(( فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة ))
للعلامة فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله
رئيس الجامعة الإسلامية سابقا و المدرس بالمسجد النبوي
الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمة :
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ، ومَن سلك سبيلَه ، واهتدى بهديه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد :
فلأهميَّةِ بيان مكانة آل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ألقيتُ في الموضوع محاضرةً في قاعة المحاضرات بالجامعة الإسلامية بالمدينة قبل ستة عشر عاماً، وقد رأيتُ لعمومِ الفائدةِ كتابةَ رسالةٍ مختصرةٍ في هذا الموضوعِ، سَمَّيتُها :
فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة .
الفصل الأول : مَن هم أهل البيت ؟
القولُ الصحيحُ في المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ ، وهم أزواجُه وذريَّتُه ، وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلب ، وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف؛ قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ص:14 : وُلِد لهاشم بن عبد مناف: شيبةُ ، وهو عبدالمطلب ، وفيه العمود والشَّرف ، ولَم يبْقَ لهاشم عَقِبٌ إلاَّ مِن عبدالمطلب فقط . اهـ .
وانظر عَقِبَ عبدالمطلب في: جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص : 14 ـ 15 ، والتبيين في أنساب القرشيِّين لابن قدامة ص :76 ، ومنهاج السنة لابن تيمية 7 / 304 – 305 ، و فتح الباري لابن حجر 7 / 78 – 79 .
ويدلُّ لدخول بنِي أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم 1072 عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنَّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبَا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد ؛ إنَّما هي أوساخُ الناس )) ، ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس .
وقد ألْحَق بعضُ أهل العلم منهم الشافعي وأحمد بنِي المطلب بن عبد مَناف ببَنِي هاشم في تحريم الصَّدقة عليهم ؛ لمشاركتِهم إيَّاهم في إعطائهم من خمس الخُمس ؛ وذلك للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 3140 عن جُبير بن مُطعم، الذي فيه أنَّ إعطاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم لبَنِي هاشم وبنِي المطلب دون إخوانِهم من بنِي عبد شمس ونوفل ؛ لكون بنِي هاشم وبَنِي المطلب شيئاً واحداً .
فأمَّا دخول أزواجه رضي الله عنهنَّ في آلِه صلى الله عليه وسلم ، فيدلُّ لذلك قول الله عزَّ وجلَّ : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا )) .
فإنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتماً ؛ لأنَّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم حديث رقم 2424 عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت : خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها ، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله ، ثمَّ قال : (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )) ؛ لأنَّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ ؛ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث ، وتخصيصُ النَّبِيِّ صلى الله عايه وسلم لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى ، وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه .
ونظيرُ دلالة هذه الآية على دخول أزواج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في آله ودلالة حديث عائشة رضي الله عنها المتقدِّم على دخول عليٍّ وفاطمة والحسن والحُسين رضي الله عنهم في آله ، نظيرُ ذلك دلالةُ قول الله عزَّ وجلَّ : (( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ )) على أنَّ المرادَ به مسجد قباء ، ودلالة السُّنَّة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 1398 على أنَّ المرادَ بالمسجد الذي أُسِّس على التقوى مسجدُه صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر هذا التنظيرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة ( فضلُ أهل البيت وحقوقُهم ) ص :20 ـ 21 .
وزوجاتُه صلى الله عليه وسلم داخلاتٌ تحت لفظ ( الآل ) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد )) ، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس ، وأيضاً ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه 3/214 بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة : أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها ، وقالت : إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة .
ومِمَّا ذكره ابن القيِّم في كتابه جلاء الأفهام ص :331 ـ 333 للاحتجاج للقائلِين بدخول أزواجه صلى الله عليه وسلم في آل بيته قوله : قال هؤلاء : وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصاً أزواجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ مرتفع ، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه ، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قائمٌ مقامَ النَّسَب ، وقد نصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على الصلاةِ عليهنَّ ، ولهذا كان القولُ الصحيح ـ وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله ـ أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ؛ لأنَّها أوساخُ الناسِ ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع ، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم .
ويا لله العجب! كيف يدخلُ أزواجُه في قوله صلى الله عليه وسلم : (( اللَّهمَّ اجعل رزقَ آل محمَّد قوتاً )) ، وقوله في الأضحية : (( اللَّهمَّ هذا عن محمد وآل محمد )) ، وفي قول عائشة رضي الله عنه : (( ما شبع آلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خُبز بُرٍّ )) ، وفي قول المصلِّي : اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، ولا يَدخُلْنَ في قوله : (( إنَّ الصَّدقة لا تَحلُّ لمحمَّد ولا لآل محمَّد )) ، مع كونِها من أوساخِ الناس، فأزواجُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصِّيانةِ عنها والبُعدِ منها ؟!
فإن قيل : لو كانت الصَّدقةُ حراماً عليهنَّ لَحَرُمت على مواليهنَّ ، كما أنَّها لَمَّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم ، وقد ثبت في الصحيح أنَّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته ، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وهي مولاةٌ لعائشة رضي الله عنها .
قيل : هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنَّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالةِ ، وإنَّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه صلى الله عليه وسلم ، وإلاَّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به ، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ ، والتحريمُ على المولَى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه، فلمَّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلاً استتبَع ذلك مواليهم ، ولَمَّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَعاً لَم يَقْوَ ذلك على استِتْبَاعِ مواليهنَّ ؛ لأنَّه فرعٌ عن فرعٍ .
قالوا : وقد قال الله تعالى : (( يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ )) وساق الآيات إلى قوله تعالى : (( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ )) ، ثم قال : فدخَلْنَ في أهل البيت ؛ لأنَّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه ، والله أعلم .
ويدلُّ على تحريم الصَّدقة على موالِي بَنِي هاشِم ما رواه أبو داود في سننه حديث رقم 1650 ، والترمذي حديث رقم 657 ، والنسائي حديث رقم 2611 بإسنادٍ صحيح ـ واللفظ لأبي داود ـ عن أبي رافع : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على الصَّدقة مِن بَنِي مخزوم ، فقال لأبي رافع : اصْحَبنِي فإنَّك تُصيبُ منها ، قال : حتى آتِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله ، فقال : مولَى القوم مِن أنفسِهم ، وإنَّا لا تَحِلُّ لنا الصَّدقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني: مُجملُ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في أهل البيت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الثاني إن شاء الله تعالى
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته