الفصل الأول : مَن هم أهل البيت ؟؟
القولُ الصحيحُ في المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم –
هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ ،
وهم أزواجُه وذريَّتُه ،
وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلب ،
وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف ؛
قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص:14): " وُلِد لهاشم بن عبد مناف : شيبةُ ، وهو عبدالمطلب ، وفيه العمود والشَّرف، ولَم يبْقَ لهاشم عَقِبٌ إلاَّ مِن عبدالمطلب فقط ".
وانظر عَقِبَ عبدالمطلب في : جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص:14 ـ 15) ، والتبيين في أنساب القرشيِّين لابن قدامة (ص:76) ، ومنهاج السنة لابن تيمية (7/304 ـ 305) ، وفتح الباري لابن حجر (7/78 ـ 79).
ويدلُّ لدخول بنِي أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم في صحيحه (1072) عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنَّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبَا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما – صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنَّما هي أوساخُ الناس " ، ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
وقد ألْحَق بعضُ أهل العلم منهم الشافعي وأحمد بنِي المطلب بن عبد مَناف ببَنِي هاشم في تحريم الصَّدقة عليهم ؛ لمشاركتِهم إيَّاهم في إعطائهم من خمس الخُمس ؛ وذلك للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (3140) عن جُبير بن مُطعم ، الذي فيه أنَّ إعطاءَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لبَنِي هاشم وبنِي المطلب دون إخوانِهم من بنِي عبد شمس ونوفل ؛ لكون بنِي هاشم وبَنِي المطلب شيئاً واحداً .
فأمَّا دخول أزواجه رضي الله عنهنَّ في آلِه – صلى الله عليه وسلم – فيدلُّ لذلك قول الله عزَّ وجلَّ : " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ".
فإنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتماً ؛ لأنَّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم (2424) عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: " خرج النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها ، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله ، ثمَّ قال: " إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" "؛ لأنَّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ ؛ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث ، وتخصيصُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى ، وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه.
ونظيرُ دلالة هذه الآية على دخول أزواج النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – في آله ودلالة حديث عائشة رضي الله عنها المتقدِّم على دخول عليٍّ وفاطمة والحسن والحُسين رضي الله عنهم في آله، نظيرُ ذلك دلالةُ قول الله عزَّ وجلَّ : " لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ " على أنَّ المرادَ به مسجد قباء ، ودلالة السُّنَّة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1398) على أنَّ المرادَ بالمسجد الذي أُسِّس على التقوى مسجدُه – صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر هذا التنظيرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة ((فضلُ أهل البيت وحقوقُهم)) (ص:20 ـ 21).
وزوجاتُه – صلى الله عليه وسلم – داخلاتٌ تحت لفظ ((الآل))؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد "، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس ، وأيضاً ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (3/214) بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: " أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها ، وقالت : إنَّا آلَ محمَّدٍ لا تَحلُّ لنا الصَّدقة ".
ومِمَّا ذكره ابن القيِّم في كتابه ((جلاء الأفهام)) (ص:331 ـ 333) للاحتجاج للقائلِين بدخول أزواجه – صلى الله عليه وسلم – في آل بيته قوله: " قال هؤلاء: وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصاً أزواجُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – تشبيهاً لذلك بالنَّسَب ؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – غيرُ مرتفع ، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه ، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة ، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قائمٌ مقامَ النَّسَب ، وقد نصَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – على الصلاةِ عليهنَّ ، ولهذا كان القولُ الصحيح ـ وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله ـ أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ؛ لأنَّها أوساخُ الناسِ ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع ، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم .
ويا لله العجب! كيف يدخلُ أزواجُه في قوله – صلى الله عليه وسلم -: " اللَّهمَّ اجعل رزقَ آل محمَّد قوتاً "، وقوله في الأضحية: " اللَّهمَّ هذا عن محمد وآل محمد "، وفي قول عائشة رضي الله عنه : " ما شبع آلُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من خُبز بُرٍّ "، وفي قول المصلِّي : " اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد "، ولا يَدخُلْنَ في قوله : "إنَّ الصَّدقة لا تَحلُّ لمحمَّد ولا لآل محمَّد"، مع كونِها من أوساخِ الناس ، فأزواجُ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – أولى بالصِّيانةِ عنها والبُعدِ منها ؟!
فإن قيل : لو كانت الصَّدقةُ حراماً عليهنَّ لَحَرُمت على مواليهنَّ ، كما أنَّها لَمَّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم ، وقد ثبت في الصحيح أنَّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -، وهي مولاةٌ لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -.
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنَّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – ليس بطريق الأصالةِ ، وإنَّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه – صلى الله عليه وسلم -، وإلاَّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به ، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ، والتحريمُ على المولَى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه ، فلمَّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلاً استتبَع ذلك مواليهم ، ولَمَّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – تَبَعاً لَم يَقْوَ ذلك على استِتْبَاعِ مواليهنَّ ؛ لأنَّه فرعٌ عن فرعٍ .
قالوا : وقد قال الله تعالى: " يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ " وساق الآيات إلى قوله تعالى : " وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ "، ثم قال : فدخَلْنَ في أهل البيت ؛ لأنَّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه، والله أعلم ".
ويدلُّ على تحريم الصَّدقة على موالِي بَنِي هاشِم ما رواه أبو داود في سننه (1650)، والترمذي (657)، والنسائي (2611) بإسنادٍ صحيح ـ واللفظ لأبي داود ـ عن أبي رافع : " أنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – بعث رجلاً على الصَّدقة مِن بَنِي مخزوم ، فقال لأبي رافع : اصْحَبنِي فإنَّك تُصيبُ منها ، قال : حتى آتِي رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال: مولَى القوم مِن أنفسِهم ، وإنَّا لا تَحِلُّ لنا الصَّدقة ".
منقول من موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف
عقيدةُ أهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الإفراطِ والتَّفريط ، والغلُوِّ والجَفاء في جميعِ مسائل الاعتقاد ، ومِن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، فإنَّهم يَتوَلَّونَ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبد المطلِّب ، وكذلك زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جميعاً، فيُحبُّون الجميعَ ، ويُثنون عليهم ، ويُنْزلونَهم منازلَهم التي يَستحقُّونَها بالعدلِ والإنصافِ ، لا بالهوى والتعسُّف ، ويَعرِفون الفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب ، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه ، ولصُحبَتِه إيَّاه ، ولقرابَتِه منه صلى الله عليه وسلم .
ومَن لَم يكن منهم صحابيًّا ، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه ، ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويَرَون أنَّ شرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان ، ومَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن ، ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان ، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ : " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ "، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم في صحيحه (2699) عن أبي هريرة رضي الله عنه : " ومَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه ".
وقد قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح هذا الحديث في كتابه جامع العلوم والحكم (ص:308) : " معناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة ، كما قال تعالى: " وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا "، فمَن أبطأ به عملُه أن يبلُغَ به المنازلَ العاليةَ عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبُه ، فيبلغه تلك الدَّرجات ؛ فإنَّ اللهَ رتَّب الجزاءَ على الأعمال لا على الأنساب ، كما قال تعالى: " فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ "، وقد أمر الله تعالى بالمسارعةِ إلى مغفرتِه ورحمتِه بالأعمال ، كما قال : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ " الآيتين ، وقال : " إِنَّ الَّذِينَ هُم مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" ".
ثمَّ ذَكَرَ نصوصاً في الحثِّ على الأعمالِ الصالِحَة ، وأنَّ ولايةَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم إنَّما تُنالُ بالتقوى والعمل الصَّالِح ، ثمَّ ختَمها بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح البخاري (5990) وصحيح مسلم (215)، فقال : " ويشهد لهذا كلِّه ما في الصحيحين عن عمرو بن العاص أنَّه سمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : " إنَّ آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، وإنَّما وليِّيَ اللهُ وصالِحُ المؤمنين "، يشير إلى أنَّ ولايتَه لا تُنال بالنَّسَب وإن قَرُب ، وإنَّما تُنال بالإيمان والعمل الصالح ، فمن كان أكملَ إيماناً وعملاً فهو أعظم ولايةً له ، سواء كان له منه نسبٌ قريبٌ أو لم يكن ، وفي هذا المعنى يقول بعضُهم :
لعمرُك ما الإنسانُ إلاَّ بدينه فلا تترك التقوى اتِّكالاً على النَّسب
لقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ وقد وضع الشركُ النَّسِيبَ أبا لهب ".
منقوووول
بارك الله بيك وجزاكي الله كل الخير
ننتظر جديدك ان شاء الله
ننتظر جديدك ان شاء الله
مشكورة على المرور
^
^
الفارق هنا بيننا و بين الفرق الضاله .. نقطه على حرف العين
جزاكم الله خيرا على هذا الطرح .