إن هذا يرجع بنا إلى تاريخ قديم، فقد ظلت النبوات دهورًا طوالاً وهي وقْفٌ على بني إسرائيل، ظل بيت المقدس مهبط الوحي، ومشرق أنواره على الأرض، وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار.
تقوم المنظومة الجغرافية الإسلامية على الوحدة، وتتألّف هذه الوحدة من ثلاثة أطراف متدرجة القداسة
، إلاّ أنها متكاملة ومترابطة، وهي: مكة (البيت الحرام) والمدينة (المسجد النبوي) والقدس (المسجد الأقصى والصخرة الشريفة).
وينبني ترابط أطراف هذه المنظومة ووحدتها على رؤية الإسلام التوحيدية للأصل الإبراهيمي الحنيفي الواحد الذي تعود إليه الديانات الثلاث (اليهودية، والمسيحية، والإسلام) إذ قدم الإسلام نفسه بوصفه عودة باليهودية والمسيحية إلى هذا الأصل
{وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا، قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين} [البقرة/ 135] {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين} [سورة آل عمران/ 67]،
ومن هنا فقد نظر الإسلام إلى الأنبياء على أنهم بالدرجة نفسها أنبياء الإسلام، ومن هنا شملت رؤيته للجغرافيا المقدسة (المباركة) المجال الجغرافي المقدس لهؤلاء الأنبياء، وأصبحت أطراف هذه الجغرافيا (مكة والمدينة والقدس)،
وإذا كانت المنظومة الجغرافية الإسلامية تضع القدس في إطار ترابطية أطرافها في الموقع الثالث بعد البيت الحرام فإنها تشير وفق الحديث المتفق على صحته إلى أنَّ بناء المسجد الأقصى كان بعد المسجد الحرام. بل إن بناء البيت الحرام في وادٍ غير ذي زرع يشبه في الرؤية الإسلامية الرمزية بناء القدس وسط سلسلة جبلية ومحيط صخري قاحل.
يمثل تبادل مكة (البيت الحرام) والقدس (المسجد الأقصى) دور «قبلة» المسلمين مظهراً من أهم مظاهر وحدة القداسة الإسلامية التي تربط مكة مع القدس.
إن مكة هي القبلة التي يوجه المسلمون وجوههم نحوها أنى كانوا لإقامة الصلاة، وقد كانت القدس قبلتهم الأولى إلى أن نزل الوحي الإلهي بتوجيه القبلة شطر المسجد الحرام.
ويجد هذا تفسيره بأن المسجد الحرام هو أول ما بناه الله تعالى قبل الخليقة ثم وصله ببيت المقدس ، من هنا تعبر هذه الرمزية عن الوحدة البدئية الجوهرية الإلهية ما بين المسجدين الحرام والأقصى في أن الكعبة ومكة والمدينة ستؤوب يوم النشور إلى بيت المقدس، وكما قال عليه الصلاة والسلام عن بيت المقدس هي ارض المنشر والمحشر.
روايات عديدة ـ على اختلاف في درجاتها وصحتها ـ تؤكد أن الحجر الأسود نزل من الجنة ويروى عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قوله: إن جبريل عليه السلام نزل بالحجارة من الجنة، وأنه وضعه حيث رأيتم، إنكم لم تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم، فتمسَّكوا به ما استطعتم.
وإذا كان هذا شأن الحجر الأسود، فإن البيت المقدس وصخرته هي أيضاً سماوية، فد روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله: «من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس»
وكما روى الصحابي أنس بن مالك: «إن الجنة لتحن شوقاً إلى البيت المقدس، وبيت المقدس من جنة الفردوس»
، وعن ابن عباس أن صخرة بيت المقدس من صخور الجنة.. وروايات عديدة أخرى تؤكد ذلك، وهذا يعني أن للمسجد الحرام والمسجد الأقصى في الرؤية الإسلامية ما يجسدهما في السماء
، بل إن حجرهما (الحجر الأسود والصخرة الشريفة) هو حجر سماوي يلاحم ما بينهما ضمن تصور إسلامي لمكان مقدس واحد.
تشكل الينابيع المباركة إحدى هذه الصور الدلالية الجغرافية للمقدس في الإسلام، فليس المقصود في هذه الآليات «معنى» الماء بل معنى معناه
فصورة «عين سلوان» نبع القدس الشهير، وصورة عين «زمزم» الذي يقول المسلمون إن ماءها العذب لا يجف لأنه موصول بالجنة، كلاهما من الصور الجغرافية الإسلامية الرمزية التي ينبني أساسها على الترابط ما بين قدسية الكعبة والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
فتتبادل العينان المباركتان: سلوان (في القدس) وزمزم (في مكة) الوظائف، وتتكرران فيما بينهما، وتوحي الأحاديث النبوية الشريفة بهذه الحميمية ما بين العينين، وتأسيساً على هذا التصور يقول الشاعر العربي أبو العلاء المعري:
وبعين سلوان التي في قدسها.. … .. طعم يوهم أنه من زمزم
وتستمد الصخرة الشريفة مكانها القدسية من موقعها في رحلة الإسراء والمعراج النبوية التي أسرى فيها الملاك «جبريل» بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلاً على «البراق» من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس.
ومن «الصخرة» في هذا المسجد «عرج» الله تعالى به إلى السماء، وهو ما رسخ في الفكر الإسلامي إلى الأبد موقع القدس كبابٍ للسماء.
ومن هنا يذهب بعض المفسرين إلى أن إبراهيم الخليل قد اختار حين أراد أن يمتحن اللهُ صحة إسلامه الصخرة الشريفة مكاناً للتضحية بولد
، حيث تم فداؤه في اللحظة الأخيرة بكبش سمين، أصبح فيما بعد يشكل أصل احتفال المسلمين جميعاً في شتى بقاع الأرض بعيد الأضحى
وينهي طغيانه وعجرفته وفساده، وتمثل القدس مركزاً يختتم به المشهد الدنيوي، ويبدأ به المشهد الأخروي فعن النبي (صلى الله عليه وسلم ): قال «[هو] أرض المحشر والمنشر».
في عودة المسيح عندما تظلم الدنيا، وينتشر الكفر الذي يسيطر على يد (الدجال) يلتجئ المسلمون إلى القدس، فينقدهم المسيح (نبي الله) من المسيح الدجال، ويقتله عند باب لد في القدس، والمسيح الدجال ليس من المسلمين،
وجميع المسلمين سيتبعون لزوماً المسيح ابن مريم عليه السلام في بيت المقدس، وسيكون المسيح عيسى بن مريم إمامهم في الصلاة،
هو ما تذهب إليه الروايات، حيث يعود ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، وبذلك يكون الظهور الأخير للمسيح بمثابة استعادة للوحدة الأصلية للدين.
مع شكري وتقديري لمرورك الجميل
وميض الامل
وبارك الله فيكي وجزاكي الله كل خير
وربي يشفي الك ابا محمد
الله يوفقك في الدنيا والاخره ..
وبارك الله فيكي
كل الشكر والتقدير الك
وبارك الله فيكي وجزاكي الله كل خير
أسأل الله أن يحمي معراجنا الحبيب
من دنس الصهاينة الحاقدين