السؤال : هل المكروه والشر ينسب إلى الله مع انه خلقه وقدره ؟ وكيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك ) وبين عدم نسبة الشر لله . وهل في تقدير الله شر محض ؟
الجواب : يبتلي الله عباده بالسراء والضراء ، بالخير والشر
قال سبحانه وبحمده : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون )
يحمد ربـنـا على المكروه ، فيحمد على المصائب ، كما تقدم في الحديث : حـمـدك واسترجع .
وكما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال : الحمد لله على كل حـال .
ولا ينسب المكروه إلى الله من باب التأدب مع الله سبحانه
ولذا حكى الله عن الجن أنهم قالوا : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا )
فهذا من باب التأدب مع الله
ومثله قول الخليل عليه الصلاة والسلام : ( الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين )
فهو نسب المرض لغير الله ، مع أن الكل من عند الله ، ولكن هذا من باب التأدب في الخطاب مع رب الأرباب .
بخلاف قول " قليل الأدب " إبليس ! حيث قال : ( فبما أغويتني ) مع أنه هو الغاوي الذي غوى .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : والشر ليس إليك . كما في صحيح مسلم
فهذا نفي نسبة الشر المحض أي الخالص فإن الله لا يخلق ولا يقدر شرا خالصا فليس ثم شـر محض ، وليس ثم شـر إلا وفيه خير
والشر قد يكون في المقضيـات ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام في دعائه : وقـنـي شر ما قضيت . رواه الإمام أحمد وأهل السنن .
وهذا أيضا يكون نسبيا ولا يكون شرا خالصا .
وقد أطال ابن القيم رحمه الله النفس في تقرير ذلك في كتابه النافع الماتع : شفاء العلي في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل .
وضرب على ذلك أمثلة : خلق إبليس والكـفـر
ونحو ذلك مما يتصور بعض الناس أنه شر وليس فيه خير ولا مصلحة
قال رحمه الله :
أما الشر المحض الذي لا خير فيه فذاك ليس له حقيقة بل هو العدم المحض ، فإن قيل : فإبليس شر محض ، والكفر والشر كذلك ، وقد دخلوا في الوجود ، فأي خير في إبليس وفي وجود الكفر ؟ قيل : في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله ، كما سننبه على بعضه ، فالله سبحانه لم يخلقه عبثا ولا قصد بخلقه أضرار عباده وهلاكهم ، فكم لله في خلقه من حكمة باهرة وحجة قاهرة وآية ظاهرة ونعمة سابغة ، وهو وإن كان للأديان والإيمان كالسموم للأبدان ، ففي إيجاد السموم من المصالح والحكم ما هو خير من تفويتها . انتهى .
وقال في موضع آخر عن خلق إبليس : في ذلك من الحكم مالا يحيط بتفصيله إلا الله ، فمنها :
ومنها خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه ، وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية ؛ يكون أقوى وأتم ولا ريب أن الملائكة لما شاهدوا ذلك حصلت لهم عبودية أخرى للرب تعالى ، وخضوع آخر ، وخوف آخر .
إلى أن قال : فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره ، فلا بد إذا من سبب يظهر ذلك ، وكان إبليس محـكـا يميز به الطيب من الخبيث . انتهى كلامه رحمه الله .
وذكر أيضا ما يتعلق بحكمة وجود الكفار وغير ذلك ، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الكتاب المذكور .
وقد يقول بعض الناس إن الموت مصيبة وربما ظـنـوه شـرا وليس الأمر كذلك
فقد قال عليه الصلاة والسلام : مستريح ومستراح منه . قالوا : يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه ؟ قال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب . متفق عليه .
ففي الموت راحة للمؤمن ، وراحة من الفاجر والكافر .
وكم من أمر يكرهه العبد ويرى أن فيه شـرا ، وليس كذلك ,ولذا قال الله عز وجل : ( إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره ؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره .
وقال الحسن : لا تكرهوا النقمات الواقعة والبلايا الحادثة ، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولرب أمر تؤثره فيه عطبك .
وكان شيخنا العثيمين رحمه الله يكره أن يقال : الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه .
كره هذا اللفظ لأنه يشعر بعدم الرضا
والأولى أن يستبدل بقوله عليه الصلاة والسلام : الحمد لله على كل حال .
وأذكر أنني ألقيت درسا في شرح أركان الإيمان ، ومنها : الإيمان بالقدر خيره وشـره
ثم فصـلت التفصيل المتقدم ، وقلت : إن الشر قد يكون في نظر العبد ، ولو كشفت للعبد حجب الغيب لما تمنى غير ما قدر الله وقضى .
فكثر السؤال حول هذه المسألة فقام رجل فقال : أنا في هذا البلد مهاجر ! وقد طردت من بلدي ، وظننت أن ما حصل لي شـر ، وإذا بي أرى الخير من خلال ذلك الذي ظننته شـرا
قلت له : ذكرتني كلمة جميلة لابن القيم رحمه الله حيث قال : كم من محنة في طيـها منحـة .
والله أعلم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/21.htm
بارك الله فيك..
..~