تخطى إلى المحتوى

كيف يتعامل المسلم مع الفتن ???? 2024.

  • بواسطة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أما بعد:

إن العالم في هذه الأيام تجتاحه أمواج عاتية من الفتن والبلايا والمصائب والرزايا زادت في المسلمين فرقة وشقاقاً، واختلفت فيها أفكارهم سلباً وإيجاباً، وخطأً وصواباً، حتى غدا فريق منهم يكفِّر الآخرين إن لم يوافقوه رأيه، أو يتابعوه قوله، وهذا من تمام عتو الفتنة، وشديد بأسها، وجحيم ظلامها، وعدم البصيرة بعواقبها، وسوء مآلها عافانا الله منها، في وقت اتحدت فيه كلمة الكفر فكانت سواء، وحقيقتها :{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } [سورة الحشر:14]

وقد بدأوا في نفث سمومهم الصريحة على الإسلام، وظهرت العداوة على ألسنتهم:{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر}[سورة آل عمران:118] .

وانشغل المسلمون في النزاع بينهم، يسيرون بغير قواعد؛ فكانت النتائج عكسية .

كيف يتعامل المسلم مع الفتن وهذه الأحداث ؟ سؤال يُردَّد وما الجواب عليه ؟

أسئلة جيدة، لكن هل السائل يطلب الحق، ويستسلم له وفق مفهوم الإسلام؛ إذ لا إسلام بلا استسلام، أو ينتظر جواباً يوافق هواه ومراده، فلا يقبل بغيره؟!

إن الركون إلى العواطف والحماسات، والخطب الناريات دون قواعد واضحات، وأسس جليات؛ إنما يزيد الفتنة فتنة، والبلاء كربة . يُخرِج من بطن المصيبة مصيبة أخرى، وهل يزيد النفط النار إلا ناراً وحريقاً واشتعالاً، والنافخ فيها إلا سواداً واحتراقاً؟!

إن الفتنة شديدة الظلمة، حالكة اللون، قاتمة الرؤية كما أخبر عنها صلى الله عليه وسلم بقوله:[ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ] رواه مسلم والترمذي وأحمد. وهذه الجملة لها معناها الدقيق، ومغزاها العميق؛ إذ لا نور فيها ولا سراج .

إن من يدخل إلى مكان مظلم في كهف أو سرداب؛ لا يفرق بين جامد ولا متحرك، ولا أسود أو أبيض، إنه يكثر من الالتفاف في جميع الاتجاهات: تارة يتقدم، وتارة يتراجع، مرة يظن أنه قد اهتدى إلى الطريق، وأخرى يدرك ضلاله البعيد، وأن سيره الطويل كان عبثاً وضياعاً لما كان يجب عليه فعله .

إنه في هذه الظلمة لا يفرق أو يميز، فقد يضرب جامداً ويظنه متحركاً، ويلطم صديقاً يظنه عدواً، ويسمع صوت مخادع فيحسبه ناصحاً، وكل من يسمع تحركه يسارع إلى ضربه والشك في حركته وقصده، وهو دائما يسئ الظن ولا يأمن، ويجري إلى كل صوت يسمعه، سلاحه مشهر دائماً، فلا مكان له يثبت فيه ولا استقرار، وقد يقترب من هلاكه ظاناً أن فيه نجاته.

وفي هذا الليل الدامس يشع نور، ويضئ قمر، وينبلج فجر، فتتسابق إليه النفوس، ويقصده الموفقون والمبصرون؛ سعياً وجرياً متخطين المصاعب والمتاعب، وما تحدثه الحواجز من خدوش في جوانبهم متناسين جروحهم ودماء أقدامهم التي تسيل بعد اصطدامها بالأحجار، وتجرحها من الأشواك والأشجار أثناء سيرهم إلى ذلك النور، معرضين عن صياح الناعقين لهم بالتوقف عن المسير؛ لأنهم أبصروا نور الإيمان، وشعاع الإسلام، وقواعد ثابتة لا تتغير على مر العصور والأزمان، والأماكن والأيام، لذا كان لا بد للسائرين إلى رب العالمين من بيان وتنبيهات ولوحات وإرشادات تضيء لهم الطريق وتعينهم على السير بدليل وقبل الدخول على تلك القواعد لا بد من إيضاح.

أصول السلامة لك قارئ وسامع:

أولا: لا مجال في حديثنا عن الأصول المسلمات في شريعتنا وديننا، التي لا محل للاجتهاد أو الرأي فيها:

كحرمة دم المسلم وعرضه وبلده وماله وأصل الولاء والبراء، الولاء لأهل الإسلام ووجوب نصرهم وعونهم، والبراءة من أهل الكفر، وعدم جواز نصرهم، أو إعانتهم: بالقول، أو الفعل، أو الإشارة.

ثانيا: إن العاطفة والحماسة مطلوبة شرعاً، محمودة ديناً لكن وفق معيار الشرع لا معيار الخلق وهوى النفس.

يقول الغزالي: "الدين ليس أحكاماً جافة وأوامر ميتة إنه قلب يتحرك بالشوق والرغبة يحمل صاحبه على المسارعة إلى طاعة الله وهو يقول: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }[سورة طه:84] . فكيف تتحول التكاليف الصعبة إلى شئ سائغ حلو؟ – ثم قال- : إن من الناس من تلمس في قلبه عاطفة حارة، ورغبة في الله عميقة، وحباًّ لرسوله صلى الله عليه وسلم بادياً، ومع ذلك تجده ضعيف البصر بأحكام الكتاب والسنة، يعلم منها قليلاً، ويجهل منها كثيراً، ويغريه بالتعصب للقليل الذي يعلمه أنه يأنس من نفسه صدق الوجهة، وقوة محبة لله ورسوله " .

ومع ذلك فكل هذه الأمور لا تؤهله لإصابة الحق، وإبصار النور، أو تغيير شئ من قواعد الشرع، هذا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ نَعَمْ ] قَالَ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي] رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه ومالك.

انظر إلى شدة تلك الغيرة والحماس المتأصل في النفوس، المطلوب على المحارم، ومع ذلك بقي الحكم الشرعي لابد من أربعة شهداء بلا تغيير، والقاعدة بلا تبديل عند رؤية ذلك المصاب العظيم الذي يطير له العاقل اللبيب – عافانا الله وإياكم – قال ابن حجر رحمه الله لاكي وفي الحديث أن الأحكام الشرعية لا تعارض بالرأي) .

والشجاعة مطلوبة لكن الرأي مقدم عليها.

والرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المقـام الثاني

والشرع أولى منها تقديماً، فالشرع ميزان الأمور كلها، وشاهد لفرعها وأصلها، بعد هذا البيان إليك:

قواعد في التعامل مع الفتن

القاعدة الأولى: ردها إلى الكتاب والسنة:

فتعرض تلك الوقائع والأحداث على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عرضا متجرداً بلا تعصب، أو هوى، أو عاطفة، أو حماساً، أو اندفاعاً، وارتجالاً، فما وافقهما؛ قُبِل وعمل به، وما خالفهما؛ رُدَّ، مهما كان قائله وناقله، وبغض النظر عن الداعي إليه وناشره؛ لأن الإسلام معناه: الاستسلام التام المطلق لله ورسوله، فلا إسلام بلا استسلام : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }[سورة الشورى:110] وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [سورة النساء:59] .

القاعدة الثانية : الاعتصام بالكتاب والسنة:

في سائر شئون الحياة قولاً وعملاً وتحكيماً، فذاك طوق النجاة في بحر تلاطم المظلمات:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [سورة آل عمران:103] وقال الله سبحانه:{ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة آل عمران:101] وقال سبحانه:{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون }[سورة الأنعام:153] .

وهذا النبي صلى الله علية وسلم يخبر صحابته ويحذر أمته قائلاً:[ أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ] قالوا: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:[ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ] رواه الترمذي والدارمي وأحمد .

وقال عليه الصلاة والسلام :[ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي] رواه الحاكم- بنحوه- . فمن اعتصم بهما؛ فقد تكفل الله له بالهداية في الدنيا والسعادة في الأخرى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } [سورة طه:123].

القاعدة الثالثة : ربط الناس بالعلماء الربانيين:

بسؤالهم، والأخذ عنهم، والصدور عن رأيهم؛ فهم نجوم الأرض يهتدى بهم ويسار خلفهم، وأمرنا بسؤالهم:{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }[سورة النحل:43، والأنبياء(7)] .

وأمر الله تعالى برد الأمور إليهم:{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[سورة النساء:83]

و{أُولِي الْأَمْرِ } هنا: هم العلماء .

وقد أخذ الله عليهم العهد والميثاق بالبيان وعدم الكتمان:{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }[سورة آل عمران:187] فيلزم حث الناس على الأخذ عنهم، والالتفاف حولهم، وعدم تنقيصهم، أو التقليل من دورهم، أو اتهامهم في مقاصدهم وأقوالهم، وهذه فتنة أخرى يقصدها أهل الفتنة، ويرومها أهل الباطل؛ ليتخبط الناس في ظلمات الجهل بلا قائد عالم، فيعملوا وفق عواطفهم وحماسهم، فيفسدوا في الأرض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.ولتعلم أن من علامة إعراض الله عن عبده أن يصرفه إلى مالا ينفعه، بل لربما وقع فيما يضره.

إن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة:{وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[سورة آل عمران:11] .

إن قطع الحبل بين العلماء والعامة هو مايحيكه ويخطط له أعداء الإسلام في القديم والحديث، وقد اشتد الآن لما رأوا فجر الإسلام يضيء، ونوره يشع، وعجلته تسير؛ فرموا بثقلهم في تلك الفتنة وانساق معهم – مع الأسف – بعض رجال الإسلام من حيث يشعرون، أو لا يشعرون؛ لقطع الصلة بين العلماء والناس، فامتلأت سجلات أهل الباطل بالانتصار في هذا المضمار في وقت وجيز، ولحظات يسيرة، لم يكونوا يحلمون بتحقيقها في عقود من السنين.

قولوا لي بربكم إذا أشيع الحديث في العلماء، فمن أين يستقي الناس، وإذا رُدِم مورد مائهم تفرقوا في الأودية والشعاب؛ بحثاً عن مورد جديد، فمنهم من يضل الطريق، ومنهم من يهلك قبل الوصول، ثم متى يجد الناس مورداً لهم يتفقون على الأخذ منه ويقبلوا به، وتجتمع عليه الكلمة ويوحد الصف:{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }[سورة الأنفال:46].

وهنا سؤال أطرحه: لماذا تحرص وسائل الإعلام – ومنها ما عرف بعدائه للإسلام – على عرض أقوال العلماء في هذه الأحداث بخاصة، وتكرر ذلك وتعرضه للنقاش في الساحات ؟ لماذا

أليس من أهداف ذلك: زرع الفرقة، وإيجاد الشقاق والخلاف والطعن والغمز والهمز واللمز. فإياك- وفقك الله- ثم إياك أن تشارك معهم في مقصدهم، وإذا كان الذب عن عرض المسلم واجباً ومتعيناً فكيف بالمسلم العالم؟! وأين تلمس الأعذار لهم؟

وإذا كان لا بد من نقاش فليكن وفق أدب الخلاف بِدْءاً من طلب الحق فيه واحترام المخالف، وعدم الخروج عن محل النزاع إلى شخص الطرف الآخر وتجريحه، وليكن بعرض القول من دون نسبته إلى قائله خاصة في زمن الفتن مع عدم الدخول في مقاصد القائل:[ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ] جزء من حديث رواه البخاري ومسلم -واللفظ له- وأبوداود وأحمد. مع الحرص على تراص الصف، ووحدة الكلمة، وتماسك الأمة، والخندق الواحد، وتأمل هداك الله وأرشدك للحق كيف خالف ابن مسعود عثمان بن عفان – رضي الله عنهما – برأيه في إتمام الصلاة بمنى زمن الحج ووافقه بفعله ولما عوتب في ذلك قال: " الخلاف شر " . وصدق هذا الإمام الخلاف شر.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل الخير
وجعله الله في ميزان حسناتك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.