أحبة الإسلام .. عالم اليوم يعيش أزمات فكرية كما يعيش مشكلات اقتصادية ومختنقات مالية ، وعلاقة الإنسان في ديننا في هذه الدنيا عمل وتسخير وبناء وتعمير وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ …) (13 سورة الجاثية) (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) (29 سورة البقرة) كما أنها في ذات الوقت علاقة ابتلاء واختبار (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا … ) (2 سورة الملك) وغاية ذلك كله تحقيق العبادة لله – عز وجل – : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56 سورة الذاريات)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (21 سورة )
والمسلمون في عباداتهم يجمعون بين تحقيق العبودية لله وتوحيده والإخلاص له وبين شهود المنافع وابتغاء فضل الله ؛ ففي الصلاة : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (10 سورة الجمعة ) وفي الحج (… وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ … ) (197- 198 سورة البقرة) (… يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ …) (26-27 سورة الحـج) وفي عموم الطاعات (… وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ …) (20 سورة المزمل) والممدوحون في كتاب الله من عمار بيوت الله يبيعون ويتاجرون ولكن (… لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (37 سورة النور)
من هذه المنطلقات والبواعث – أيها الكرام – ومن هذه الحكم والأحكام والربط بين الدين والدنيا وعمل القلب وعمارة الأرض يستبين طريق التلقي في مدارك الكمال المنشود وروافد الطهر المبتغى الذي يحفظ الحياة ويصونها ويبرئ النفس ويعلي قدرها وينشر الطمأنينة ويحقق الرضا .
معاشر الأحبة في الله .. وهذا مزيد إيضاح وبسطٌ لارتباط الدين بالدنيا والعبادة بالعمارة والزهد بالجد والقناعة بالكسب .. يقول علي – رضي الله عنه – في وصف الدنيا وبيان حالها : ( دار صدق لمن صدقها ، ودار عاقبة لمن فهم عنها ، ودار غنىً لمن تزود منها .. مسجد أحباء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه .. اكتسبوا فيها الرحمة ورجوا فيها الجنة ؛ فمن ذا يذم الدنيا وقد آذنت بفراقها ونادت بعيبها ونعت نفهسا وأهلها .. تمثلت ببلاءها البلاء وشوقت بسرورها السرور ؛ فذمها قومٌ عند الندامة وحمدها آخرون وصدقوا وذكّرتهم فذكروا ) .
ويقول أبي سليمان الداراني : ( الدنيا حجابٌ عن الله لأعدائه ومطيةٌ موصلةٌ لأوليائه ؛ فسبحان من جعل شيئًا واحدًا سببًا للاتصال والانقطاع ) .
وجاء في الحديث مرفوعا وموقوفا عند أحمد والترمذي وابن ماجة : " الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال ، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق بما في يدي الله ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك ، وأشد رجاء في أجرها وذخرها من إياها لو بقيت لك ، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء " .. وهذه كلها – رحمكم الله – من أعمال القلوب لا من أعمال الجوارح ؛ فافقهوا وتأملوا . وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – مرفوعا : " من سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده " .. أخرجه الحاكم والبيهقي .
الدنيا والزهد فيها يكون بستة أشياء : النفس والناس والسورة والمال والرئاسة وكل ما دون الله – عز وجل – يقول ابن القيم – رحمه الله – معلقًا على ذلك : ( وليس المراد رفضها ؛ فقد كان داود وسليمان – عليهما السلام – من أزهد أهل زمانهما ولهما من الملك والمال والنساء ما لهما ، وكان نبينا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – من أزهد البشر على الإطلاق وقدوة الزاهدين ، وكان يأكل اللحم والحلوى والعسل ويحب النساء والطيب والثياب الحسنة وكان علي ابن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان بن عفان – رضي الله عنهم أجمعين – من الزهاد على ما كان لهم من الأموال الكثيرة ) .. كل هذا كلام ابن القيم – رحمه الله – .. وقد قيل للإمام أحمد : أيكون الرجل زاهدًا ومعه ألف دينار على ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت ؟ قال – رحمه الله – : ( ولقد كان الصحابة أزهد الأمة مع ما عندهم من الأموال ) . . وفي العبارة لسفيان الثوري : ( أيكون الرجل زاهدًا وله مال ؟ قال : نعم .. إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر ) ، وفي عبارة أخرى له : ( الزاهد إذا أنعم الله عليه نعمةً شكرها ، وإذا ابتُلي ببليةٍ صبر عليها .. فذلك الزاهد ) .
ويقول العلامة المناوي – رحمه الله – ( ليس الزهد تجنب المال ، بل تساوي وجوبه وعدمه وعدم تعلق القلب إليه ؛ فإن الدنيا لا تُذم لذاتها فإنها مزرعة الآخرة .. فمن أخذها مراعيًا قوانين الشرع أعانته على آخرته ، قال : فلا تتركها ؛ فإن الآخرة لا تُنال إلا بها ، ولهذا قال الحسن : ( ليس من حبك للدنيا طلبك ما يصلحك بها ومن زهدك فيها ترك الحاجة يسدها عنك تركها" وقال سعيد بن جبير : ( متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة ، وما لم يلهك فليس متاع الغرور ولكنه متاع بلاغ إلى ما هو خير منه ) .
من حقق اليقين وثق في الله في أموره كلها ورضي بتدبيره ولم يتعلق بمخلوق لا خوفًا ولا رجاءً وطلب الدنيا بأسبابها المشروعة ، ومن رزق اليقين لم يُرضِ الناس بسخط الله ولم يحمدهم على رزق الله ولم يذمهم على ما لم يؤته الله ، وقد علم أن رزق الله لا يجره حرص حريصٍ ولا ترده كراهية كاره ؛ فكفى باليقين غنىً ، ومن غني قلبه غنيت يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه .. والقناعة لا تمنع ما كتب ، والحرص والطمع لا يجلب ما لم يكتب ، فما أصباك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وليخلُ قلبك مما خلت منه يداك .
ومن اعتمد على الله كفاه ومن سأله أعطاه ومن استغنى به أغناه ، والقناعة كنز لا يفنى والرضا مال لا ينفذ ، وقليل يكفي خير من كثير يلهي ، والبر لا يبلى والإثم لا يُنسى والديان لا يموت ، وكمال الرجل أن يستوي قلبه في المنع والعطاء والقوة والضعف والعز والذل ، وأطول الناس غمًّا الحسود وأهنأهم عيشًا القنوع ، والحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أن يخرج منها ، وطول الأمل ينسي الآخرة ، وإذا ما سألت عن البركة وصالح الثمرة أو سألت عن ضياع الحقوق وانتشار الفسوق فانظر للناس وافحص القناعة وسلامة الصدر وترك ما يغيب وتجنب ما يعيب .
نسأل العلى القدير أن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى ، وأن يجمعنا ووالدينا ووالد والدينا في بحبوح الجنة وكل من لهم حق علينا ..!!
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
فنحن بحاجة الى مثل هذه المواضيع المهمةفي وقت اصبح فيه الانسان يسعى
وراء الدنيا ومتطلباتها متناسيا اننا الى جانب سعينا للحياة خلقنا لعبادة الله
نسال الثبات والهدى لكل المقصرين
ومن غني قلبه غنيت يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه
مشكور اخي موضوع في غاية الاهمية
السلام عليكم ورحمة الله
شاكر لك مرورك ..
جزاك الله خيراً .
أخـــــــوك / قلم صادق
السلام عليكم ورحمة الله
تشرفت بمرورك الطيب .. وشاكر لك كلماتك المعبرة التي اعتبرها وسام على صدري .. والفضل فيما أكتب لله ثم تشجيعكم .
جزاك الله خيراً .
حفظك الرحمن ووفقك .
نسأل الله أن لاتكون الدنيا أكبر همنـا ~
بارك الله فيكِ أخي قلم .. ونفع بك ..
::
ومن اعتمد على الله كفاه ومن سأله أعطاه ومن استغنى به أغناه ، والقناعة كنز لا يفنى والرضا مال لا ينفذ ، وقليل يكفي خير من كثير يلهي ، والبر لا يبلى والإثم لا يُنسى والديان لا يموت ، وكمال الرجل أن يستوي قلبه في المنع والعطاء والقوة والضعف والعز والذل ، وأطول الناس غمًّا الحسود وأهنأهم عيشًا القنوع ، والحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أن يخرج منها ، وطول الأمل ينسي الآخرة
جزاكم الله خيراا ونفع بكم
ولا كلام لنا بعد هذا الكلام نسأل الله ان يكتب لكم بكل حرف حسنه اللهم آمييين
السلام عليكم ورحمة الله
تشرفت بمرورك الطيب وتواجدك بصفحتي .. شكرا لك .
جزاك الله خيراً .
وفقك الرحمن وأسعدك .
الحمد لله و اللهم صلي وسلم وبارك على محمد رسول الله وعلى أله وصحبه أجعين
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم
موضوع ممتع وروائع مفيدة
، وفي عبارة أخرى له : ( الزاهد إذا أنعم الله عليه نعمةً شكرها ، وإذا ابتُلي ببليةٍ صبر عليها .. فذلك الزاهد ) .
حكمة بليغة…
نسأل العلى القدير أن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى ، وأن يجمعنا ووالدينا ووالد والدينا في بحبوح الجنة وكل من لهم حق علينا ..!!
آآآآآآآآآمين
جزاك الله خير