاة والسلام إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه رواه أحمد وصحح سنده الألباني .