ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الســــــؤال : تعلمون ما انفتح على الناس في هذا الزمان من
حب الدنيا والاستغراق في الملاهي والشهوات، وما يخطط له
أعداء الإسلام ، نريد كلمة لمـــن يسمع هذا الكلام أو يقرأه ،
أو نصيحة في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وعودة إلى
كتاب الله سبحانه وتعالى ؟
الجواب : أظن أنه لا شيء أشد تأثيراً من المواعظ في القرآن
الكـريم ، والله تعالى أجمل ذلك بقوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ، إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا
مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) فاطر : 5 – 6 .
هاتان الآيتان من أعظم ما يكون موعظة لمن تبصر ، وعد الله
حق سواءٌ كان للذي وعد به أجراً وثواباً للصالحين، أو عقوبة
ونكالاً للعاصين، هو حق، صدق، ثابت، لابد أن يقع ، ثم قال :
( فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) فتصدكم عـما أمر الله به أو توقعكم
فيما نهــى الله عنــــه ، والحياة الدنيا في الحقيقة تغر الإنسان
الأبله السفيه ، أما الإنسان العاقل الكيس فإنها لا تغره، وكيف
تغر الدنيا إنساناً وهي فـــي الحقيقة مشحونة ومملوءة بالهم
والغم والتنغيص والكدر ، وكما قال الشاعر الأول :
لا طيب للعيش ما دامت منغصة
لذاته فــي ادكار الموت والهرم
أنت ترى الإنسان في يومك على ظهر الأرض، وفـي غدك في
باطن الأرض ، والــذي مــــر عليه أفلا يجوز أن يمر عليك ؟
الجواب : بلى ، يمكن أن تكون اليوم في عالم الدنيا وغداً في
عالم الآخرة ، فكيــف تغتر بدار لا يدري الإنسان متى يرتحل
عنهـــا ، بدار الارتحال عنها ليس بيدك ، بدار لا يدري ربما
يبقى ما هو فيه من الرفاهية وربما يزول .
فالحاصل : أن الإنسان يجب ألا تغره الدنيا، وأن يتبصر فــي
أمره ، وأن يعلــم أنه في الدنيا عابر إلى مقر آخر ، حتى مقر
القبور ليس مقراً بل هو زيارة كما قال تعالى (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ،
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) التـكاثـر :1-2 ، والمقر هو إما الجنة
وإما النار ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة .
فـــلا ينبغــي للإنسان العاقل أن تغره الدنيا ( وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ
الْغَرُورُ ) الشيطان وأولياء الشيطان ، فالغرور اســـم جنـــس
ليس خاصاً بالشيطان بل هو عام للشيطان وأوليائه، فما أكثر
شياطين الإنس الذين يغرون الإنسان، ويسفهونه ، ويوقعونه
فيـــما يندم عليه ، وهم جلساء السوء الذين حذر منهم النبي
عليــه الصلاة والسلام حيــــث قــال ( إن مثل الجليس السوء
كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه رائحة
كريهة ) (1) .
ثم بين الله عز وجل أن الإنسان لا يغتر بالدنيا إلا من عدوٍ له
وهو الشيطان ، فقال ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً )
وصدق الله ، والآية هنا فيها خبر وطلب ، الخبر قولـــه ( إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ) والطلب ( فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ) أمــرنا الله أن
نتخذه عدواً .
فإذا قال قائل: كيف أعلم أن هذا من الشيطان أو من الرحمن؟
قلنــا : إذا كــان الــذي وقــع فــي قلبك حباً للمعاصي وكراهة
للطاعات فهو من الشيطان، ومعلوم أنه إذا كان حباً للطاعات
وكرهاً للمعاصي فهو من الرحمن عز وجل، هذه العلامة، قال
الله تعالى ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ) ، وقال
تعالى ( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) لكنهم
جهال لا يدرون سفهاء ، يظنون أن هذا هو الخير، أو يملي
لهم الشيطان ويقول : افعل ثم تب ، ثم يفعل ولا يتوب .
نسأل الله أن يقينا شرور أنفسنا وشر أعدائنا .
لقاء الباب المفتوح ( الشريط 86 – الوجه الأول )
للشيخ : محمد العثيمين
…
(1) أخرجه البخاري بلفظ : ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل
المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه
وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك
وإما أن تجد ريحا خبيثة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا،
ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا،
برحمتك ياأرحم الراحمين
بارك الله فيك أزهار