الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بمواسم الخيرات ،ليغفرَ لهم الذنوب ويجزل لهم الهبات ، أحمده سبحانه وأشكره وفق من شاء من عباده لاغتنامها فأطاعه وأتقاه، وخذل من شاء فأضاع أمره وعصاه.
أهم أعمال هذه الأيام الرائعة..
1- الصيام:
فيسنُ للمسلم أن يصومَ تسعَ ذي الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها، والصيامُ من أفضل الأعمال الصالحة، وقد ورد هُنَيدَة بنِ خالدٍ عن امرأته قالت حدثتني بعضُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومُ عاشوراءَ وتسعاً من ذي الحجة وثلاثةَ أيام من كل شهر …" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني . وكان عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يصومها ، وكذلك مجاهد وغيرهما من العلماء, وأكثر العلماء على القول بصيامها . ولذا قال النووي رحمه الله: صيامها مستحبٌ استحباباً شديداً أهـ.
2- ومن الأعمال المسنونة في هذه العشر: التكبيرُ والتهليلُ
يَجهرُ به الرجال والمرأةُ تخفضُ به صوتها فعن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَ التَّحْمِيدِ " أخرجه أحمد والطبراني وأبوعوانة وهو حسنٌ بمجموع طرقه وشواهده .
والتكبيرُ نوعان : مطلق ومقيد فالمطلق في سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق , والمقيد ( أي المقيد بأدبار الصلوات ) ويبدأ من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى أخر أيام التشريق مقيداً بأدبار الصلوات, أما الحاجُ فيبدأ من حين يرمي جمرةَ العقبة يوم العيد . وقد دل على شروعية ذلك الإجماع ، وفعلُ الصحابة – رضي الله عنهم – ، وصيغ التكبير : 1- الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً .
2- الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
3- الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد.
فحريٌ بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي هجرت في هذه الأيام ، وتكاد تنسى
3- أيها المسلمون: ومن أعمال هذه العشر التقربُ إلى الله تعالى بذبح لأضاحي:
وهي سنه مؤكدة في أصح قولي العلماء، وهناك تنبيه مهم وهو أنه: إذا دخلَ عشرُ ذي الحجة فيحرمُ على من أرادَ أن يضحي أن يأخذَ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئاً حتى يضحي يوم العيد ، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذ قبل النية .
وذلك لما روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) رواه مسلم . وفي رواية له: ( فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمنَّ ظفراً ) ، والحكمةُ في النهي : أن يبقى كاملَ الأجزاءِ ليعتق من النار ، وقيل : التشبه بالمحرم قاله النووي في شرح مسلم .
فائــدة :
هذا النهي خاصٌ بصاحب الأضحية لا المُضحى عنه من زوجةٍ وأولادٍ فلا يعمهم النهي, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن أهل بيته ولم يُنقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك ، وكذا من توكلَ عن شخص فإنه لا يَحرُمُ عليه الأخذ بل هو خاص بالموكِل لا الوكيل، وكذا القائم على الوصايا فإنه لا يمسك ، ومن أخذَ شيئاً من أظفاره أو أبشاره أو شعره معذوراً فلا شيء عليه كالناسي ، والذي به أذى في شعره أو ظفره ، أما العامد فهو آثمٌ ولا كفارةَ عليه بل عليه التوبة والاستغفار.
4- ومما يشرع في هذه العشر الإكثار من الأعمال الصالحة عموماً:
لأن العمل الصالح محبب إلى لله تعالى في كل زمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ..}، وهذا يعني فضل العمل فيها، وعظيم ثوابه، فعلى المسلم أن يعمر وقته في هذه العشر بالإكثار من الطاعات: قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.
ومن الأعمال الصالحة الصلاة: فيستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات.
5- أيها الأحبة في الله: ومن أيام العشر يوم عرفة:
وهو من الأيام الفاضلة والعظيمة لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها ، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنوا ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ) رواه مسلم.
قال ابنُ عبدُ البر : وهذا يدلُ على أنهم مغفورٌ لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم أهـ .
وفي الحديث الذي رواه أحمدُ وابنُ خزيمة بسند صحيح صححه الألباني عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، فيقول لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً ) .
6- ومن أعمال هذه العشر أداءُ الحج والعمرة:
إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب – إن شاء الله – من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " أخرجه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .
قطعت شهور العام سهواً وغفلة *** ولم تحترم فيما أتيت المحرما
فلا رجباً وافيت فيه بحقه *** ولا صمت شهر الصوم شهراً متمماً
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قواماً ولا كنت محرماً
فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرة *** وتبكي عليها حسرةً وتندما
وتستقبل العام الجديد بتوبة *** لعلك أن تمحو بها ما تقدما
جزاك الله عنا كل خير