وقال تعالى<< ما يَفْعلُ الله بعذابِكمْ إن شكرتُمْ و آمَنْتُمْ >>
وقال << وَ قَليلٌ مِن عِباديَ الشَّكور >>
وقال تعالى << لَئِنْ شكرتم لأزِيدَنّكمْ >>
ولما عرف ابليس قدر الشكر قال في الطعن علىبني آدم:<<ولا تَجِدُ أكْثَرَهمْ شاكِرينْ >>
وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قام حتى تفطرت قدماه ’ فقالت له عائشة رضي الله عنها: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال <<أفلا أكونُ عبدًا شاكرًا>>
و عن معاذ رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم <<إني أحبك فقلْ
اللهم أعنّي علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك >>
الشكر بالقلب واللسان والجوارح
*أما بالقلب : فهو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة.
*وأما باللسان: فهو إضهار الشكر لله بالتحميد.
*وأما بالجوارح : فهو استعمال نعم الله في طاعته’ والتوقي من الإستعانة بها على معصيته’
فمن شكر العينين : أن تستر كل عيب تراه لمسلم.
ومن شكر الأذنين : أن تستر كل عيب تسمعه .
والشكر باللسان : إظهارالرضى عن الله تعالى ’ وهو مأمور به .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم << التحدث بالنعم شكر ’ و تركها كفر.>>
وروي أن رجلين من الأنصار التقيا فقال أحدهما لصاحبه : كيف أصبحت؟ فقال : الحمد لله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : <<قولوا هكذا>>
وقال أبو عبد الرحمان الحبلي : إن الرجل إذا سلم على رجل ’ وسأله كيف أصبحت؟ فقال له
الآخر : أحمد الله إليك ’ قال : يقول الملك الذي عن يساره للذي عن يمينه : كيف تكتبها؟
قال : أكتبه من الحامدين. فكان أبو عبد الرحمان إذا سئل : كيف أصبحت؟ يقول: أحمد الله
إليك وإلى جميع خلقه.
فعل الشكر لا يتم الا بمعرفة ما يحبه الله
ان فعل الشكر وترك الكفران , لا يتم إلا بمعرفة ما يحبه الله تعالى, إذ معنى الشكر استعمال نعمه في محابه , ومعنى الكفران نقيض ذلك , إما بترك الإستعمال, أو استعماله فيما يكره.
ولتميز ما يحبه الله فيما يكرهه مدركان:
* أحدهما: السمع, ومستنده الآيات.
* والثاني : بصيرة القلب,وهو النظر بعين الإعتبار, فهو إدراك حكمة الله تعالى في كل موجود خلقه : إذ ما خلق الله تعالى شيئا في العالم إلا و فيه حكمة, و تحت الحكمة مقصود
وذلك المقصود هو المحبوب. وتلك الحكمة منقسمة الى جلية وخفية.
-أما الجلية: فكالعلم بأن الحكمة في خلق الشمس أن يحصل الليل والنهار, فيكون النهار
معاشا, والليل سباتا, فتتيسر الحركة عند الإبصار, والسكون عند الإستتار, فهذا من جملة
حكم الشمس, لا كل الحكمة فيها.
-أما الحكمة في خلق الكواكب, فخفية لا يطلع عليها كل الخلق وقد يطلعون على بعض
ما فيها من الحكم, وجميع أجزاء العالم لا تخلو منه ذرة عن حكمة, وكذلك أعضاء الحيوان
منها ما تبين حكمتة بيانا ظاهر, كالعلم بأن العين للإبصار, واليد للبطش, والرجل للمشي.
أن المرادمن خلق الخلق وخلق الدنيا وأسبابها, أن يستعين بها الخلق على الوصول الى الله
نعالى, ولا وصول إلا بمحبته, والأنس به في الدنيا, والتجافي عن غرور الدنيا, ولا أنس
إلا بدوام الذك, ولا محبة الا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر, ولا يمكن الدوام على الذكر والفكر
إلا بدوام البدن, ولا يبقى البدن إلا بالأرض والماء والهواء, و لا يتم ذلك إلا بخلق السماء
والأرض وخلق جميع الأعضاء الباطنة والظاهرة, وكل ذلك لأجل البدن, والبدن مطية النفس
والراجع إلى الله هي النفس المطمئنة بطول العبادة والمعرفة, ولذلك قال الله تعالى: << وما
خَلقْت الجِنّ ُو الإنْس إلا لِيعْبُدونِي>> فكل من استعمل شيئا في غير طاعة الله, فقد كفر نعمة
الله في جميع الأسباب التي لابد منها لإقدامه على تلك المعصية.
بيان النعم وحقيقتها وأقسامها
اعلم أن كل مطلوب يسمى نعمة, ولكن النعمة في الحقيقة هي السعادة الأخروية, وتسمية ما
عداها نعمة تجوز, والأمور كلها بالإضافة إلينا تنقسم أربعة أقسام:
* الأول: ما هو نافع في الدنيا والآخرة جميعا, كالعلم, وحسن الخلق, وهو النعمة الحقيفية.
* الثاني: ما هو ضار فيهما جميعا, وهو البلاء حقيقة.
* الثالث: ما ينفع فسي الحال, ويضر في المآل, كالتلذذ, واتباع الشهوات, فهو بلاء عند ذوي الأبصار, والجاهل يضنه نعمة.
* الرابع: الضار في الحال, النافع في المآل, وهو نعمة عند ذوي الألباب, بلاء عند الجهال.
اجتماع الصبر والشكر على وجه واحد
لعلك تقول: قد ذكرت أن لله تعالى في كل موجود نعمة, وهذا يشير إلى أن البلاء لا وجود له
أصلا, فما معنى الصبر, وإن كان البلاء موجودا, فما معنى الشكر على البلاء؟
وكيف يجتمع الصبر والشكر؟ فإن الصبر يستدعي ألما والشكر يستدعي فرحا, وهما متضادان.
غاعلم أن البلاء موجود, كما أن النعمة موجودة, وأنه ليس كل بلاء يؤمر بالصبر عليه,مثل
الكفر, فإنه بلاء, ولا معنى للصبر عليه, وكذا المعاصي, إلا أن الكافر لا يعلم أن كفره بلاء
فيكون كمن به علة وهو لا يتألم بها بسبب غشيته, والعاصي يعرف عصيانه, فعليه ترك
المعصية, وكل بلاء يقدر الإنسان على دفعه لا يؤمر بالصبر عليه, وإنما يكون الصبر على
ألم ليس للعبد إزالته, فإذا يرجع الصبر في الدنيا الى ما ليس ببلاء مطلق, بل يجوز أن يكون
نعمة وجهه, فلذلك يتصور أن يجمع عليه وظيفة الشكر ووظيفة الصبر.
ومن ذلك ابهام القيامة, وليلة القدر, وساعة الجمعة, وكل ذاك نعمة لأن الجهل يوفر الدواعي
على الطلب والإجتهاد, فهذه وجوه نعم الله تعالى في الجهل فكيف في العلم؟
وقد قلنا أن لله سبحانه في كل موجود نعمة, حتى إن الآلام قد تكون نعمةفي حق المتألم, وقد تكون
نعمة في حق غيره, كألم الكفار في النار في الآخرة, فإنه نعمة في حق أهل الجنة, إذ لو لم
يعذب قوم, ما عرف المتنعمون قدر نعيمهم. فأذا صح قولنا أن لله سبحانه في كل موجود نعمة
إماعلى جميع العباد, أو على بعضهم, ففي خلق الله تعالى البلاء نعمة أيضا, إما على المبتلى
أو على غيره, فيجتمع على العبد وظيفة الشكر والصبر في كل حالة لا توصف بأنها بلاء مطلق,
ولا نعمة مطلقة, فإن الإنسان قد يفرح بالشيءالواحد من وجه, ويغتم به من وجه, فيكون الصبر
من حيث الإغتمام, والشكر من حيث الفرح.
واعلم أن في كل فقر, ومرض, وخوف, وبلاء في الدنبا, خمسة أشياء ينبغي أن يفرح العاقل
بها, ويشكر عليها:
* أحدهما: أن كل مصيبة ومرض يتصور أن يكون عليه أكثر منها, لأن مقدورات الله تعالى
لا تتناهى, فليشكر إذ ام يكن أعظم.
* الثاني: أن المصيبة لم تكن في الدين.
* الثالث: أن ما من عقوبة إلا كان يتصور أن تأخر إلى الآخرة, ومصائب الدنيا يتسلى عنها
فتخفف, ومصيبة الآخرة دائمة, ومن عجلت عقوبته في الدنيا لم يعاقب ثانيا, قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : << إن كل ما يصاب به المسلم يكون كفارة له , حتى النكبة ينكبها
والشوكة يشكها>>.
* الرابع: أن هذه المصيبة كانت مكتوبة عليه في أم الكتاب, ولم يكن بد من وصولها إليه.
* الخامس: أن ثوابها أكثر منها, فإن مصائب الدنيا طرق إلى الآخرة.
ونسال الله ان نكون من الذاكرين الله كثيرا والشاكرين
(اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )