تخطى إلى المحتوى

فائدة << قصة ( عَدَلت فأمِنْت فنِمْت يا عمر ) غير صحيحة >> 2024.

  • بواسطة
جاء في كتاب " الوطنية " الذي يدرّس في الصف الخامس الابتدائي في السعودية الرواية التالية :

(عَدَلت فأمِنْت فنِمْت يا عمر)
أرسل ملك الفرس رسولا إلى عمربن الخطاب رضي الله عنه فلما دخل المدينة سأل أهلها :
أين ملككم؟
فأجابوه:ليس لدينا ملك بل لنا أمير.
وقد ذهب إلى ظاهر المدينة .
فذهب الرسول في طلب عمر رضي الله عنه فرآه نائما في الشمس على الأرض فوق الرمل
وقد وضع عصاه كالوسادة والعرق يتصبب من جبينه .
فلما رآه على هذه الحالة وقع الخشوع في قلبه وقال :
رجل تهابه جميع الملوك وتكون هذه حاله!!
ولكنك عَدَلت فأمِنْت فنِمْت ياعمر ..
وقد أسلم رسول ملك الفرس بعد ذلك…

عثرتُ على ما يشبه القصة ، وفي ظنّي أن هذه الرواية صيغت بأسلوب أدبي وليست موافقة لنص الرواية، ونص الرواية هو :

لما جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيراً إلى عمر رضي الله عنه، لم يزل الموكّل به يقتفي أثر عمر حتى وجده بالمسجد نائماً متوسّداًَ درّته، فلمّا رآه الهرمزان قال : هذا هو الملك ؟ قيل : نعم . فقال له : عدلت فأمنت فنمت، والله إني قد خدمتُ أربعة من ملوك الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبتُ أحداً منهم هيبتي لصاحب هذه الدرّة .

ذكر هذه الرواية – فيما وقفتُ عليه – الزمخشري ( ت 538 هـ ) في " ربيع الأبرار "، وابن حمدون ( ت 608 هـ ) في " التذكرة الحمدونية "، والنويري ( ت 733 هـ ) في " نهاية الأرب في فنون الأدب " .

فلا عبرة بهذه الرواية لأنه لا إسناد لها فيما وقفتُ عليه، وقد روي مجيء الهرمزان أسيراً في السنة السابعة عشرة إلى عمر رضي الله عنه ومحاورتهما في العديد من كتب التاريخ مثل تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير وتاريخ الإسلام للذهبي والبداية والنهاية لابن كثير ، ولم يذكروا هذه الرواية ، فإن لم تَرِد بإسنادٍ فهي ممّا لا أصل لها .

وروى الواقدي في فتوح الشام ( 1/ 54 / ط . دار العلم للجميع ) ما يشبه تلك القصة فقال :

ولقد بلغني أن هرقل لما بلغه أن عمر بن الخطاب قد ولي الأمر من بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه جمع الملوك والبطارقة وأرباب دولته وقام فيهم خطيباً على منبر قد نصب له في كنيسة القسيسين، وقال: يا بني الأصفر، هذا الذي كنت أحذركم منه فلم تسمعوا مني، وقد اشتد الأمر عليكم بولاية هذا الرجل الأسمر وقد دنا موعد صاحب الفتوح المشبه بنوح، والله ثم والله لا بد أن يملك ما تحت سريري هذا، الحذر ثم الحذر قبل وقوع الأمر ونزول الضرر، وهدم القصور وقتل القسس وتبطيل الناقوس، هذا صاحب الحرب والجالب على الروم والفرس الكرب، هذا الزاهد في دنياه، وهذا الغليظ على من اتبع في غير ملته هواه…

ثم استدعى برجل من المتنصرة يقال له طليعة بن ماران وضمن له مالاً، وقال له: انطلق من وقتك هذا إلى يثرب وانظر كيف تقتل عمر بن الخطاب، فقال له طليعة: نعم أيها الملك. ثم تجهز وسار حتى ورد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكمن حولها، وإذا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يشرف على أموال اليتامى ويفتقد حدائقهم فصعد المتنصر إلى شجرة ملتفة الأغصان فاستتر بأوراقها، وإذا بعمر رضي الله عنه قد أقبل إلى أن قرب من الشجرة التي عليها المتنصر ونام على ظهره وتوسد بحجر، فلما نام هم المتنصر أن ينزل إليه ليقتله، وإذا بسبع أقبل من البرية فطاف حوله وأقبل يلحس قدميه، وإذا بهاتف يقول: يا عمر عدلت فأمنت، فلما استيقظ عمر رضي الله عنه ذهب السبع ونزل المتنصر وترامى على عمر رضي الله عنه فقبل يديه، وقال: بأبي أنت وأمي أفدى من الكائنات من السباع تحرسه والملائكة تصفه والجن تعرفه، ثم أعلمه بما كان منه وأسلم على يديه. اهـ .

قلتُ : الواقدي، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب : متروك مع سعة علمه . اهـ . فرواياته – إذا تفرّد بها – لا يصح الاستشهاد بها،
وعلّة أخرى أساس أنه قال : ( بلغني ) ؛ ولم يسق إسناداً، والواقدي توفي 207 هـ، فبينه وبين قصة عمر رجلين أو ثلاثة ، فالإسناد معضل ، فلو أورد ثقةٌ هذه الرواية لما صَحَّت لإعضالها، فكيف وقد رواها الواقدي المتروك !! فلا تصح هذه القصة إلا إذا أتت من طرق أخرى يعتبر بها أهل الحديث .

وللفائدة، وجدتُ هذه الرواية :

قال ابن سعد في الطبقات الكبرى ( 3/ 293/ ط . دار صادر ) : أخبرنا عارم بن الفضل قال : أخبرنا حمّاد بن سلمة قال : أخبرنا حميد، عن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب مضطجعاً في مسجد رسول الله ، فقال : هذا واللهِ الملك الهنيء .

وختاماً
الحمد لله، في صحيح الروايات عن فضائل سيّدنا عمر رضي الله عنه – التي تبلغ مجلدات – ما يُغني عن سقيمها وضعيفها، والله أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم .

منقوووووول

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.