واتخذها الكسالى شماعة لتعليق فشلهم العاطفي وانانيتهم ونرجسيتهم المفرطة عليها، فنحن عندما اعتنقنا هذا المبدأ ورفعنا ذلك الشعار وضعنا قاعدة خطيرة وهي ان الحب مثل الأتوبيس
علينا ان ننتظره في المحطة حتى يصل الينا ونصعد على درجات سلمه لننحشر في اجساد راكبيه، مثله مثل الوحي في الشعر الذي يهبط من وادي عبقر على المبدعين بلا سابق انذار
، وايضا مثل الحفرة التي نغطيها بفروع الاشجار وبقايا الاوراق الذابلة ليقع في فخها أي عابر سبيل!.
(نحن لا نقع في الحب، بل نحن ننمو في الحب
، هذا المفهوم الذي لابد ان يحكم سلوكنا تجاه هذه العاطفة الجميلة التي تم تشويهها وابتذالها حتى صارت بلامعنى مثل الماء النظيف بلاطعم ولا لون ولا رائحة!
، لابد ان نفهم ان الحب كالبذرة الصغيرة لابد لها من الري والرعاية والجهد حتى تنمو الى نبتة ثم شجرة كبيرة يستظل بظلها الحبيبان،
والحب ليس نباتا شيطانيا يظهر فجأة وليس ايضا نبات صبار يحتمل هجير الصحراء الموحشة وجفافها القاسي،
انه زهرة رقيقة تحتاج الى مزيد من العناية والبذل والتنازلات والتخلي عن النرجسية حتى تخرج من الصوبة المعقمة لتضرب بجذورها قوية وسط الاحراش والعواصف وبراكين المجتمع الذي لايكره شيئا في الكون مثل كراهيته للحب،
فهو يتغنى في العلن باسمه في كل وقت ويغتاله ويغتابه في الخفاء في كل مكان،
ولكل هذه الاسباب وغيرها تملكني الفرح حين عرفت ان باحثا امريكيا هو ليو بوسكاليا قرر تدريس الحب،
ومن اجل هذا الغرض وضع بوسكاليا (كورس) مكثف في الجامعة للكشف عن غموض هذا الكائن الذي يولد في مجتمعنا بعملية قيصرية،
ويشيع بجنازة صامتة، ويدفن في مقابر الصدقة!.
ليو بوسكاليا من اصل ايطالي يمتلك دفء وحرارة ونزق وجموح الايطاليين لذلك لم يفهمه المجتمع الامريكي في طفولته وتعامل مع اسرته بعنصرية،
وعندما كان يدرس في احدى الجامعات الامريكية انتحرت احدى طالباته ولم يعرف هو لماذا انتحرت واستبد به حزن شديد وايقن انه مخطأ بحقها،
لانه لم يحاول ان يفهمها ويقدر كم هي محتاجة الى الحب،
وفي مجتمع مثل المجتمع الامريكي يلتقي فيه الناس ولايتلاقون، كان على بوسكاليا ان يستدعي مخزون التواصل الايطالي الحميم ويعطي كورسا او برنامجا دراسيا في الحب،
وبالطبع اتهمه زملاؤه من الاساتذة بالجنون والشذوذ والتفاهة، ولكنه واصل طريقه ليصبح اشهر استاذ في علم الحب!.
يؤكد كتاب بوسكاليا على ان الحب سلوك مكتسب، وهو ما يناقض البديهيات التي تربينا عليها، وهي ان الحب سلوك فطري يقترب من الوظائف البيولوجية مثل الاكل والتنفس، واكد ايضا على ان الحب مشاركة وليس عطاء بلاحدود،
فهو لايعيش في يوتوبيا مزيفة وانما يقرأ واقعا حيا نابضا، حاول معه ان يحذرنا من اننا بالفعل نعيش مع بعضنا البعض ولكنا جميعا نموت من الوحدة.
البداية لكسر هذه الوحدة الباردة ان نكن انفسنا، فقديما رفع شعار (اعرف نفسك)، ونحن حاليا نرفع شعار (كن نفسك)، ولاتندهش عزيزي القارئ وتتساءل (ما انا نفسي، امّال انا مين؟
والاجابة للاسف انت لست نفسك ولكنك النموذج الذي يريده المجتمع لك اثناء صناعته لخرافة المواطن الصالح، فاثناء طفولتك مثلا وحين تطلب منك مدرسة الرسم ان ترسم شجرة فانت تحصل على اعجابها وعلى درجتها النهائية حين ترسم شجرتها هي وليست شجرتك انت، وتظل طوال حياتك ترسم شجرات الاخرين وتسير في طرقهم المعبدة، وتسكن في مساكن افكارهم المعلبة سابقة التجهيز،
فالبداية الصحيحة والسليمة هي ان تهرب وترسم شجرتك انت، وتضحك حين تريد ان تضحك وتبكي حين يخنقك البكاء،
وفي هذا المعنى يكتب ليو بوسكاليا (لا حاجة بنا لأن نخشى ان نلمس، وان نشعر، وان نبدي الانفعال، ان ايسر شيء في الدنيا هو ان تكون (كما انت)، وان اشق شيء تكونه هو ما يريدك الآخرون ان تكونه).
من اهم الخرافات التي تقتل الحب خرافة الكمال، فالشخص المحب لا حاجة له ان يكون كاملا، بل انسانا فقط، ونحن كثيرا ما نخاف على ان نقدم على فعل اشياء كثيرة لمجرد اننا لا نستطيع فعلها على نحو كامل،
فلاتخافوا من النقصان، وثقوا في امكانية التغيير، فالتغيير هو الشيء الوحيد الثابت في هذه الحياة، وعليك ان تعرف ان نقيض الحب ليست الكراهية،
وانما هي اللامبالاة وفتور الشعور، فاذا كرهني شخص ما فلابد انه يشعر بشيء ما ازائي والا ما استطاع ان يكره، والذي يكرهني لي طريق معه، اما الذي لا يبالي بوجودي فلاطريق معه، فاذا وجدت نفسك لا تستطيع التفاهم مع من هم بجانبك على مسرح الحياة فلابد ان تغير مشهدك وترسم ستارة خلفية جديدة لمسرحك،
وتحيط نفسك بممثلين جدد، وتكتب مسرحية جديدة لتؤديها بصدق، يقول الكاتب اليوناني كازانتزاكس صاحب زوريا (لديك فرشاتك والوانك، فارسم الفردوس وادخله آمنا).
الحب يحتاج الى الحرية، والطيور لا تغرد ابدا في الكهوف، والمجتمعات الدكتاتورية تغتال الحب، والمواطن المقموع يجهل الحب، ونحن في مجتمعاتنا نمثل الحب ولا نحياه، ونرتدي قناعا اثناء ممارساته ونزيف مشاعرنا لنرضي الآخرين ونتكيف مع السائد،
ونظل ننتظر الحب ولكننا في الحقيقة ننتظر (جودو) البطل الغائب في مسرحية العبث الشهيرة، ولانعرف ان الحب ليس للتفكر والتنظير ولكنه للخوض فيه والممارسة من خلاله، والحب شيء مختلف تماما عن الاحتياج ويتم تعلمه منذ الطفولة،
فمثلا اذا كانت الاسرة من تلك الاسر التي تجاهر بعواطفها فسوف يتم تدعيم الطفل باستجابة ايجابية عندما يعبر عن هذا، فيقفز الطفل الى حضن ابيه ويزرع قبلة على فمه، قبلة خصبة حافلة بالحيوية، فيرد الأب عليها بود وفرح،
وهنا تبدأ اول رسالة تعليمية عن الحب، اما اذا حمل الأب الطفل بعيدا عنه ناهرا اياه قائلا: – الرجال الكبار لايحضن بعضهم البعض!. بالطبع تؤدي مثل تلك الرسالة السابقة الى خلق شخص من الممكن ان يكون مقبولا اجتماعيا لكنه وللأسف منبوذ واخرس عاطفيا،
وهذا القبول الاجتماعي المزعوم والذي يسعى اليه الجميع يؤكد على ان الحب صناعة اجتماعية تشكلها للأسف الثقافة السائدة وليست الذات الصادقة،.
ومن الامثلة الثقافية الصارخة التي تشكل الحب مثال اللغة، فاللغة لها مضمون عقلي وعاطفي، وكلمة مثل (حب) حملتها اللغة في ثقافتنا معنى الاثم والذنب والخطيئة، وكلنا يتذكر الناشر الذي تطوع ليعلمنا الفضيلة ويحذف من قصص احسان عبدالقدوس كلمات الحب، ولأن احسان عبدالقدوس حرفته الحب فقد ظلموه من قبل وعوقب حين كان يقول في ختام حديثه (تصبحوا على حب) وذلك لأن هذه العبارة في نظر المجتمع عيب وغلط وحرام، ولهذا نقول كما قال احد علماء اللغة ان اللغة تمجيد المجتمع للحقيقة، وغالبا ماتتوه الحقيقة في سراديب اللغة تعلمنا الحب على ايدي عماد حمدي وفاتن حمامة، وصنعته لنا متروجولدين ماير، وحلمنا به مع اعلان برفان منعش لا تقام علاقة حب بدون ان نشم عطره النفاذ من خلال الشاشة!!، اننا ولدنا وعشنا وشاهدنا نموذج الحب وكتالوج العواطف وباترون المشاعر ولكننا للأسف لم نشاهد او نعش الحب نفسه، والنتيجة ان كل اثنين احبا اكتشفها في نهاية العلاقة انهما تحولا الى جثتين. هناك درجات للحب.. نعم، هناك انواع للحب.. لا، ودرجات الحب يحددها التعبير عن الحب، ويجب الا نفترض اننا يمكن ان ندرك الحب ونشعر به بدون تعبير، فنحن قد نسينا الطبطبة والربت على الكتف والحضن، كل هذا من اجل شيء تافه او بالاصح خوفا من شيء تافه وهو الا يفهمنا الاخرون خطأ!، والسؤال الذي يفرض للاجابة على هذا السؤال، فهو يقول (الحب في حاجة للتعبير عنه جسديا). (على المحب ان يقول لنفسه من ان لاخر اني احب لأنني يجب ان احب، لأني اريده، انا احب من اجل نفسي لا من اجل الاخرين، انني احب من اجل مايكسبني الحب اياه من مرح وبهجة، فاذا دعمني الآخرون فسيكون ذلك طيبا، لأنني اريد ان احب، ولنستمع الى تلك الاغنية اليابانية التي تقول: اما وقد احترقت صومعة غلالي حتى سويت بالارض فاني استطيع الان ان ارى القمر!! فلو فشلت في علاقة حب فمن المؤكد انك قد استفدت، ولاتيأس ولا تبتئش فمن المؤكد ان هناك شيئا ما اجمل. اما لماذا يفشل الحب؟ فهذا هو السؤال اخطير، انه يفشل اولا لأننا كيانات كسولة تخشى التغيير، وثانيا لأننا لا نعرف كيف نحب ذواتنا وانفسنا، وهذه ليست دعوة للنرجسية ولكن من المؤكد ان من لم يعرف ان يحب ذاته لن يعرف حب الآخر، وحبك لنفسك هو ان تناضل لكي تعيد اكتشاف تفردك، وان تصونه وتحافظ عليه، انه يعني فهم وتقدير فكرة انك سوف تكون (انت) الوحيد مدى حياتك على الحب يفشل عندنا لأننا مرعوبون من الاختلاف، ومن تحمل المسؤولية، والحب ملخصه اثنان مختلفان يحبان ويتحمل كل منهما مسؤولية ذلك الحب.