ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السؤال : في بعض المجالس يخوض بعـــض
الناس فـي كثيـر مـن طلبــة العلــم والعلمــاء
يجرحون ويعدلون ! فنريد نصيحة لهــؤلاء
لكي يشتغلوا بما ينفعهم ؟
الجـواب : مـن المعلوم أن الغيــبة مــن كبائر
الذنوب والغيبة ذكـرك أخـاك بما يكره هكـــذا
فسرها النبـي صلى الله عليه وسلم وقـد حذر
الله عنـها في كتابـه بأبلـغ تحذير فـقـال جــل
وعلا ( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُــمْ
أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِـيهِ مَيْتــاً فَكَـرِهْتُمُـوهُ وَاتَّقُــوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) سـورة الحجرات ،
مـن الــذي يقدم له لحم أخيه ميتاً فيأكلـــه ؟
لا أحـد يأكلــه كلٌ يكرهه وهذا تمثيلٌ يستفاد
منـه غــاية التحذير من الغيبه ، وإذا كانــت
الغيبــة فــي ولاة الأمــور مــن العلـمــاء أو
الأمراء كانت أشد وأشد لأن غــــيبة العلماء
يحصل بهــا انتقاصهم وإذا انتقـص النــاس
علماءهــم لــم ينتفعوا مــن علمهم بشـــيء
فتضيع الشريعة وإذا لم ينتفع النــاس بعلــم
العلمـاء فبــماذا ينتفـعون ؟ أبجهل الجهال ؟
أم بضلالة الضلال ؟ولهذا نعتبر الذي يغتاب
العلماء قد جنى على الشريعة أولاً ، ثم على
هؤلاء العلماء ثانياً ، ووجــه الجنــاية على
الشريعة ما ذكرته أنه يستلزم عــدم قبـــول
ما تكلم به هــؤلاء العلماء من شريعة الله ؛
لأنهـم قد نقص قدرهم وسقطوا مـن أعيــن
النـاس فلا يمكن أن ينتفعــوا بعلمه وأمــا
كونه غيبـةً للشخص فهذا واضح .
أمـــا الأمـراء فغيبتهم أيضـاً أشــد مــن غيبة
غيـرهم لأنها تتضــمن الغيبة الشخصية التي
هــي من كبائر الذنوب وتتضمن التمرد عـلى
الأمراء وولاة الأمور لأن النــاس إذا كــرهوا
شخصاً لم يستجيبوا لتوجيهاته ولا لأوامـره
بل يضادونه ويناوئونه فيحصل بهـــذا شــر
عظيـم لأن قلــوب الرعيـة إذا امتلأت حقــداً
وبغضــاً لولاة الأمــور انفلت الزمــام وحــل
الخــوف بـدل الأمان وهــذا شــيء مشاهـــد
ومجرب . ولهذا نرى أن الواجب على عامة
الناس وعلى طلبة العلم بالأخص إذا سمعوا
عـــن عالمٍ ما لا يرونه حقـاً أن يتثبتوا أولاً
مــن صحة نسبته لهذا العالم كــم من أناس
نسبوا إلى العلماء ما لم يقولوه! ثم إذا ثبت
عنـده أنه قاله يجب عليه من باب النصيحة
لله عــز وجـــل ولكـــتابه ولرسوله ولأئمـة
المسلمين أن يتصل بهذا العالم يقول بلغني
عنـك كذا وكذا ، فهل هذا صحيح ؟ فإما أن
ينكر وحينئذٍ نطالب من نقل عنه هذا القول
بالبـينة وإما أن يقر فإذا أقر أبين له وجهة
نظـري ، أقـــول : هذا القول الذي قلته غير
صحيـح ، فإمـا أن يقنعني وإما أن أقــنعه ،
وإما أن يكون لكلٍ منا وجهٌ فيما قال فيكون
هو معذوراً باجتهاده وأنا معذورٌ باجتهادي
ولـيــس أن أتــكـلــم فـــي عرضــه لأننــي
لو استبحت لنفسي أن أتكــلم في عـــرضه
لكنت أبحت له أن يتكلــم هـو أيــضـاً فــي
عرضي وحينئذٍ يحصل التنافر والعــداوة
والبغضاء .
أما الأمـراء فهم الأمر الثاني أيضــاً ، فالكلام
في الأمراء كثير وتعرفون ذلك أضــرب لكــم
مثـلاً سهلاً : إذا أمــر ولي الأمر بشخص أن
يؤدب تأديباً شرعياً يستحقه شرعاً فهل هذا
المؤدب مع ضعف الإيمان في عصـرنا هــل
سيقبل هذا الأدب ويرى أنه حق ؟ أم يـرى
أنه ظلم وأن هذا الأمير معتدٍ عليه ؟
الثانـي : هذا الواقع ، يعني : لسنا في عصر
كعصر الصحابة يأتي الرجل يقول : يارسول
الله ! زنيت طهـرني . فإذا أمر ولي الأمر أن
يؤدب هذا الرجل صار يشيع -كما قال بعض
العلمـاء عن شخصٍ أشاع عنه قضية معينة
فيما سلف، قال : إنــك شخصٌ تذيع الشكية
وتكتم القضية – ويشكي الناس أنــه مظلوم
وأن هذا – أي : ولي الأمر – ظالم وما أشبه
ذلك . إذاً : غيــبـــة ولاة الأمــور تتـضـمـن
محــذوريـن : المحـذور الأول : أنـها غيــبة
رجل مسلم . والمحذور الثاني :أنها تستلزم
إيغار الصدور عــلـى الأمراء وولاة أمورهـم
وكراهتهم وبغضهم وعـدم الانصياع لأمرهم
وحينـئـذ ينفلت زمام الأمان ولهــذا ما نـرى
مــن المنـشورات التـي تنشــر في سب ولاة
الأمـور أو الحكومة نرى أن هذا محرم وأنه
لا يجــوز للإنســان أن ينشــرها لأنـــــه إذا
نشرها معناه أنهـا غيبةٌ لإنسان لا نستفيــد
مـن نشرها بالنسبة إليــه شيئاً ، لا نستفيد
إلا أن القــلوب تبغضهم وتكرههم لكـن هـل
هــذا سيحسن مــن الوضع إذا كـان الوضع
سيئاً ؟ أبـداً . فــلا يزيد الأمر إلا شدة فنرى
أن نشــر مثل هذه المنشــورات أن الإنسان
آثمٌ بها لأنه غيـبة بلا شــك وأنه يوجب أن
تكــره الرعيـة رعاتها وتبغضهم ويحصـــل
بهــذا مفسـدة عظيمة . وحتــى لــو فرضنا
صحــة ما جاء في هذه المنشورات ، مـــع
أننـا لا ندري هل هو صحيح أو أنه كما قال
عليه الصلاة والسلام (إن كان فيه ما تقول
فقـد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد
بهته ) لكــن علــى تسليم أنه صحيح وأنه
صـدق هل يحل لنـا نشره وهو غيبة ؛ لأن
الغيبة ( ذكرك أخاك بما يكره ) ثــم إننا لو
نعلـــم أن هـــذا المنـشور حق وأنه سيحل
المشكلة لكنت أول من ينشر هذا وأول من
يوزعه ،لكن نعلم أنه يحتاج إلى إثبات من
وجــه ، ويحتـاج – أيضا ً- إلـى أن ننظر :
هــل نشـره من المصلحة أم من المفسدة ؟
ربمـا يترتب على نشره من المفسدة أعظم
بكثير مـن نفس هذا الخطأ ؛ ولهـــذا يجب
عــلى الإنسـان أن يتقي الله أولاً قبـل كــل
شــيء ، وألا ينشــر معايب النـاس بـدون
تحقق وألا ينشر معايب الناس إلا إذا رأى
أن المصلحة فـي نشرها ، أمـــا إذا كـــان
الأمـــر بالعكس فـقد أضاف إلــى مفســدة
نشر معايب الناس مفسدة أخرى ، و الله
حسيبه ، وسوف يلقى جزاءه عند ربه
ونحـن نتكلــم بهــذا عـن أدلــة فنقــول : هل
المنشورات في مساوئ الناس سواءً الأمراء
أو العلماء هـل هي مــن باب ( ذكرك أخاك
بما يكره ) أم لا ؟
الجواب : نعم ، مـن بـاب ( ذكــرك أخاك بما
يكـره ) وإذا كان من هذا الباب فهذه غيبة أم
غير غيبة ؟ غيبة من قال أنها غيبة ؟ قالهـا
الـرسول صلى الله عليه وسلم أعلــم الخـلق
وأنصـح الخلق وأصدق الخلـق . فــإذا كانت
الغيبـة حراماً فهل يترتب عـلى هــذه الغيـبة
إصلاح مــا فسد ؟ أبداً ،لا يتــرتــب عليهــا
إصــلاح مـا فسد . فـتبيـن بهـــذا أن نـشــر
المنشورات حـــرام وتوزيعها حــرام ، وأن
الـذي يفعــل ذلك آثــم وأنـه سـوف يحاسب
علـى حسب نصوص الكتــاب والسـنـة لأن
الرســـول صلى الله عليه وسلم قــال ( من
كــان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيــراً
أو ليصمت ) رواه البخـاري ، وقــال عليه
الصـلاة والـســلام ( مـن رأى مـن أميـــره
شيئاً يكـرهه فليصــبـر ) رواه البخاري ،
وهــذا ينــافي الصبر لا شك .
قد يقول قــائل : إن الله تعالى قال في كتــابه
(لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن
ظُلِـمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ) فنقول : نعم.
لكـن معنـى الآية الكريمة : أنــه لا يجوز أن
تجهــر بالسـوء إلا إذا ظلمـت فتجـهــر فــي
مظلمتك فـــي الشكايـة حتـى تــزال مظلمتك
فهــذا معنى الآية يعني : إذا ظلمني شخص
فهــوعــاصٍ أذهب إلى أي شخـص وأقول :
فــلان ظلمني واعتدى عــليَّ فلا بـأس بذلك
( إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ) ولم يقل : لايحب الله الجهر
بالسـوء من القول إلا للظالم حتى نقول إنه
عــام إلا من ظلم فله أن يجهر بالسوء مـن
القول في من ظلمه لأنه من طبيعة الإنسان
أنـه يتــكلـــم مـع صديقه فيما جرى لـه من
ظـلم إنسـانٍ عليـه لأن في هذا تفريجاً عنـه
وإزالة غم ولا حرج فـي هذا . أما أن ننشر
معايب النــاس على وجهٍ نعلم أن مفسدتـه
أكثــر بكثـيـــر مـن مصلحتـه إن كـان فيـه
مصلحة ، ولا نــدري هــل يثبـت أم لا فإن
هـذا لايشك إنسانٌ عاقل عرف مصـــــادر
الشريعة ومواردها أن ذلك حرام .
فنسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم شر الفتـن
ماظـهــر منها وما بطــن وأن يصلــح ولاة
أمورنا مـن العلماء والأمراء، وأن يصلح
عامتنا إنه على كل شيءٍ قدير.
لقاء الباب المفتوح للشيخ محمد العثيمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ