قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) مسلم.
هكذا خاطب رسول الله الشباب، ليحميهم من الشهوات المضلة..
وعناية رسول الله بالشباب لم تقتصر على تلك الكلمات، بل تعدت إلى كلمات أخر لا تحصى، بل امتدت إلى التربية المباشرة؛ فجل أصحاب رسول الله هم من الشباب الذين لم يبلغوا العشرين أو الثلاثين، يلازمونه في الحل والترحال، في الجهاد وفي الغزوات، يتلقون عنه، منهم: ابن عمر، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب وغيرهم.
إن الحديث عن الشباب اليوم ذو شجون، أو قل ذو حزن وألم، وذلك أنهم اليوم قد غرقوا في ثلاثة أخطاء، كل واحدة منها تحطم آمالهم، وتعرضهم للفتن والمحن والشقاء، ثم تطرحهم بعيدا عن طريق العظماء:
– الخطأ الأول: الإغراق في اللهو واللعب، وتضييع الأوقات فيما يضر ولا ينفع.
فكثير من الشباب لم يبق لهم هم إلا قتل الوقت باللعب، بكافة أشكاله وصوره، صار الزمن عدوا لهم، ليس لهم غرض إلا في تبذيره وتبديده، تسأل أحدهم: فيشتكي الفراغ والملل. كل آماله أن يملك سيارة من نوع كذا، أو يسافر إلى بلاد كذا..!!.
هذه الظاهرة خطيرة، تدل على نسيان الشباب مهامهم الجسيمة الموكلة بهم؛ فهم عمود الأمة، وهم رجالها، الأمة كلها تقوم على سواعدهم، عزها في عز الشباب.. قوتها في قوة الشباب، فهم سر بقائها وهيبتها:
– فالشباب هو العنصر القوي النشط الفعال في كل أمة، وهو الذي يبذل بصدق وجد، وهو الذي يعمل لأجل العمل، اليوم يتعلم ويتفقه، وغدا يعلّم ويساهم في بناء الأمة.
– إذا وقع حرب فالشباب هم الحماة، يحمون الدين، والديار، والأعراض، والأموال.
– وإذا ضاقت الأرض بالرزق فالشباب هم السعاة.
فهم أصحاب البذل والتضحية في كل زمان ومكان، فالأمة الراشدة هي التي تعتني بهم، وتسخر كل إمكانياتها لإصلاحهم، لكن المصيبة تكمن فيما إذا لم تدرك الأمة ممثلة في: البيت، والمدرسة، والمسجد والإعلام.. إلخ، أهمية العناية السليمة بالشباب، فأهملت توجيههم وإصلاحهم، فحينئذ يصبح الشاب بلا هدف يعمل لأجله، ولا غاية سامية يسعى لها، فيقبل على اللهو واللعب، وتصبح غايته، فتتدنى همته، ويصير عالة على المجتمع، بل وبالا.
إن من وسائل إصلاح الشباب، وإيقاد الهمة في قلوبهم، وإبعادهم عن الإغراق في اللهو: تذكيرهم بسيرة أسلافهم من شباب الأمة..
– هل تعرف أخي الشاب معاذ بن جبل؟.
إنه صحابي شهد له رسول الله بالعلم وهو لم يبلغ العشرين، فقال: ( أعلمهم بالحلال والحرام معاذ) أحمد..
– وهل سمعت بخبر شباب الصحابة في الغزوات؟.
كانوا يقفون على رؤوس أصابعهم، حين كان يستعرض رسول الله الجيش، خشية أن يردهم لصغر سنهم.
– فهل بلغك خبر ابن عباس ؟.
بلغت همته مبلغا كبيرا، جعلته وهو في مثل سنك أو أصغر، يتوسد باب زيد بن ثابت في الظهيرة، تسفي الريح في وجهه التراب، ينتظر خروجه ليتعلم منه دينه، حتى صار بحرا وحبرا وترجمانا للقرآن.
إنك أخي الشاب، إذا أمضيت عمرك في اللهو واللعب فلن تجني إلا الشوك، ولن تنال إلا الكرب، وأدنى المآسي أن تعيش وتموت عديم الذكر، ليس لك أثر من خير أو بر..
فهلا رفعت همتك، وأنفت من عبث الصغار، وضننت بوقتك، الذي هو رأس مالك في هذه الدنيا؟.
لا أظنك تحب أن تكون مهملا، وضيع المنزلة والمكانة..!!.
إذاً فلتعلم أن ما تحبه وما ترجوه من الرفعة والمنزلة لن يصير إليك إلا بالتعب والجد، ويومذاك ستحمد سهرك الليالي، وجدك في تحصيل المعالي، كما أنك إذا ضيعت وقتك في اللهو، نالك تقلب الدهر، ولعبت بك الأيام، فضاع منك السؤدد، وصرت إلى مهانة، وحينذاك ستندم على لياليك الضائعة، حين لا ينفعك الندم، وستبكي على تفريطك في الأيام الخالية، فهل تحب أن تقف مثل هذا الموقف؟.
– الخطأ الثاني مما يقع فيه الشباب: التقليد.
كم نرى من شبابنا من لا هم له إلا تقليد الكفار، في: ملابسهم، وشعورهم، وحركاتهم، وكلامهم.
فلنسأل شبابنا سؤالا: لماذا هم لا يقلدونكم، لماذا لا يلبسون ملابسكم؟.
هل تعلمون الجواب؟.
الجواب: إنهم لا يأبهون لكم، والسبب أنتم، لما تهاونتم، وهانت أخلاقكم، وأظهرتم إعجابكم بهم، هنتم عليهم، ونقصتم في أعينهم، فاستنكفوا أن يقلدوكم في شيء.
أليس من الواجب أن تعتزوا بدينكم وأخلاقكم ؟!.
– أنتم خير أمة أخرجت للناس.. الله رضي لكم دينكم، ولم يرض لهم دينهم.
– أنتم في الجنة، وهم في النار.
فبالله عليكم كيف رضيتم لأنفسكم هذا الهوان، فصرتم تقلدونهم وكأنه لاحضارة لكم، ولا كرامة ولا دين قويم؟!.
كيف تقلدونهم، وأنتم الأعز ؟!، أليس من الأولى أن تكونوا لهم قدوة ؟.
– أنتم أصحاب النور والقرآن، إنهم ينتظرون منكم أن تمدوا إليهم أيديكم لتخرجوهم من الظلمات إلى النور، فالعجب أنكم صرتم ترجون منهم النور، وكأنكم ظمأى، لم تجدوا في دينكم ما يروي عطاشكم!!.
– أنتم هنا قد تأثرتم بأخلاقهم وعاداتهم، فكيف إذا سكنتم ديارهم وخالطتم شبابهم، ماذا ستصنعون..؟.
لقد نسي شبابنا مبدأ البراء من الكافرين، وأن مودة الكافرين محرمة.
– قال تعالى: { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}.
ألم تسمع أخي الشاب إلى قصة إبراهيم الخليل، الذي تمسك بمباديء دينه، ووقف وحده ضد قومه عزيزا قويا، إذ كانوا كفارا وكان مؤمنا، ومن عزته كسر أصنامهم، ولم يبال بسخطهم؟.
– قال تعالى:{ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم }.
سماه فتى لتعلم:
– أن الفتى المؤمن يملك من قوة الإيمان ما يزلزل به أركان الكفرة والفاسقين.
– وأن عنده من العزة ما يكسر به أصنام المشركين.
فضعفك لا معنى له، وتقليدك لمن لا خلاق له، دليل على فقدانك الهوية، إضاعتك مباديء دينك القويم.
ألم تسمع إلى قصة أصحاب الكهف الذين هجروا دورهم وقصورهم، وتبرؤوا من قومهم لما رأوا عصيانهم لله ؟.
– قال تعالى: { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا }.
– وقال : { نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا، هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا }.
وصفهم بأنهم فتية، ومن السنة قرآءة هذه السورة كل جمعة، لتذكر دوما قصة شباب زكت نفوسهم، وتعالت همتهم، وأنفوا أن يقلدوا أحدا في الكفر، ولو كانوا قومهم: فتتشبه بهم، وتتخذهم لك قدوة.
– الخطأ الثالث مما يقع فيه الشباب: الغزل وهوان الأعراض، وما يتبع ذلك من المنكرات.
إن طائفة من الشباب ماتت الغيرة في قلوبهم، فصاروا لا هم لهم إلا إفساد الأعراض، ولهؤلاء نقول:
– كيف رضيتم هذا لأنفسكم ؟!.
– كيف رضيتم هذا لأخواتكم المؤمنات ؟!.
– كيف رضيتم هذا لأمتكم ؟!.
ألا تعلمون أن هذا المنكر يكتب عليكم الشقاء ؟، خاصة أولئك المجاهرون، الذين يجتمعون على المنكر، والذين لا يتأثمون من ذنبهم، ولا يتحرجون من معصيتهم، وربما استحلوها.
ألا فليعلم كل شاب أن من استحل شيئا محرما في الدين معلوما تحريمه بالضرورة، كالزنا، فقد وقع في الكفر.
فرق بين الذي يعصي فيندم ويبكي ويعزم على عدم العودة، وبين الذي يعصي فيفرح بمعصيته ويصر عليها، فهذا يُخاف عليه من البوار والشقاء في الدنيا والآخرة، ففي الحديث:
– ( كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) متفق عليه..
فهذا الذي رضي لنفسه هذا الفعل الشنيع، ألا يخاف من عقوبة الله في الدنيا والآخرة، من: جلد، ورجم، ونار تحرق، وعذاب لا يخف ولا يرفع ؟!.
أيها الشاب الواقع في هذا الذنب العظيم، ألا تستحي من نظر الله إليك؟.
ألا تخشى أن ينزع الإيمان منك؟.
في الأثر: (من زنى، أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان، كما يخلع الإنسان القميص من رأسه )، رواه الحاكم…
فإذا كان قلبك ميتا، فلم تخف عذاب الشرع، ولم تبال بنزع إيمانك، ولم تستح من نظر الجبار المنتقم، ولم تخف من عذاب جهنم، وكنت ممن طبع الله على قلبه فما عدت تفهم موعظة:
ويحك، ألا تخاف من عذاب الدنيا، وأمراضها ؟.
أخي!، إن كنت تحب أن تكون تحت عرش الرحمن فأقلع عن العصيان، قال رسول الله: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله [وذكر منهم] وشاب نشأ في طاعة الله عزوجل )، متفق عليه
وفي بعض الآثار أن الله يقول: ( أيها الشاب المتبذل لي، الطائع، أنت عندي كبعض ملائكتي).
وفي أثر آخر أن الله يباهي ملائكته بالشاب الناشيء في طاعته.
ألا تحب أن تكون منهم،كيف وهذا حالك ؟!.
ثم كيف يرضى الشاب لأخواته المؤمنات مثل هذا الأمر الشنيع؟!.
المفترض في المسلم أن يكون حافظا لعرض أخته المسلمة، ينظر إليها نظر الأخ الشفيق، يحميها من كل سوء، فمن المؤلم أن يكون هو المعتدي عليها ظلما وعدوانا، بالتغرير والخداع !!.
وهنا تحذير صارم، قد علم بالتجربة والشرع أن من تعرض لأعراض الآخرين، تعرض الناس لعرضه، ومن زنى يزني به، فلو لم يكن من خطورة الزنا إلا أن الزاني يعرض ـ بفعله المشين ـ أهله: أخته، وزوجته، وأمه وابنته. للزنى لكان ذلك كاف في زجره وردعه.
فيا أخي! قبل أن تقدم على أمر كهذا، تذكر أن لك في البيت أخوات، فاتق الله فيهن ولا تعرضهن للبلايا والمحن. اليوم تعصي، وأنت تلهو وتضحك، وغدا عندما يكبر عقلك، ستبكي ندما، حينما ترى أولادك يفعلون ما كنت تفعله في شبابك.. هل نسيت أن الجزاء من جنس العمل؟..
فيا أخي الشاب! أذكرك الله أن تتقيه في نفسك وأهلك وأخواتك المسلمات، وألا تستعجل شهواتك فتحرم الجنة. –
– ألم تسمع بالحور العين في الجنة ؟.
– ألم يبلغك خبر الكواعب الأتراب، البيض المكنون، اللؤلؤ المكنون؟.
– ألم تتطلع على أوصافهن وسحر جمالهن؟.
إنهن لمن اتقى ربه، واجتنب الزنى..
إنهن طاهرات مطهرات، يرى مسخ سوقهن، لا يحضن ولا يهرمن، أبكارا، عربا أترابا، لأصحاب اليمين..
فكن من أصحاب اليمين، فهو مهرهن، ولا تكن من أصحاب الشمال، فتطرد عن بابهن.
إنك لم تسمع أصواتهن الجميلة: إن لهن أصواتا تسكر القلوب والعقول.
وإنك لم تر نصيف إحداهن، ولم تر أناملهن: إن الدنيا تضيء منها.
لا خبر لك عن نعومتهن، وعن تبعلهن، وعن رقتهن، وعن جمال قدهن، وخصرهن، وأعينهن.
لماذا تزهد في هذا النعيم المقيم؟.
بالله عليك كن عاقلا..
واعلم أن الحياة قصيرة..
وأن الدنيا ارتحلت مدبرة، وأن الآخرة ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكن من أبناء الآخرة، ولا تكن من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
* * *
الجوكر
هكذا خاطب رسول الله الشباب، ليحميهم من الشهوات المضلة..
وعناية رسول الله بالشباب لم تقتصر على تلك الكلمات، بل تعدت إلى كلمات أخر لا تحصى، بل امتدت إلى التربية المباشرة؛ فجل أصحاب رسول الله هم من الشباب الذين لم يبلغوا العشرين أو الثلاثين، يلازمونه في الحل والترحال، في الجهاد وفي الغزوات، يتلقون عنه، منهم: ابن عمر، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب وغيرهم.
إن الحديث عن الشباب اليوم ذو شجون، أو قل ذو حزن وألم، وذلك أنهم اليوم قد غرقوا في ثلاثة أخطاء، كل واحدة منها تحطم آمالهم، وتعرضهم للفتن والمحن والشقاء، ثم تطرحهم بعيدا عن طريق العظماء:
– الخطأ الأول: الإغراق في اللهو واللعب، وتضييع الأوقات فيما يضر ولا ينفع.
فكثير من الشباب لم يبق لهم هم إلا قتل الوقت باللعب، بكافة أشكاله وصوره، صار الزمن عدوا لهم، ليس لهم غرض إلا في تبذيره وتبديده، تسأل أحدهم: فيشتكي الفراغ والملل. كل آماله أن يملك سيارة من نوع كذا، أو يسافر إلى بلاد كذا..!!.
هذه الظاهرة خطيرة، تدل على نسيان الشباب مهامهم الجسيمة الموكلة بهم؛ فهم عمود الأمة، وهم رجالها، الأمة كلها تقوم على سواعدهم، عزها في عز الشباب.. قوتها في قوة الشباب، فهم سر بقائها وهيبتها:
– فالشباب هو العنصر القوي النشط الفعال في كل أمة، وهو الذي يبذل بصدق وجد، وهو الذي يعمل لأجل العمل، اليوم يتعلم ويتفقه، وغدا يعلّم ويساهم في بناء الأمة.
– إذا وقع حرب فالشباب هم الحماة، يحمون الدين، والديار، والأعراض، والأموال.
– وإذا ضاقت الأرض بالرزق فالشباب هم السعاة.
فهم أصحاب البذل والتضحية في كل زمان ومكان، فالأمة الراشدة هي التي تعتني بهم، وتسخر كل إمكانياتها لإصلاحهم، لكن المصيبة تكمن فيما إذا لم تدرك الأمة ممثلة في: البيت، والمدرسة، والمسجد والإعلام.. إلخ، أهمية العناية السليمة بالشباب، فأهملت توجيههم وإصلاحهم، فحينئذ يصبح الشاب بلا هدف يعمل لأجله، ولا غاية سامية يسعى لها، فيقبل على اللهو واللعب، وتصبح غايته، فتتدنى همته، ويصير عالة على المجتمع، بل وبالا.
إن من وسائل إصلاح الشباب، وإيقاد الهمة في قلوبهم، وإبعادهم عن الإغراق في اللهو: تذكيرهم بسيرة أسلافهم من شباب الأمة..
– هل تعرف أخي الشاب معاذ بن جبل؟.
إنه صحابي شهد له رسول الله بالعلم وهو لم يبلغ العشرين، فقال: ( أعلمهم بالحلال والحرام معاذ) أحمد..
– وهل سمعت بخبر شباب الصحابة في الغزوات؟.
كانوا يقفون على رؤوس أصابعهم، حين كان يستعرض رسول الله الجيش، خشية أن يردهم لصغر سنهم.
– فهل بلغك خبر ابن عباس ؟.
بلغت همته مبلغا كبيرا، جعلته وهو في مثل سنك أو أصغر، يتوسد باب زيد بن ثابت في الظهيرة، تسفي الريح في وجهه التراب، ينتظر خروجه ليتعلم منه دينه، حتى صار بحرا وحبرا وترجمانا للقرآن.
إنك أخي الشاب، إذا أمضيت عمرك في اللهو واللعب فلن تجني إلا الشوك، ولن تنال إلا الكرب، وأدنى المآسي أن تعيش وتموت عديم الذكر، ليس لك أثر من خير أو بر..
فهلا رفعت همتك، وأنفت من عبث الصغار، وضننت بوقتك، الذي هو رأس مالك في هذه الدنيا؟.
لا أظنك تحب أن تكون مهملا، وضيع المنزلة والمكانة..!!.
إذاً فلتعلم أن ما تحبه وما ترجوه من الرفعة والمنزلة لن يصير إليك إلا بالتعب والجد، ويومذاك ستحمد سهرك الليالي، وجدك في تحصيل المعالي، كما أنك إذا ضيعت وقتك في اللهو، نالك تقلب الدهر، ولعبت بك الأيام، فضاع منك السؤدد، وصرت إلى مهانة، وحينذاك ستندم على لياليك الضائعة، حين لا ينفعك الندم، وستبكي على تفريطك في الأيام الخالية، فهل تحب أن تقف مثل هذا الموقف؟.
– الخطأ الثاني مما يقع فيه الشباب: التقليد.
كم نرى من شبابنا من لا هم له إلا تقليد الكفار، في: ملابسهم، وشعورهم، وحركاتهم، وكلامهم.
فلنسأل شبابنا سؤالا: لماذا هم لا يقلدونكم، لماذا لا يلبسون ملابسكم؟.
هل تعلمون الجواب؟.
الجواب: إنهم لا يأبهون لكم، والسبب أنتم، لما تهاونتم، وهانت أخلاقكم، وأظهرتم إعجابكم بهم، هنتم عليهم، ونقصتم في أعينهم، فاستنكفوا أن يقلدوكم في شيء.
أليس من الواجب أن تعتزوا بدينكم وأخلاقكم ؟!.
– أنتم خير أمة أخرجت للناس.. الله رضي لكم دينكم، ولم يرض لهم دينهم.
– أنتم في الجنة، وهم في النار.
فبالله عليكم كيف رضيتم لأنفسكم هذا الهوان، فصرتم تقلدونهم وكأنه لاحضارة لكم، ولا كرامة ولا دين قويم؟!.
كيف تقلدونهم، وأنتم الأعز ؟!، أليس من الأولى أن تكونوا لهم قدوة ؟.
– أنتم أصحاب النور والقرآن، إنهم ينتظرون منكم أن تمدوا إليهم أيديكم لتخرجوهم من الظلمات إلى النور، فالعجب أنكم صرتم ترجون منهم النور، وكأنكم ظمأى، لم تجدوا في دينكم ما يروي عطاشكم!!.
– أنتم هنا قد تأثرتم بأخلاقهم وعاداتهم، فكيف إذا سكنتم ديارهم وخالطتم شبابهم، ماذا ستصنعون..؟.
لقد نسي شبابنا مبدأ البراء من الكافرين، وأن مودة الكافرين محرمة.
– قال تعالى: { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}.
ألم تسمع أخي الشاب إلى قصة إبراهيم الخليل، الذي تمسك بمباديء دينه، ووقف وحده ضد قومه عزيزا قويا، إذ كانوا كفارا وكان مؤمنا، ومن عزته كسر أصنامهم، ولم يبال بسخطهم؟.
– قال تعالى:{ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم }.
سماه فتى لتعلم:
– أن الفتى المؤمن يملك من قوة الإيمان ما يزلزل به أركان الكفرة والفاسقين.
– وأن عنده من العزة ما يكسر به أصنام المشركين.
فضعفك لا معنى له، وتقليدك لمن لا خلاق له، دليل على فقدانك الهوية، إضاعتك مباديء دينك القويم.
ألم تسمع إلى قصة أصحاب الكهف الذين هجروا دورهم وقصورهم، وتبرؤوا من قومهم لما رأوا عصيانهم لله ؟.
– قال تعالى: { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا }.
– وقال : { نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا، هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا }.
وصفهم بأنهم فتية، ومن السنة قرآءة هذه السورة كل جمعة، لتذكر دوما قصة شباب زكت نفوسهم، وتعالت همتهم، وأنفوا أن يقلدوا أحدا في الكفر، ولو كانوا قومهم: فتتشبه بهم، وتتخذهم لك قدوة.
– الخطأ الثالث مما يقع فيه الشباب: الغزل وهوان الأعراض، وما يتبع ذلك من المنكرات.
إن طائفة من الشباب ماتت الغيرة في قلوبهم، فصاروا لا هم لهم إلا إفساد الأعراض، ولهؤلاء نقول:
– كيف رضيتم هذا لأنفسكم ؟!.
– كيف رضيتم هذا لأخواتكم المؤمنات ؟!.
– كيف رضيتم هذا لأمتكم ؟!.
ألا تعلمون أن هذا المنكر يكتب عليكم الشقاء ؟، خاصة أولئك المجاهرون، الذين يجتمعون على المنكر، والذين لا يتأثمون من ذنبهم، ولا يتحرجون من معصيتهم، وربما استحلوها.
ألا فليعلم كل شاب أن من استحل شيئا محرما في الدين معلوما تحريمه بالضرورة، كالزنا، فقد وقع في الكفر.
فرق بين الذي يعصي فيندم ويبكي ويعزم على عدم العودة، وبين الذي يعصي فيفرح بمعصيته ويصر عليها، فهذا يُخاف عليه من البوار والشقاء في الدنيا والآخرة، ففي الحديث:
– ( كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) متفق عليه..
فهذا الذي رضي لنفسه هذا الفعل الشنيع، ألا يخاف من عقوبة الله في الدنيا والآخرة، من: جلد، ورجم، ونار تحرق، وعذاب لا يخف ولا يرفع ؟!.
أيها الشاب الواقع في هذا الذنب العظيم، ألا تستحي من نظر الله إليك؟.
ألا تخشى أن ينزع الإيمان منك؟.
في الأثر: (من زنى، أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان، كما يخلع الإنسان القميص من رأسه )، رواه الحاكم…
فإذا كان قلبك ميتا، فلم تخف عذاب الشرع، ولم تبال بنزع إيمانك، ولم تستح من نظر الجبار المنتقم، ولم تخف من عذاب جهنم، وكنت ممن طبع الله على قلبه فما عدت تفهم موعظة:
ويحك، ألا تخاف من عذاب الدنيا، وأمراضها ؟.
أخي!، إن كنت تحب أن تكون تحت عرش الرحمن فأقلع عن العصيان، قال رسول الله: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله [وذكر منهم] وشاب نشأ في طاعة الله عزوجل )، متفق عليه
وفي بعض الآثار أن الله يقول: ( أيها الشاب المتبذل لي، الطائع، أنت عندي كبعض ملائكتي).
وفي أثر آخر أن الله يباهي ملائكته بالشاب الناشيء في طاعته.
ألا تحب أن تكون منهم،كيف وهذا حالك ؟!.
ثم كيف يرضى الشاب لأخواته المؤمنات مثل هذا الأمر الشنيع؟!.
المفترض في المسلم أن يكون حافظا لعرض أخته المسلمة، ينظر إليها نظر الأخ الشفيق، يحميها من كل سوء، فمن المؤلم أن يكون هو المعتدي عليها ظلما وعدوانا، بالتغرير والخداع !!.
وهنا تحذير صارم، قد علم بالتجربة والشرع أن من تعرض لأعراض الآخرين، تعرض الناس لعرضه، ومن زنى يزني به، فلو لم يكن من خطورة الزنا إلا أن الزاني يعرض ـ بفعله المشين ـ أهله: أخته، وزوجته، وأمه وابنته. للزنى لكان ذلك كاف في زجره وردعه.
فيا أخي! قبل أن تقدم على أمر كهذا، تذكر أن لك في البيت أخوات، فاتق الله فيهن ولا تعرضهن للبلايا والمحن. اليوم تعصي، وأنت تلهو وتضحك، وغدا عندما يكبر عقلك، ستبكي ندما، حينما ترى أولادك يفعلون ما كنت تفعله في شبابك.. هل نسيت أن الجزاء من جنس العمل؟..
فيا أخي الشاب! أذكرك الله أن تتقيه في نفسك وأهلك وأخواتك المسلمات، وألا تستعجل شهواتك فتحرم الجنة. –
– ألم تسمع بالحور العين في الجنة ؟.
– ألم يبلغك خبر الكواعب الأتراب، البيض المكنون، اللؤلؤ المكنون؟.
– ألم تتطلع على أوصافهن وسحر جمالهن؟.
إنهن لمن اتقى ربه، واجتنب الزنى..
إنهن طاهرات مطهرات، يرى مسخ سوقهن، لا يحضن ولا يهرمن، أبكارا، عربا أترابا، لأصحاب اليمين..
فكن من أصحاب اليمين، فهو مهرهن، ولا تكن من أصحاب الشمال، فتطرد عن بابهن.
إنك لم تسمع أصواتهن الجميلة: إن لهن أصواتا تسكر القلوب والعقول.
وإنك لم تر نصيف إحداهن، ولم تر أناملهن: إن الدنيا تضيء منها.
لا خبر لك عن نعومتهن، وعن تبعلهن، وعن رقتهن، وعن جمال قدهن، وخصرهن، وأعينهن.
لماذا تزهد في هذا النعيم المقيم؟.
بالله عليك كن عاقلا..
واعلم أن الحياة قصيرة..
وأن الدنيا ارتحلت مدبرة، وأن الآخرة ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكن من أبناء الآخرة، ولا تكن من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
* * *
الجوكر