البرود العاطفي لدى الزوجين :موضوع الاستشارة
أ. عبد العزيز بن عبدالله المقبل :إسم المستشار
نص السؤال / الاستشارة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بداية أشكر كل من يساهم في هذا القسم من الاستشارات، وأدعو الله عز وجل لكم بالتوفيق في الدنيا والآخرة..
مشكلتي: أنا امرأة متزوجة منذ سنتين ولدي طفل..
وأنعم بالراحة الشديدة في حياتي الزوجية والسعادة التي يبحث عنها الكثيرون، إلا أن ما يؤرقني هو البعد عن الأهل؛ كوني أسكن أمريكا والغربة وهمومها هي اكبر مشاكلي..
زوجي لا يقصر في شيء من حقوقي واسأل الله أن أكون أنا أيضا غير مقصرة، إلا أنه في الآونة الأخيرة يبتعد عن البيت..
ولأنني زوجته أعلم الناس به..
أرى شيئا من الملل والرتابة في حياتنا في الفترة الأخيرة، حينما يكون في البيت ينشغل عني بالكمبيوتر أو القراءة، ولا تجمعنا سوى سفرة الطعام لدرجة أنه يقوم من فراشه كل صباح مصبحا على الكمبيوتر ولا يكلف نفسه إيقاظي أو الحديث معي..
وإذا خرج لا يعود إلى البيت إلا في ساعات متأخرة من الليل..
إنني أثق به كثيرا وأعرف إلى أين يذهب، وهو إنسان عاقل لا تغويه الفتن بإذن المولى عز وجل..
عندما أصارحه بما يجول في نفسي..
ينتابه الضيق فيهرب من البيت..
يعتذر ويعتذر، ولا أرى بعد الاعتذار أفعالا!
باختصار أنا أشكو بُعد زوجي، أحاول جاهدة التغيير الدائم في مملكتي الصغيرة..
في شكلي.. وفي طفلي.. هو لا يعترف بالملل، إلا أنني أراه في عينيه دائما..
أفكر في البعد عنه قليلا ولكن إلى أين؟!
أهلي ليسوا بقربي.
يحبني ويقدرني ولكن وجودي الدائم أمامه هو السبب في ذلك. أحن لنظرات الشوق في عينيه..
أشتاق للحديث معه والدردشة كما كنا، هو طالب يدرس وأنا أرافقه في رحلة الدراسة..
أخشى تركه لوحده والعودة إلى بلدي فتغويه فتن أمريكا ونساؤها العاريات..
أريد البقاء معه ولكن ابتعاده عني يؤرقني هل أجد لديكم الحل؟!
الإجابة
الأخت الفاضلة: المغتربة..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أختي الكريمة: كان عرضك لمشكلتك عرضاً رائعاً، فعلاقتك بزوجك قائمة على الحب والتقدير، وبالتالي تنعمين في حياتك الزوجية بالراحة الكبيرة التي يبحث عنها الكثيرون، وهذه نعمة كبيرة من الله عليك تستحق الحمد والشكر.
وتشيرين إلى أن (لبّ) المشكلة هو ما تلمسينه من الملل والرتابة في حياتك مع زوجك، الذي ينكر ذلك، ولكنك تقرئينه في عينيه، وهو ما يدفعه ـ كما تقولين ـ عند المصارحة إلى التضايق والهروب من البيت!!
أختي الكريمة: إن زوجك حضر إلى هذه البلاد للدراسة، وهو ينظر إلى انتهاء مدتها بحرقة، وهو يدرك أنه كلما كان جاداً كلما اختصر على نفسه المدة التي سوف يقضيها هناك، وهذا ما يدفعه إلى أن يمعن في الانصراف إلى رسالته بصورة أكبر..
من المؤكد ـ حسب العلاقة التي وصفتيها بينك وبينه ـ أنه يتمنى أن يقضي وقتاً أطول في الحديث معك، وربما التنزّه والذهاب والإياب، ولكن يمنعه شعوره أن هذا قد يضعف (عضلات) عزمه، فيدفعه إلى التأخر في هذه البلاد مدة أطول، وربما رجع دون أن يستكمل رسالته..
أختي الكريمة: زوجك لك كما عهدته، وهو يعاني من أكثر من ضغط، فالدراسة وتكاليفها ومتطلباتها، وشعوره بالغربة، وشعوره بالتقصير تجاهك وطفلك..
وحين تحاصرينه بما تسمينه (مصارحة) ماذا تريدين أن يعمل غير (الوعود)!!..
وهو صادق فيها، لكن (أواني) وقته كلها مليئة!!
ولذلك فإن زوجك يقدر شعورك بالضيق، وربما أن هذا هو الدافع له لأن يتركك نائمة حين يقوم باكراً، فأنت على الأقل ستزورين أهلك ولو في الحلم، فتشعرين ولو برائحة السعادة، ولكنك حين تستيقظين ستلتفتين لطول الوقت، وهو ما يدفع إلى البدء في دوامة التفكير المزعجة، التي تجلب لك هذه المشاعر السالبة.
أختي الكريمة: إن زوجك حين (يصبح) على الحاسب إنما يعمل برسالته، وحين يتأخر في الحضور إلى البيت قد يكون في مكتبة الكلية للغرض ذاته..
ومعنى هذا أن زوجك ليس عنده خياران متساويان، إما الكمبيوتر أو الجلوس معك، أو الخروج عن البيت أو الجلوس والحديث معك..
إنه لو كان الأمر خياراً لفضل البقاء في البيت، والحديث معك، خاصة والعلاقة بينكما جيدة ومتينة، وأنت واثقة في عقله ودينه وسلوكه..
فلا يضيقنّ صدرك بذلك، ولا تذهب بك الأفكار كل مذهب!
أختي الكريمة: هل يعني كلامي بعد تبرئة ساحة زوجك، أن ترضي بوضعك المزعج ؟ هذا غير ممكن!
لكن من المؤكد أن ما مضى هو تفسير لحالة زوجك. وحالتك تعيشها (غالبية) زوجات المبتعثين (الجادين)!!
وتفهمك للوضع يريح بالك، ويدفعك للاستماع أكثر لما يخفف من هذه الحالة عليك..
أختي الكريمة: ها أنت تدركين بذكاء بعض أسباب المشكلة، وأنت تقولين: (أفكر في البعد عنه قليلا ولكن إلى أين) وتقولين مرة أخرى: (ولكن وجودي الدائم أمامه هو السبب في ذلك).
في ظني أن هناك أمراً لو قدرت على (أقلمة) نفسك عليه لأوجد لك ذلك (البعد) بطريقة إيجابية، وأسهم بصورة جيدة في (فك) التأزم النفسي، والشعور بالملل والرتابة.
وذلك هو وجود (مشروع) لك ولو صغيراً، وذلك يحتاج إلى عزيمة وجدية..
وهذا (المشروع) سوف يأخذ عليك وقتاً جيداً يبعد عنك (شبح) الفراغ، الذي يجعلك ترين في انشغال زوجك في بحثه ابتعاداً عنك!! وهذا (المشروع) قد يغيّر في مسار حياتك المستقبلية!!
أنت ـ بوضعك الحاضر ـ تعيشين مع زوجك وطفلك داخل بيت صغير نسبياً، كل منكم يرى الآخر باستمرار، وجلوس زوجك على (حاسبه) للبحث يجعلك تطمعين ـ وهو الجالس إلى جوارك أن يبادلك الحديث، والغربة المزعجة تجعل زوجك ـ غالباً ـ هو الشخص الوحيد الذي يسمعك وتسمعينه!!
وقلة ـ أو ندرة ـ مصادر المعلومات الشفوية (!!) حولك تجعل (سواليفك) مكرورة لا تجد حماساً كما استقبلت أول مرة!!
ووجود ذلك (المشروع) يجعل لكل منكما (عالمه) الخاص الذي يبحر فيه بعيداً عن الآخر، وإن كنتما متجاورين!!
والفرق (الوحيد) أنك اخترت (مشروعك) بنفسك، وزوجك فرض عليه (مشروعه)، وهو الرسالة. وزوجك تحسب عليه السنوات، وأنت تبنين مشروعك (باسترخاء)!!
ومن ثم فسيبقى زوجك (صارماً) مع مشروعه، لكنك ستبددين (بمشروعك) كثيراً من (سحب) الملل والرتابة.
أختي الكريمة: أنت فتاةمتعلمة، وتعاطيك مع الحاسب علامة كبيرة لذلك، وأنت فتاة عاقلة، واستشارتك دليل واضح على ذلك.. فلو فكرت في (تعلّم) اللغة الإنجليزية، وأنتم في بلادها، والوقت لديك متسع، والذي أعرفه أنه بإمكانك إحضار مدرسة بالبيت، وأنت تدركين أن الأمر يحتاج إلى جدية وجهد، لكن له ثمرات ـ فيما بعد ـ كبيرة. إذ بإمكانك أن تجعلي من ذلك وسيلة دعوية، بإمكانك أن تفيدي أكثر من المواقع الإنجليزية العلمية، ونقل ما ترينه مناسباً أو نفيساً إلى العربية، ولو على هيئة مقالات، وأعرف أن ذلك يحتاج إلى دربة، لكنها تتحقق بالممارسة.
بإمكانك ـ كمقترح آخر ـ التفكير في التوجّه ـ بقراءات مكثفة ـ إلى بعض المجالات المهمة، خاصة على المستوى الأسري والاجتماعي، كالعلاقات الزوجية، وتربية الأطفال..
فلو حاولت أن تقضي وقتاً معقولاً في القراءة الجادة في ذلك المجال لاستفدت وأفدت كثيراً، وربما كنت يوماً أحد (المعروفات) بذلك الأمر، تلقين فيه المحاضرات، وتجيبين فيه عن التساؤلات، خاصة والحاجة إليه ماسة.
وحتى لو حاولت ـ في أقل الأحوال ـ أن تعقدي صداقة مع القراءة والمطالعة الحرة، حتى يتحول الأمر لديك إلى هواية محببة، سترجعين من ذلك بفائدة كبيرة..
إن إحساس المرأة بذاتها ـ والأمور السابقة جزء مما يزرع ذلك ـ لا يجعلها ترى ذاتها من خلال زوجها فقط، بل تجعل زوجها ـ مع التزامها السلوكي والأخلاقي معه ـ أكثر التفاتاً إليها، وربما تجاوز دورها معه (الزوجة) إلى (المستشارة)..
أليست قد أثبتت نجاحاً في مجال ما؟
أليس عندها ما تعطيه وتقدم فيه؟!..
وفي أبسط الحالات ـ في مثل وضعك ـ سوف يجد زوجك أن في حديثك (جديداً) في كل جلسة..
بل قد تجدين ضمن قراءاتك (حلولاً) عملية لكثير مما يهمك.
أختي الفاضلة: أنا لا أقلل من أهمية ما أشرتِ إليه من محاولتك ـ جاهدةً ـ (التغيير) الدائم في مملكتك الصغيرة..
في شكلك..
وفي طفلك، وأشد على يديك في ذلك، لكني أحسب أن إضافة (التغيير) الذي اقترحته عليك سيكون له آثار على ذاتك، وعلى علاقتك بزوجك، وعلى حياتك المستقبلية.
كشف الله همك، وردك وزوجك إلى بلدك غانمين سالمين، وكتب لكما التوفيق في الدارين.
نفع الله به وجزاه خير الجزاء ..
بارك الله فيك عزيزتي على هذا النقل المفيد
والله حسيت وانا اقرا انها مشكلتي انا
ان شاء الله اتكون فيها الافاده للجميع
الله يهون علي كل مغتربه ويردها بلدها علي خير
مشكوره حبيبتي