أخواتي الحبيبات .. فهذه نفحات طيبة أسوقها إليكم لعلّي أفيدكن بها فأكسب منكن دعوة بظهر الغيب … وأسأل المولى أن يوفقني في تقديم مقالات تفيدكنّ في حياتكنّ الدينيّة والدنيويّة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أكرمنا الله تعالى بالانتساب إلى خير الأمم، أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأمة التي شاء الله تبارك وتعالى أن تكون آخر الأمم، تحمل رسالة الله تبارك وتعالى إلى آخر الدنيا. يقول الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (الفتح:28). ويقول: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110). ويقول: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} (النور:55). هذه الآيات وغيرها كثير تبين أن اختيار الله للأمة المحمدية لتكون هذه الأمة العزيزة القائمة بأمر الله تبارك وتعالى في كل العصور إلى آخر الدنيا، وأن الله تبارك وتعالى لابد أن يمكن لها دينها الذي ارتضاها لها، كما قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (المائدة:3)، فالملة والدين والطريق الذي ارتضاه الله عز وجل لهذه الأمة قد أخبر الله تبارك وتعالى أنه سيمكن له في الأرض وأنه سيبقى إلى قيام الساعة، كما قال صلى الله عليه وسلك: [لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون] (أخرجه أحمد (4/244،248،252) والبخاري (6/632-13/293،442 الفتح) ومسلم(1921) عن المغيرة بن شعبة). هذه الأمة العظيمة، لا شك أنها لم تقم إلا بجهود عظيمة، جهود النبي صلى الله عليه وسلم والعصبة المؤمنة التي التفت حوله، ودعت إلى الله تبارك وتعالى وقاتلت في سبيله، ثم هذه الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل من العلماء، والوعاظ، والعباد، والدعاة، والمجاهدين في سبيل الله، فالأمة الإسلامية بحمد الله قد بقي فيها الدين، وبقي فيها الجهاد، وبقي فيها ما شاء الله عز وجل أن يبقى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا توجد أمة في الأرض من أمم الأنبياء كان لها ما لهذه الأمة من جهاد وبذل، وتضحية وإعلاء لكلمة الله عز وجل، فلو نظرنا في تاريخ اليهود، وهي أمة أكرمها الله عز وجل يوماً من أيامها، وجعلها خير أمم الأرض في وقتها، كما قال تعالى في شأنهم: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} (البقرة:47،122). وقال أيضاً: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} (الدخان:32). وهذا في بني إسرائيل، {وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين} (الدخان:33). لو نظرنا، وقارنا بين الصالحين والقائمين بحدود الله وأمر الله في هذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمة موسى عليه السلام وجدنا الأمر شتان. شتان بين تلك الأمة وهذه الأمة، في قيامها بأمر الله عز وجل وكثرة الصالحين والمصلحين، ووجود جيل بعد جيل يدعو إلى الله تبارك وتعالى، ويجاهد في سبيل الله. وكذلك أمة عيسى عليه السلام في كتاب الله أمة عظيمة داعية إلى الله، ولكن شتان بين من بقي على الدين والتوحيد من قوم عيسى عليه السلام وقام بأمر الله عز وجل حق القيام، وبين هذه الأمة الإسلامية التي ركزت واستقرت فيها عقيدة التوحيد، واستقر فيها كثير من أعمال الصلاح والتقوى، كالصلاة والصوم والزكاة والحج والهجرة والجهاد، وكثير من شعب الإيمان، فإذا نظرنا إلى شعب الإيمان التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: [الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان] (أخرجه مسلم وغيره، وانظر تخريجه في الصحيحة للألباني (1769)). أقول: لو نظرنا إلى شعب الإيمان التي تشتمل بالطبع على التوحيد والصلاة والصوم والزكاة والحج والهجرة وغير ذلك مما أمر الله عز وجل به من وجوه الإحسان، أقول: لو نظرنا إلى شعب الإيمان كلها لما وجدنا أمة من الأمم طبقت هذه الشعب كأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فما زال فيها عبر أجيالها المتعاقبة فئام ( الفئام هي المجموعة الكثيرة من الناس ) وأعداد كبيرة متزايدة من الناس تطبق كثيراً من شعب الإيمان، ولا مقارنة بينها وبين بقايا اليهود والنصارى. ولا شك كذلك أن أمتنا قد اعتراها من الوهن ومن الضعف، ومن الفساد، ومن فشو المنكرات ما أصاب الأمم، قبلها، ولكن لا مقارنة بين أنواع الفساد التي دبت في هذه الأمة، وبين ما اعترى تلك الأمم من فساد، فأمة موسى وأمة عيسى صلوات الله وسلامه عليهم، لا شك أنهما من الأمم المهتدية ولكنهما انحرفتا انحرافاً كاملاً ولم يبق فيهما على الصلاح قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا قليل، ولا مقارنة بين تلك الأمم، وبين أمم الكفر والضلال، فأمم الكفر والضلال ممن انتحلوا آلهة غير الله عز وجل وكذبوا بالرسل أجمعين، وعبدوا ما عبدوا من أصناف الآلهة المزعومة.. لا شك أنه لا مقارنة بين أمم الهداية وبين أمم الضلال والكفر، فلا مقارنة بين الصلاح الذي في هؤلاء والصلاح الذي في أولئك. أقول هذا حتى يستقر في نفوسنا حقيقة أولية، وهي أن هذه الأمة الإسلامية برغم ما فيها من ضعف وتفكك وانحلال إلا أنها أعظم قياماً بأمر الله تبارك وتعالى من حيث الجملة، وتنفيذاً لكثير من شعائر الدين ومن شعب الإيمان هذه الأمة لا ينبغي بتاتا أن ينظر إليها على أنها ليست أمتنا كما يقول البعض بل هي أمتنا؛ نحن ننتمي إليها، ولا شك أن الحساب عند الله تبارك وتعالى إنما هو بالتفاضل {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة:7،8). فالإيمان درجات، والصلاح درجات، وكذلك الكفر درجات، والفسق درجات، ففي إطار هذه الأمة، أولاً.. ينبغي أن نعتقد أنها أمتنا، وأننا ننتمي إليها، وأنها خير أمم الأرض بالرغم مما فيها من علل وأمراض وأنه لا يجوز أن يخرج من هذه الأمة إلا من أخرجه القرآن.
وأحسن إليك فيما قدمت
دمت برضى الله وإحسانه وفضله