"فانظر إلى أبينا آدم أبي البشر من له تلك المميزات ومع هذا وقع في الخطأ، فوقوع الأخطاء في أي زمان وفي أي مجتمع ليس أمرا غريبا، إنما الغريب أن يستمر الناس على الخطأ، والغريب أن لا يعالج الخطأ، ولكن كيف يعالج الخطأ؟ إنه لا يعالج إلا بالأسلوب الحكيم والبصيرة في الأمور كلها.
والمنتسبون إلي العلم يعالجون كل قضية بحكمة وبصيرة وروية، يدرسونها، وينظرونها من كل الجوانب فإذا تصوروا الأمر التصور الصحيح ووضح عندهم وضوحا بينا وأدركوا القضية، وما يترتب عليها في الحاضر وما عسى أن سيكون- لأن علم الغيب عند الله- ودرسوها دراسة جيدة وتوصلوا إلى حلول مناسبة تعالج أي قضية، تقدموا إلى المسئولين بطريقة حكيمة، والمسئولون ولله الحمد لم يغلقوا أبوابهم أمامنا، ولم يوصدوها أمامنا بل هم يقبلون النصيحة، لكن الأمور تحتاج منا إلى حكمة، وتحتاج منا إلى روية، ويحتاج طالب العلم أن ينطلق من تصوره المنطلق الصحيح، لا شك أن هناك غيورين ومتحمسين يحملهم دين وتقى لا شك، لكن قد يفقدون الحكمة أحيانا، وقد يوسعون الهوة أحيانا، وقد يتسببون في حدوث تصادم أحيانا، وهذا أمر لا يليق، إنما طلاب العلم يتميزون برويتهم في الأمور وتبصرهم في المواقف وعلاجهم للقضايا على مستوى من العقل والعلم والإدراك، وأما أن نشيع أن هناك عدوا داخليا، وأن هناك وأن هناك حتى لو قدر أني أعلم شيئا من هذا فليست مهمتي أن أضخم هذه الأمور وأن أخيف الناس بكذا، لأني لا أريد أن أشيع الفاحشة بين المؤمنين، ولا أريد أن أفتح هوة، أقول إن مجتمعنا منفصل، لا، مجتمعنا مجتمع إسلامي إن شاء الله، ومجتمعنا مجتمع متوحد إن شاء الله، والزلات والهفوات هذه أمور لا يمكن أن يخلو أي زمن منها.
إن العالم الإسلامي واجه مثل هذه الأمور في القرن الثاني بعد التابعين وتابعيهم عندما قال قوم بخلق القرآن، وماذا نتج عن ذلك، وكيف كان الإمام أحمد وأمثاله يعالجون هذه القضية بحكمة وبصيرة إلى أن وفقهم الله فصبروا وكان صبرهم عن علم حتى اتضح الحق وانجلى وافتضح الباطل واندمر.إن علماء الأمة قديما لا يعالجون القضايا بتعظيمها وتضخيمها، نحن نعلم أن الدنيا لا تخلو من خطأ والله تعالى أخبرنا أن أولادنا قد يكونون أعداء لنا وأنهم فتنة لنا، هل نقول الأولاد أعداء فنهجرهم، هذا لا يصح؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم نعمة، ولكن منهم من قد يكون عدوا لأبيه، وما نوع تلك العداوة، إنه لا ينبغي لطلاب العلم إذا حلت مشكلة أن يصوروها بشيء ربما يستثير عواطف من لا يحسن ولا يتبصر، وإنما تعالج القضايا بين أروقة العلماء، وفي مجتمعاتهم الخاصة دراسة وتبصرا وإدراكا للعواقب وتصورا للنتائج، ثم رفع ذلك إلى ولاة الأمر بطريقة أدبية يقصد من خلالها تحقيق المصلحة العامة، أما العواطف والحماس الذي قد يخرج عن طوره وقد لا ينضبط وقد يترك أثرا غير سليم فلا أوصي به إخواني ولا أنصحهم بذلك"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ عبد العزيز ال الشيخ
وبارك الله فيك