تخطى إلى المحتوى

قصة الفقير مع صاحبه 2024.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كــــان رجل فقير قد طال فقره ، وكان فيه بقية من إنسانية .

فشكا إلى صاحبه الـــذي يعرف فيــــه النصح والرأي السديد

حاله ، فقال : قد كنت تعرف حالي في الفقر ، وأنــا متواطئ

على الفقر ، ولكنــي أريــد منــك نصيحة تخفف عني بعـض

ما أجده من الهموم التي لازمتني في ليلي ونهاري ، وهي

زيادة عما أجد من ألم الفقر وبأسائه وعنائه .

فقال له صاحبه : يا أخي ! اعلم أن الفقراء نوعان :

أحدهما : فقير شريف .

والآخر : فقير وضيع .

فاجتهد أن تكون من الشرفاء الذين فقرهم لا يتعدى فقر

الإفلاس من الموجودات المالية .

وإيـــاك أن تتصف بصفات الفقراء الساقطين الـــذين افتقرت

أيديهم وقلوبهم ، كما بين ذلك النبي صلى الله عليــه وسلـم

في قوله : " ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى

غنى النفس " (1)

فعلم بهــذا الحديث الشريف أن المدار كله على ما في القلوب

من الأوصاف الطيبة أو الدنيئة في حق الغني والفقير .

فمن كان قلبه غنيا بالله فهو الغني حقيقة ، ولو كان فقيرا .

ومن كان قلبه فقيرا إلى الأغراض ، وإلى الخلق ، فهــــو

الفقير حقيقة ، ولو كان مثريا .

فمتـــى علمت أن الله تعالى حكيم في جميع تدبيراته ، وأنـــه

لطيف بعباده المخلصين ، قـد يقدر عليهم من الأقدار الكريهة

للنفوس ، ما يكون سببا ووسيلة لخيرهم وثوابهم ، وأن الله

قد ابتلى بالفقر كثيرا من أوليائه وأصفيائه ، وأن مــن صبر

على شدته واحتسب ذلك عند الله ؛ لـم يـزل فــي زيادة فـــي

إيمانه وثوابه ؛ وخصـوصــــا إذا ضم إلى هذا الوصف قوة

الرجاء والطمع في فضل الله ، وأن الله سيزيل فقره ،

وسيجعل الله بعد عسر يسرا .

متى تحقق بذلك ، هانت عليه وطأة الفقر وشدته ، لما حصل

له في مقابلته من الخير ، ولما يرجوه من الفضل والثواب .

ومما يخفف ذلك : أن يعلم أن حزنه وهمه لا يخفف من فقره

ومصيبته ، بل يزيد ذلك ، فكيف يسعى العاقل في زيادة

عنائه ؟ وكيف لا يتسبب في تخفيف بلائه ؟

ثم اعلم – أيها الفقير – أن أكبر العلل التي توجب الهم والغم،

وتسقط إنسانية العبد وحريته : تعلقه بالمخلوقين ، سؤالا

لهم ، وذلا ورجاء ، وطمعا فيما يناله منهم .

وأن من كان كذلك فإنه مقيد النفس رقيق القلب لغير الله، قد

انقطع رجاؤه ممن كل خير في رجائه ، وكــل الأمور عنده ،

ومفاتيح الأرزاق بيده ، إلى مــن لا يملك لـــه نفعا ولا ضرا

ولا يريد له الخير ، وليس له من الأمر شيء ، وهو فقير

مثله !

فمتــى علقت رجاءك كلـــه بالله ، واحتسبت الأمل عند الله ،

وسلمت مـــــن التعلق بالمخلوقين ، ورجوت زوال عسرك ،

أبدلك الله بهمك فرحا ، وبكدرك راحة ويسر الله لك الأمور ،

وأوقع في قلبك القناعة التي من ملكها ملك الكنز الأكبر ،

وقد ضمن الله للمتقي أن يجعل له من كل هم فرجا ، ومن

كل ضيق مخرجا .

وأما قولك – يا أخي – : إني متواطئ على الفقر ، فهـو كلام

غالط من وجهين :

أحدهـما : أنه لا ينبغي لك أن تيأس من روح الله ورحمته ،

وفضله وإحسانه .

الثاني: يجب عليك أن تسعى بكل سبب يزيل فقرك أو يخففه،

فاعمل بالأسباب النافعة مـن بيع أو شراء أو حرفة أو خدمة

أو ما يناسب حالك ، وتحسنه من الأسباب ، فقد قـــال صلى

الله عليه وسلم "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب

على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن

يسأل الناس أعطوه أو منعوه " (2)

ومتــى عملــت بالأسبـــاب بهـــذه النيـــة – نيـــة الاستعفاف

والاستغناء عن الناس – يســر الله أمـرك ، وبـــارك لك فــي

الشــيء القليل ، وسلمت من الفقر الوضيع، وهو فقر القلب

لغير الله ، ودخول الفقير في معاصي الله وفي الأمور الدنيئة

الضارة، التي إذا ابتلي بها العبد عوقب بعدة عقوبات، أقلها

أنها سبب لبقاء فقره وزيادته ، كما هو مشاهد مجرب .

وأكثر الفقراء قد جمعوا بين فقر الدنيا والآخرة .

فقر القلوب ، وفقر الإفلاس والافتقار إلى المخلوقين ،

وتعلق القلوب بهم ، والذل الوضيع لهم .

وهذا نهاية الهبوط والسقوط .

فالموفق الحازم يستعيذ بالله من هذه الحال ، ويعمل

الأسباب الواقية والدافعة ، كمــــا ذكرنا .

والله تعالى هو الموفق المعين .

كتاب الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة فـي العقائد والفنون

المتنوعة الفاخرة(ص197) للشيخ عبدالرحمن السعدي (بتصرف)

…..

(1) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الرقاق ، ب الغنى غنى

النفس ، ص 1238 / ح 6446 )

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

(2) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الزكاة ، ب الاستعفاف

عن المسألة ، ص 287 / ح 1471 )

من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بارك الله فيك أختي
لاكي

جزاك الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.