هو بحث فى العدد السابق لمجلة التتوحيد نقلته بتصرف ….:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد فنخص هذا المقال بالحديث عن شروط لباس الرجال فنقول مستعينين بالله تعالى:
باب لباس الرجال أوسع من باب لباس النساء؛
لأن الأصل في المرأة أن تقر في بيتها وأن لا تخرج إلا لحاجة، بخلاف الرجل؛ فالأصل سعيه في الأرض واكتساب المعاش الحلال، لذا كان باب اللباس في حقه أوسع.
لكن لا يعني ذلك أن يلبس الرجل ما يشاء وما يهوى من غير أن ينضبط بضابط الشرع المحكم.
وقد ظهرت في هذا الزمان أشكالٌ من اللباس- أعني لباس الرجال- تزري بلابسها؛ وملابس قصيرة وما يسمى بالشورتات (السراويل القصيرة) لم يستح كثير من الرجال والشباب اليوم أن يظهروا بها في مجامع الناس ومنتدياتهم؛ إذا لبست الثوب إلى منتصف الساق قالوا تشدد وتزمت ورجعية ومنظر قبيح، وإذا لبس هو مثل هذا اللباس إلى منتصف الساق قالوا هذا موضة، فسبحان الله!!! سنة المختار تزمت وتخلف ورجعية ومنظر قبيح، والتشبه بالكفار والفجار وأرباب العهر والفسوق حضارة ومدنية ورقي، فإلى الله المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وترجع أهمية الحديث عن لباس الرجال في زمن الغربة وبيان المشروع منه والممنوع إلى عوامل كثيرة منها:
– اعتقاد الكثير أنه لا ممنوع في اللباس وبما أن اللباس من العادات فللإنسان أن يرتدي ما يشاء وأن يلبس ما يريد.
– اهتمام العلماء والدعاة وطلبة العلم وانشغالهم بالحديث عن لباس المرأة المسلمة- وحق لهم- ومواجهة الحملات المسعورة للقضاء على عفة المرأة وكرامتها.
– قلة المصنفات التي تعالج أحكام لباس الرجال وبيان المشروع منه والممنوع.
لما سبق وغيره تأتي أهمية الحديث عن هذا الموضوع.
وسوف ينتظم البحث في لباس الرجال حول سبعة عناصر وهي:
1- شروط يجب توافرها في لباس الرجال.
2- ما يستحب في لباس الرجال.
3- محاذير في لباس الرجال.
4- لباس الرجال في الصلاة.
5- لباس الرجال في الإحرام.
6- لباس الرجال في الكفن.
7- فتاوى تتعلق بلباس الرجال.
أولاً: شروط يجب توافرها في لباس الرجال:
أ- أن يكون مباحاً طاهراً:
يشترط في اللباس عموماً سواءً كان لباس رجل أو امرأة أن يكون مباحاً طاهراً فلا يجوز لبس المسروق والمغصوب ونحوهما، كما أنه لا يجوز للرجال لبس الحرير أو ما تلبسه النساء، وكذلك لا يجوز لبس النجس، ولا ما فيه تصاوير لذوات الأرواح، وكل هذا واضح بيِّن مقرر في كتب الفقهاء، وتعظم المسألة إذا لبس ذلك وصلى فيه.
ب أن يكون ساتراً للعورة:
وعورة الرجل كما هو معلوم أنها بين السرة والركبة على خلاف مشهور في الفخذ
قال النووي: وعورة الرجل حرا كان أو عبدا ما بين السرة والركبة على الصحيح.
وقال ابن قدامة المقدسي: وعورة الرجل ما بين سرته وركبته لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين السرة وبين الركبتين عورة" رواه أبو بكر بإسناده، وعن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "غط فخذك فإن الفخذ من العورة". رواه أحمد في المسند.
وهناك أمور تنافي كون اللباس ساتراً للعورة كأن يكون ضيقاً يصف أو رقيقاً يشف
قال الكاساني: فإن كان الثوب رقيقًا يصف ما تحته لا يجوز لأن عورته مكشوفة من حيث المعنى.
وقال إبراهيم بن علي الشيرازي: ويجب ستر العورة بما لا يصف البشرة من ثوب صفيق أو جلد، فإن ستر بما يظهر منه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز لأن الستر لا يحصل بذلك.
وقال محمد بن أحمد الغرناطي: وأما الساتر فيجب أن يكون صفيقًا كثيفًا فإن ظهر ما تحته فهو كالعدم.
يظهر مما سبق أن ستر العورة لا يحصل مع كون اللباس ضيقاً يبرز العورة ويفصلها ويبين حجمها كما هو الحال في كثير من هذه السراويلات التي يلبسها الناس اليوم والتي وجودها كالعدم.
ج- أن لا يشبه لباس النساء:
استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح وغيرها بلعن المتشبهات من النساء، بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء، وفى رواية أنه لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل.
قال أبو الطيب:قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس.
وقال ابن حجر:قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ما ملخصه: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي والحركات ونحوها لا التشبه في أمور الخير.
وقال أيضا: اللعن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين: أحدهما: يراد به الزجر عن الشيء الذي وقع اللعن بسببه وهو مخوف فإن اللعن من علامات الكبائر.
قال المناوي: قال النووي: حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه لأنه إذا حرم في اللباس ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبه به بل يفسق فاعله للوعيد عليه باللعن.
قال الشوكاني: قوله لعن الله المتشبهين من الرجال الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجال التشبه بالنساء وعلى النساء التشبه بالرجال في الكلام واللباس والمشي وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام: الضابط فى نهيه عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال أن الأصل فى ذلك ليس هو راجعا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه فإنه لو كان كذلك لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغا وهذا خلاف النص والإجماع فإن الله تعالى قال للنساء: وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن، الآية، وقال: قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين الآية، وقال: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، فلو كان اللباس الفارق بين الرجال والنساء مستنده مجرد ما يعتاده النساء أو الرجال باختيارهم وشهوتهم لم يجب أن يدنين عليهن الجلابيب ولا أن يضربن بالخمر على الجيوب ولم يحرم عليهن التبرج تبرج الجاهلية الأولى لأن ذلك كان عادة لأولئك… إلى أن قال رحمه الله: فالفارق بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء وهو ما يناسب ما يؤمر به الرجال وما تؤمر به النساء.
وقال: والرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه حتى يفضى الأمر به إلى التخنث المحض والتمكين من نفسه كأنه امرأة. اه.
وإنك لا تستطيع أن تفرق بين لباس الرجل والمرأة في كثير من بلاد المسلمين وهذا مما يؤسف له، فالله المستعان.
د- أن لا يشبه لباس الكافرين:
مفارقة المسلم للمشرك والكافر ظاهراً وباطناً أمر مقصود شرعًا، فكما حصل التفريق في الباطن بالاعتقادات وجب التفريق في الظاهر باللباس، لذا جاءت الأدلة الكثيرة المتظاهرة تحرم التشبه وتوجب التميز فإن المشابهة في الظاهر توجب المشابهة في الباطن وهذا من جملة مقاصد الشريعة الكاملة المطهرة؛ إذ المقصود الأعظم هو ترك الأسباب التي تدعو إلى موافقتهم ومشابهتهم باطنا وظاهراً.
وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع المسلمين على التميز عن الكفار ظاهرا وترك التشبه بهم في اللباس وغيره، أما ترك المشابهة في الباطن فهذا أمر لا يختلف فيه اثنان.
قال العلامة ابن القيم: فليس المقصود من التمييز في اللباس وغيره مجرد تمييز الكافر عن المسلم بل هو من جملة المقاصد، والمقصود الأعظم ترك الأسباب التي تدعو إلى موافقتهم ومشابهتهم باطنًا، والنبي صلى الله عليه وسلم سن لأمته ترك التشبه بهم بكل طريق وقال خالف هدينا هدي المشركين. اه.
فالمقصود الأعظم من التميز إذن هو قطع الأسباب عن مشابهة المغضوب عليهم والضالين ظاهراً وباطناً، وليس المقصود عدم لبس ما يصنعون أو ينسجون.
قال ابن عثيميين رحمه الله: وإذا قيل تشبه بالكفار فلا يعني ذلك أن لا نستعمل شيئاً من صنائعهم فإن ذلك لا يقوله أحد، وقد كان الناس في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وبعده يلبسون ما يصنعه الكفار من اللباس، ويستعملون ما يصنعونه من الأواني،
والتشبه بالكفار هو التشبه بلباسهم، وحلاهم، وعاداتهم الخاصة، وليس معناه أن لا نركب ما يركبون، أو لا نلبس ما يلبسون، لكن إذا كانوا يركبون على صفة معينة خاصة بهم فلا نركب على هذه الصفة، وإذا كانوا يخيطون الثياب على صفة معينة خاصة بهم فلا نصنع مثل هذا الضيع، وإن كنا نركب مثل السيارة التي يركبونها، وتخيط من نوع النسيج الذي يخيطون منه.
ثانياً: ما يستحب في لباس الرجال:
1 لبس القميص:
يستحب للرجال لبس القميص لأنه أستر للعورة وأكمل في الزينة، وقد كان القميص أحب اللباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص. وفي رواية لأبي داود لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القميص.
قال ابن القيم: ولبس القميص صلى الله عليه وسلم وكان أحب الثياب إليه وكان كمه إلى الرسغ.
2 اللباس الأبيض:
اللون الأبيض من خير الألوان وأحبها إلى النفس وأجلاها للبصر وهو دليل الصفاء والنقاء.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم …".
قال أبو الطيب: والحديث يدل على استحباب لبس البيض من الثياب وتكفين الموتى بها قال في النيل والأمر في الحديث ليس للوجوب؛ أما في اللباس فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لبس غيره (أي غير الأبيض) وإلباس جماعة من الصحابة وعثمان وتقريره لجماعة منهم لبس غير البياض وأما في الكفن فلما ثبت عند أبي داود قال الحافظ بإسناد حسن من حديث جابر مرفوعا: "إذا توفي أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة". انتهى.
قال ابن القيم: وكان أحب الألوان إليه البياض وقال هي من خير ثيابكم فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم.
والأبيض هو لباس الملائكة المقاتلين مع المسلمين يوم أحد.
عن سعد قال: رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام.
3 لبس أحسن الثياب في الجمعة والعيدين:
السنة أن يغتسل المرء وهو خارج إلى الجمعة والعيدين، ويلبس أحسن ما عنده من الثياب، ويتطيب ويتزين، لأنه من باب تعظيم شعائر الله، والأفضل أن يخصص ملابس حسنة جميلة نظيفة للجمعة والعيدين.
قال ابن القيم: يستحب أن يلبس فيه أي يوم الجمعة أحسن الثياب التي يقدر عليها فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما".
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته".
وفي سنن ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار فقال: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته". والنمار هي جلود النمور.
قال شيخ الإسلام: ولهذا كان تميم الداري قد اشترى حلة بألف درهم فكان يصلي فيها بالليل، وقال نافع: رآني ابن عمر وأنا أصلي في ثوب واحد فقال: ألم أكسك؟ قلت: بلى، قال أرأيتك لو بعثتك في حاجة كنت تذهب هكذا؟ قلت: لا، قال: الله أحق أن تتزين له. رواه ابن بطة، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم: "فالله أحق أن يستحيا منه". ويستحب له أيضا ستر رأسه بالعمامة ونحوها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي كذلك، وهو من تمام الزينة والله تعالى أحق من تزين له.
4 التواضع في اللباس:
التواضع في كل شيء مطلوب ومرغوب، في الملبوس، والمأكول، والمركوب، والمسكون، فمن تواضع لله رفعه، ومن تكبر أذله الله، والتواضع سمة المتقين، والإسراف سمة الجهلة والمتكبرين، ولهذا نهى الشارع الحكيم عن لباس الشهرة.
قال ابن القيم: وكذلك لبس الدنيء من الثياب يذم في موضع ويحمد في موضع، فيذم إذا كان شهرة وخيلاء ويمدح إذا كان تواضعًا واستكانة، كما أن لبس الرفيع من الثياب يذم إذا كان تكبرًا وفخرًا وخيلاء ويمدح إذا كان تجملاً وإظهارًا لنعمة الله.
ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثال حبة خردل من إيمان". فقال رجل: يا رسول الله، إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذاك؟ فقال: "لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".
البقية فى العدد القادم بإذن الله
والحمد لله رب العالمين.
وجزاكم الله خيرا للمره الثانيه وفى انتظار البقيه
بانتظار ماتبقىِ ..
شكر الله لكنّ