شعر عبدالعزيز جويدة
"رؤية جديدة لهزيمة قديمة"
تعليق على نكسة 67 التي مازلنا متأثرين بجراحها
مَشروعُ أحلامٍ عظيمْ
مِن نهرِ دِجلةْ
حتى ضِفافِ النيلِ كانْ
كانَ التدفُّقَ في الصميمْ
بينَ النجوعِ وبينَ آلافِ القُرى
وسَطَ المدائنِ
كانَ يَلمعُ كالثُّريا في السماءِ ولا يُرى
كنَّا جميعًا في المساءِ نَشُمُّهُ
مثلَ الهواءْ
كانَ الأملْ ،
كانَ الرجاءْ ..
أو كانَ عُكازًا
وكنَّا أُمةً عَرجاءْ
كانَ الرغيفَ
وكانَ طعمَ الماءْ
***
كانَ المساءَ ليجمعَ الأطفالَ
في حِضْنِ المصاطِبْ
تحكي لنا جَدَّتُنا
في دِفءِ نيرانِ الحَطبْ
عن ذلكَ العهدِ الذي
قد راحَ عنَّا وذهبْ
وعن الكرابيجِ اللعينةِ
في أيادي الانجِليزْ
وعن البطولاتِ المجيدةِ ،
عن ضحايا ..
"دِنشواي"
أنا قلبُ أُمي كانَ يَصرُخُ
صوتُها يأتي حزينًا مثلَ نايْ
اللهَ يا جَدَّتِنا
تتبسَّمُ ، ثمَّ تَرشُفُ
رشفةً من كوبِ شايْ
وهناكَ تحكي عن "جمالْ"
ذلكَ العطرِ المُعتَّقِ عن
في زُجاجاتِ الخيالْ
كانتْ تقولُ لنا : جمالُ هو العَلَمْ
وهو الهرمْ
وهو الكرامةُ، والمهابةُ ،
والزمانُ المحترمْ
في صوتِ جدتِنا نغمْ
تحكي لنا
ونقولُ في صوتٍ خفيضْ :
اللهَ جدتَنا .. نعمْ
هي تبتسمْ
وأنا وصحبي
مِن فرطِ عِشقٍ وانبِهارٍ لم نَنمْ
***
في ذاتِ يومٍ
والليالي مُجدِبةْ
الليثُ ثارْ
باسمِ الشعوبِ الغاضبةْ
باسمِ الملايينِ التي هتفتْ لهُ مترقِّبةْ
الليثُ قالَ وصدَّقتْهْ ..
كلُّ القلوبِ الطَّيبةْ
ماذا جَرى ؟
في لحظةٍ يَنهارُ كلُّ كِيانِنا
ونصيرُ كَومةَ أترِبةْ
في لحظةٍ غَدتِ الحياةُ مُدبَّبةْ
عِشنا بأسوأِ تَجرِبةْ
والموتُ حتى لا يُريحُ
لأنَّهُ الموتُ البطيءْ
موتُ الجُروحْ
موتُ الذُّبولْ
موتُ الأفولْ
موتٌ غريبٌ لا يَروحُ ولا يَجيءْ
موتُ المسيحِ على الصليبِ
أوِ الصليبِ على المسيحْ
قُلْ ما تَقولْ
حتى المدائنُ ، والمنازلُ ، والحُقولْ
هذا الذي قد كانَ في وَهَجٍ يَصولْ
الآنَ يَسكُنُنا الذُّهولْ
لم يَبقَ من تاريخِنا غيرُ الفُلولِ الهارِبةْ
وشُعوبُنا عَرَفتْ لأوَّلِ مرَّةٍ
أنَّ الأماني كاذِبةْ
***
كيفَ انخَدعْنا في النبيْ ؟
كيفَ انكسرْنا ؟
أو كيفَ صرنا خاملينْ ،
ومن البطولةِ فارغينْ ؟
( مَدَدًا .. مَدَدْ )
للأولياءِ الصالحينْ
فلكَم مَسحْنا الجُبَّةَ الكاكي
وقبَّلنا الأيادي صاغرينْ !
عُدنا ولكنْ
كلُّنا أسرى حيارَى ، ضائعينْ
الآنَ نَبحثُ في وُجوهِ الميِّتينْ
عن أيِّ رَمزٍ
من رُموزِ قضيَّتي
ووجدتُهم ..
كانوا جميعًا هارِبينْ
***
أنا عائدٌ
مِن صوبِ مَدرستي
على الكَتفينِ "مِخْلةْ"
وأبي الذي كسرتْهُ أحزانُ الهزيمةِ
كانَ مُمتدًا
كَنخلةْ
ماتَ الشموخُ
ولَم يَعُدْ غيرُ الشروخْ
عينايَ تَبحثُ في وُجوهِ الناسِ عن شيءٍ
ولا شيءٌ هُنا
حتى الأماني لم تَعدْ ،
حتى أنا
وبكلِّ زاويةٍ سُرادقْ
والناسُ تتَّشِحُ السوادْ
جَفَّ المِداد ُمِن القصائدْ
فكتبتُ شعري بالحِدادْ
الضِّفةُ الأُخرى يَهودْ
والنجمةُ الزرقاءُ في عيني ألَمْ
سقطَ العَلمْ
في لحظةٍ صِرنا عَدمْ
الليثُ سلَّمَنا لذئبٍ
وانهزَمْ
وأنا أُفتشُ عن أبي
في غُرفةِ التحقيقِ كانْ
كانَ الوحيدَ المُتهمْ
***
العيبُ أينْ ؟!
العيبُ كانْ ..
في حُلمِنا أم في الزعيمْ ؟
العيبُ كانَ بِذاتِنا
كيفَ الأمورُ ستستقيمْ ؟
مشروعُ أحلامٍ كبيرْ
لكنَّهُ وَهمٌ كبيرْ
فلأنَّنا لم نتَّفِقْ
ولأننا لنْ نتَّفقْ
"مشروعُ أحلامٍ" نَفَقْ
لمْ يَبقَ من أحلامِنا غيرُ القلقْ
أو ذكرياتٍ
كلما مرَّتْ علينا نَختنِقْ
وكأنَّ مِشنقةً تدلَّتْ داخلي
مِن يومِها
في حبلِها أنا كلَّ يومٍ أنشَنِقْ
***
يا سادتي
لو تسمحونْ
لو تَفتحونْ ..
جُرحَ العروبةِ مِن جديدْ
كي تَخرُجَ الأحزانُ منَّا ،
والصَّديدْ
مَن ذا الذي منَّا هرَبْ ؟
كيفَ استبحتُمْ عقلَ شعبٍ طيِّبٍ
بالوهمِ أحيانًا
وحينًا بالكذِبْ
مَن ذا الذي فيكم تولَّى المعركةْ ؟
مَن شاركهْ ؟
مَن باركَهْ ؟
مَن حرَّكهْ ؟
ومَنِ الذي صاغَ البيانَ الفَبرَكَةْ
مِن صانعي "الوكسةْ" ؟
يا سادةَ النَّكسةْ
مَن ذا الذي يومًا أضاعَ القدسَ والضِّفةْ
ومَن الذي جعلَ الجنازةَ يومَها..
زَفَّةْ ؟
***
الجُرحُ يَرفضُ يا طبيبْ
الجرحُ يَرفضُ أن يَطيبْ
أ ولستَ تَفهمُ يا طبيبْ ..
أنَّ الصديدْ
سيعودُ يومًا بالهزيمةِ
مِن جديدْ ؟