هذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب والاشتغال بما ينفع وترك ما لا ينفع. وهذا الحديث إن كان فيه مقال لا يصل إلى رتبة المحتج به وفيه اختلاف والمحفوظ أنه مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن معناه محفوظ في الشرع يشهد له جملة من أدلة الكتاب والسنة. وفيه مسائل:
الأولى: يرشد الحديث إلى خلق عظيم يدعو إليه كمال الإيمان وهو ترك ما لا طائل فيه ولا نفع يعود على العبد في دينه وديناه. فيترك العبد المحرمات والشبهات والمكروهات وفضول المباحات. وأعظم ما يدخل في ذلك حفظ اللسان من لغو الكلام كما روي في المسند (إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه). وإعراض العبد عن ذلك دليل على توفيقه وحسن إسلامه. قال الحسن: "من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه". وقيل للقمان: "ما بلغ بك ما نرى يريدون الفضل. فقال: صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني".
الثانية: فيه إشارة إلى أن الناس في دين الله منهم من هو حسن الإسلام ومنهم من هو سيئ الإسلام.فهناك خصال وأعمال تدل حسن إسلام المرء كالصدق
في الحديث والعفة والاجتهاد في الطاعة وأداء الأمانة. وهناك خصال وأعمال تدل على سوء الإسلام كالكذب والخيانة والغدر والمجاهرة بالمعاصي والتفريط بالفرائض. وإذا أحسن العبد إسلامه غفرله ما ارتكبه في الأول وإذا أساء العبد في إسلامه أخذ بالأول والآخر . فعن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُؤَاخَذُ الرَّجُلُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: (مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا كَانَ عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِر) متفق عليه. و ثبت في صحيح مسلم فضل من حسن إسلامه ومضاعفة حسناته وتكفير سيئاته.
الإشتغال بما لا فائدة فيه تضييع للوقت وإهدار له وإستثمارة يعني شغله بما يعود بالنفع على العبد. وقد فرط كثير من الناس في نعمة الوقت كما أخبر بذلك نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) خرجه البخاري.
الرابعة: إن التحلي بهذا الخلق الكريم يتطلب من العبد عزيمة ومثابرة وجداً
ومصابرة. فإن النفس إن لم تشغلها بالخير والأمور النافعة شغلتك بالشر
والبطالة. وخير ما يشتغل به العبد تلاوة القران والنظر في الحديث ومدارسة كلام العلماء وسير الصالحين ومداومة الأذكار والتقرب إلى الله بالسنن والنوافل والصلة والبذل والإحسان والدعوة إلى الله والحسبة. وجماع ذلك الاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح والأمور النافعة له في دينه ودنياه .
1- أن الاشتغال بذلك يفضي إلى الوقوع فيما حرم الله من انتهاك الحرمات
وسوء الظن وغير ذلك.
2- أن الاشتغال بذلك يؤدي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين.
3- أن الاشتغال بذلك يؤدي إلى ضعف الإيمان.
4- أن الاشتغال بذلك يؤدي بالعبد إلى التثاقل عن الطاعات والتقصير في عمل الصالحات.
5- كما أن الاشتغال بذلك يصرف العبد عن معالي الأمور ويشغله بسفاسف الأمور ودنيئها.
السادسة: الأمور التي لا تعني ولا فائدة فيها كثيرة منها:
1- فضول الكلام في المجالس وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال وهو كل كلام لا مصلحة فيه.
2- التوسع في فضول المباحات من أعراض الدنيا والكماليات والمبالغة في ذلك.
3- السؤال عن أحوال الناس وأمورهم الخاصة من غير سبب يقتضي ذلك أو داع يسوغه.
4- تتبع عورات الناس والتفتيش عنها لا سيما الولاة والعلماء والتشهير بذكرها.
5- التساهل في رواية الأحاديث المنكرة وحكاية القصص الواهية ولو كان بقصد الوعظ.
6- الإشتغال بقراءة الروايات الغرامية والمجلات الماجنة وكتب البدع والجهالات.
7- الإنكباب بمعرفة الأحداث السياسية وأخبار العالم وإضاعة الأوقات في ذلك من غير اختصاص ولا فائدة.
8- متابعة المسلسلات الهابطة والبرامج التافهة.
9- الاشتغال بالهوايات الدنيئة وبذل الأموال العظيمة في سبيل الحصول عليها والبحث عنها.
10- تتبع الصيد والانقطاع له من غير حاجة وقضاء الأيام والليالي في سبيل ذلك مما يؤدي بصاحبه إلى الغفلة والبعد عن أماكن العبادة.
11- تربية الحمام وأنواع الطيور لأجل اللهو والمفاخرة بها وقد ذم السلف ذلك.
السابعة: المرجع في تعيين الأمور التي لا فائدة فيها إلى أدلة الشرع وقواعده المعتبرة لا إلى أهواء الناس وأعرافهم الفاسدة. فقد يترك بعض الناس أمرا واجبا أو مستحبا متوهما أنه مما لا يعنيه وهو مطلوب شرعا كالأمر بالمعروف والدعوة وتربية الولد والعناية بالمصالح العامة في المجتمع المسلم وغير ذلك مما أرشد إليه الشرع. وفي المقابل قد يشتغل بعضهم بأمور ظنا منهم أنها مما تعنيه وهي مما لا فائدة فيها. ولذلك قد اصطلح كثير من الناس اليوم على الاهتمام بأمور واعتنوا بها وبذلوا أوقاتهم وأموالهم فيها وهي للأسف من سفاسف الأمور وفيها مخالفة للشرع وتشغل المسلمين عن معرفة الحق والعمل به.
الثامنة: لا يدخل في الأمور التي لا تعني المسلم المزاح المشروع من ترويح النفس واستجمام الروح وتطييب قلب المسلم وإدخال السرور على الأهل بالأمور المباحة فإن ذلك إذا كان بحدود الحاجة فقد أذن به الشرع وأباحه. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب أهله ويمازح أصحابه في حله وترحاله. وللمزاح واللهو المشروع ضوابط:
1- أن لا يشتمل على محظور شرعي.
2- أن لا يفضي إلى ترك واجب أو صد عن ذكر الله وإقامة الصلاة.
3- أن لا يؤدي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين.
4- أن لا يكون غالبا في كل الأحوال بل عارضا عند الحاجة له.
5- أن لا يكون فيه ضرر على مسلم أو ترويع له.
الثامنة: لا يدخل في الأمور التي لا تعني المسلم المزاح المشروع من ترويح النفس واستجمام الروح وتطييب قلب المسلم وإدخال السرور على الأهل بالأمور المباحة فإن ذلك إذا كان بحدود الحاجة فقد أذن به الشرع وأباحه. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب أهله ويمازح أصحابه في حله وترحاله. وللمزاح واللهو المشروع ضوابط:
1- أن لا يشتمل على محظور شرعي.
2- أن لا يفضي إلى ترك واجب أو صد عن ذكر الله وإقامة الصلاة.
3- أن لا يؤدي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين.
4- أن لا يكون غالبا في كل الأحوال بل عارضا عند الحاجة له.
5- أن لا يكون فيه ضرر على مسلم أو ترويع له.