السؤال:
هل أنا منافقه؟ هذا هو السؤال الذي يتردد في ذهني؟ كيف أصبح مؤمنة حقا؟ لا أعرف ما هدفي؟ ما هو طريقي إلى أين أنا ذاهبة؟ وقتي يذهب سدى، أيام مضت وأنا متوقفة نعم. متوقفة في علاقاتي مع الله، لا خشوع في الصلاة, صلاه جوفاء قلب أجوف، متصلب، أقسى من الحجارة. أرجوكم أعيش في حيره دلوني على الطريق كيف أتخلص من هذه القيود؟ كيف أصل إلى الله؟
الجواب:
الأخت الفاضلة:
يبدو من حديثك هدير الحزن الذي تستشعرين به في قلبك، كما أشعر من نبرات كلماتك غلبة الاكتئاب والضيق عليك.
والحقيقة إنني – أيتها الأخت الكريمة – لم أجد للهروب من الحزن والاكتئاب أفضل من محاولة القرب من الله سبحانه والتبتل له سبحانه، والائتناس به، فهو ملجأ المهمومين وملاذ المكروبين، فلا طريق للخلاص إلا بالفرار إليه سبحانه، فبحضور قلبك إليه يعينك على كل هم وبمناجاته يكفيك الدنيا وما فيها..
أما عن تساؤلك هل أنت منافقة، فإنني ابتداء أشكر لك متابعتك لنفسك واهتمامك بشأن ذاتك لعل الله أن ييسر لك التوبة والقربى، لكنني أخشى أن تكون مشاعرك دافعا لك نحو سلبية العمل، فإن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال في شأن علامات المنافق: "
آيات المنافق ثلاث: إذ حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان"، فإن وجدت هذه الصفات عندك فليس لك إلا الفرار إلى الله وحده، والعودة إليه، والبراءة من تلك الصفات حتى لا تلتحقي بركبهم، وإن كانت بك صفة منها فاحرصي على تركها وحذفها من قاموس حياتك، ولا بأس أن يتهم المرء نفسه ويرجو زيادة إيمانها، لكن الغلط أن يكون اتهامه لنفسه مقعدا لها عن السير إلى الله.
وأما تساؤلك الثاني كيف تصبحين مؤمنة حقا؟ فالإيمان كما تعلمنا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، فما أيسرها من طلبات على قلب المؤمن الصادق، وما أصعبها على كل قلب آثم نافر لا يرجو الله واليوم الآخر، إنها أوامر لا ترجو منك غير استجابة وتصديق وتطبيق لذلك، مع جعل الله سبحانه أحب إليك من والدك وولدك ونفسك والناس أجمعين، ففي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
فالإيمان بالله يرتبط بحبك لله سبحانه، وبتنفيذ أوامره، والابتعاد عما نهى، واعلمي أن المحب لمن يحب مطيع. أما تساؤلك الثالث عن هدفك؟
فإن رجاءك مرضاة ربك هو أعظم الأهداف، وسعيك للجنة ونعيمها كذلك من أسمى الأهداف، ثم رجاؤك الإصلاح لنفسك ومجتمعك وأمتك هو هدف صالح أيضا.
ثم أهدافك الجزئية أو المرحلية أيضا، فمنها اهتمامك بإصلاح حياتك الخاصة، وبرك والديك وتعلمك القرآن والإسلام لمن أسمى الأهداف.
ثم سعيك لرضا زوجك وحسن التبعل له، هو باب لدخول الجنة كذلك وهو من أسمى الأهداف أيضا، ثم إحسان تربية أولادك ورعايتهم على أكمل وجه، وإعدادهم لخدمة الأمة هو أيضا هدف صالح آخر.. إلى غير ذلك من الأهداف الصالحة.
أما تساؤلك عن وقتك الذي يذهب سدى، فاعلمي أن المؤمن من بداية اليوم إلى آخره في طاعة لله سبحانه، فإذا جدد النية في العمل الذي هو بصدده لامتلأ اليوم بالانشغال الصالح والإنجاز الصالح، فاشغلي لسانك بالذكر فحينئذ تتضاعف الحسنات بكثرة الذكر فبرحمة الله تكونين قد اغتنمت اليوم كله.
أما عن قلة خشوعك في الصلاة فهو أمر قلبي لا يمكن لأحد أن يدفعك إليه إلا قلبك، لكنني أنصحك بأمرين أولهما الدعاء أن يهبك الله الخشوع، والثاني هو قراءة الآيات أثناء الصلاة بهدوء وتدبر معانيها، حتى ولو كانت أصغر السور، وحاولي استحضار قلبك أثناء القراءة فإن لم تتمكني، فعليك بالإكثار من النوافل فهي مكملات لما يضيع من فرضك.
أما تساؤلك الأخير عن قسوة قلبك التي تستشعرينها، فأذكرك بتلك الأبيات الشعرية الحكيمة التي تصف الموقف ولنخرج بعد قراءتها بالعلاج لذلك:
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها
وأنا لا أشعر منك بقسوة القلب كما ذكرتِ؛ لأن شعورك بالتقصير في العبادة دليل على حياة قلبك وليس دليلاً على قسوته، فارحمي قلبك بالدعاء والرجاء ومناجاته عز وجل والتباكي والبكاء من خشيته، والندم على ما فات وعزم الإصلاح.
هلا علمت أن الله سبحانه قريب فإذا رفعت عينيك إلى السماء ونظرت في عجيب قدرته في ما حولك لشعرت وأيقنت أن ذلك غذاء لقلبك للسير في الطريق إلى الله.
أيتها الأخت.. إن الدين يسر فلا تعسري على نفسك، ولا تحقري من شأنك تحقيراً يمنعها من الإنجاز والأداء، ولا تكثري التساؤلات المتتابعة بشكل سلبي ينتقص من عملك فتصابين بالتشتت والتردد.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم" رواه البخاري ومسلم.