الســــلام علــيكم ورحــمـة الله وبركــاتـــه
ليس في التكليف أصعب من الصبر على القضاء ولا فيه أفضل من الرضى به
فاما الصبر: فهو فرض.
وأما الرضا فهو فضل.
وإنما صعب الصبر لان القدر يجري في الأغلب بمكروه النفس وليس مكروه النفس يقف على المرض
والأذى في البدن بل هو يتنوع حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر.
فمن ذلك انك إذا رأيت مغموراً بالدنيا قد سالت له
أوديتها حتى لا يدري ما يصنع بالمال فهو يصوغه أواني يستعملها.
ومعلوم أن البلور والعقيق والشبه قد يكون أحسن منها صورة غير
أن قلة مبالاته بالشريعة جعلت عنده وجود النهي كعدمه.
ويلبس الحرير ويظلم الناس والدنيا منصبة عليه.
ثم يرى خلقاً من أهل الدين وطلاب العلم مغمورين بالفقر والبلاء مقهورين تحت ولاية ذلك الظالم.
فحينئذ يجد الشيطان طريقاً للوسواس ويبتدي بالقدح في حكمة القدر.
فيحتاج المؤمن إلى الصبر على ما يلقى من الضر في الدنيا وعلى جدال
إبليس في ذلك.
وكذلك في تسليط الكفار على المسلمين والفساق على أهل الدين.
وابلغ من هذا ايلام الحيوان وتعذيب الاطفال ففي مثل هذه المواطن يتمحص الايمان.
ومما يقوي الصبر على الحالتين النقل والعقل.
اما النقل فالقران والسنة اما القران فمنقسم الى قسمين احدهما بيان سبب اعطاء الكافر والعاصي فمن ذلك قوله تعالى: " اِنَّمَا نُملي لهمْ ليزْدَادُوا اثماً ".
" وَلَوْلاَ اَنْ يَكونَ الناسُ امة واحة لجَعْلنا لمنْ يكفُرُ بالرَّحمن لبُيوتهم سقفاً مِنْ فِضَّةٍ "
" وَاِذَا اَرَدْنَا اَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً اَمَرْنَا مُتْرَفِيْهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ".
وفي القران من هذا كثير.
والقسم الثاني: ابتلاء المؤمن بما يلقى كقوله تعالى: " اَمْ حَسِبْتُمْ اَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمُ" " اَمْ حَسِبْتُمْ اَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَا يَاْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَاسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا "
" اًمْ حَسِبْتُمُ اَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ " وفي القران من هذا كثير.
واما السنة فمنقسمة الى قول وحال.
اما الحال: فانه صلى الله عليه وسلم كان يتقلب على رمال حصير تؤثر في جنبه
فبكى عمر رضي الله عنه وقال: كسرى وقيصر في الحرير والديباج فقال له صلى الله عليه وسلم: افي شك انت يا عمر الا ترضى ان تكون لنا الاخرة ولهم الدنيا.
واما القول فكقوله عليه الصلاة والسلام: لو ان الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء.
واما العقل: فانه يقوي عساكر الصبر بجنود منها ان يقول: قد ثبتت عندي الادلة القاطعة على حكمة المقدر.
فلا اترك الاصل الثابت لما يظنه الجاهل خللاً.
ومنها ان يقول: ما قد استهولته ايها الناظر من بسط يد العاصي هي قبض في المعنى وما قد اثر عندك من قبض يد الطائع بسط في المعنى لان ذلك البسط يوجب عقاباً طويلاً وهذا القبض يؤثر انبساطاً في الاجر جزيلاً فزمان الرجلين
ينقضي عن قريب.
والمراحل تطوى.
والركبان في السير الحثيث.
ومنها ان يقول: قد ثبت ان المؤمن بالله كالاجير وان زمن التكليف كبياض نهار
ولا ينبغي للمستعمل في الطين ان يلبس نظيف الثياب بل ينبغي ان يصابر
ساعات
العمل فاذا فرغ تنظف ولبس اجود ثيابه.
فمن ترفه وقت العمل ندم وقت تفريق الاجرة وعوقب على التواني فيما كلف فهذه النبذة تقوي ازر الصبر.
وازيدها بسطاً فاقول: اترى اذا اريد اتخاذ شهداء فكيف لا يخلق اقوام
يبسطون
ايديهم لقتل المؤمنين افيجوز ان يفتك بعمر الا مثل ابي لؤلؤة وبعلي الا مثل ابن ملجم: افيصح ان يقتل يحيى بن زكريا الا جبار كافر ولو ان عين الفهم زال عنها غشاء العشا, لرايت المسبب لا الاسباب والمقدر لا الاقدار فصبرت على بلائه, ايثاراً لما يريد ومن ههنا ينشا الرضى.
كما قيل لبعض اهل البلاء: ادع الله بالعافية فقال: احبه الي احبه الى الله عز وجل.
ان كان رضاكم في سهري فسلام اللّه على وسني لما انهيت كتابة الفصل المتقدم.
هتف بي هاتف من باطني.
دعني من شرح الصبر على الاقدار فاني قد اكتفيت بانموذج ما شرحت. وصف حال الرضى.
فاني اجد نسيماً من ذكره فيه روح للروح.
فقلت: ايها الهاتف اسمع الجواب.
وافهم الصواب.
ان الرضى من جملة ثمرات المعرفة فاذا عرفته رضيت بقضائه وقد يجري في ضمن
القضاء مرارات يجد بعض طعمها الراضي.
اما العارف فتقل عنده المرارات لقوة حلاوة المعرفة.
فاذا ترقى بالمعرفة الى المحبة صارت مرارة الاقدار حلاوة كما قال
القائل:
عذابه فيك عذب وبعده فيك قرب وانت عندي كروحي بل انت منها احب حسبي من الحب
اني لما تحبّ احبّ وقال بعض المحبين في هذا المعنى: ويقبح من سواك
الفعل عندي فتفعله فيحسن منك ذاك فصاح بي الهاتف.
حدثني بماذا ارضى قدر اني ارضى في اقداره بالمرض والفقر افارضى بالكسل عن
خدمته والبعد عن اهل محبته فبين لي ما الذي يدخل تحت الرضى مما لا يدخل.
فقلت له: نعم ما سالت فاسمع الفرق سماع من القى السمع وهو شهيد.
ارضى بما كان منه.
فاما الكسل والتخلف فذاك منسوب اليك فلا ترضى به من فعلك.
وكن مستوفياً حقه عليك مناقشاً نفسك فيما يقربك منه غير راض منها بالتواني في المجاهدة.
فاما ما يصدر من اقضيته المجردة التي لا كسب لك فيها.
فكن راضياً بها كما قالت رابعة رحمة الله عليها – وقد ذكر عندها رجل من العباد
يلتقط من مزبلة فياكل فقيل: هلا سال الله تعالى ان يجعل رزقه من غير هذا –
فقالت: ان الراضي لا يتخير ومن ذاق طعم المعرفة.
وجد فيه طعم المحبة فوقع الرضى عنده ضرورة.
فينبغي الاجتهاد في طلب المعرفة بالادلة ثم العمل بمقتضى المعرفة بالجد
في الخدمة لعل ذلك يورث المحبة.
فقد قال سبحانه وتعالى: لا يزال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه.
فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به.
فذلك الغنى الاكبر.
ووافقراه.
رايت جمهور العلماء يشغلهم طلبهم للعلم في زمن الصبا عن المعاش فيحتاجون الى ما لا بد منه فلا يصلهم من بيت المال شيء ولا من صلات الاخوان ما يكفي فيحتاجون الى التعرض للاذلال فلم ار في ذلك من الحكمة الا سببين.
احدهما: قمع اعجابهم بهذا الاذلال
والثاني: نفع اولئك بثوابهم.
ثم امعنت الفكر فتلمحت نكتة لطيفة وهو ان النفس الابية اذا رات حال الدنيا كذلك, لم تساكنها بالقلب ونبت عنها بالعزم ورات اقرب الاشياء شبهاً بها, مزبلة عليها الكلاب او غائطاً يؤتى لضرورة (أكرمكم الله)
فاذا نزل الموت بالرحلة عن مثل هذه الدار.لم يكن للقلب بها متعلق متمكن فتهون حينئذ
كتاب ابن الجوزي رحمه الله تعالى
(صيد الخاطر)
أثابكِ الله أخية
نسأل الله الصبر الجميل .. فالأمر واقع لا محالة، و الصبر هو باب الثواب..
و نسأل الله أن يرضّينا و يرضى بنا.. فالرضا هو مفتاح السعادة في الدنيا قبل الآخرة..
جزاكِ الله خيراً أختي الحبيبة..