ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ
ﺗﺒﺪﺃ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻣﻦ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ ، ﻭﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺨﺮﻭﺝ ﺭﻣﻀﺎﻥ ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﻧﺎﻗﺼﺎً ﺃﻭ ﺗﺎﻣَّﺎً ، ﻓﺈﻥ ﻧﻘﺺ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﻓﻬﻲ ﺗﺴﻊ ، ﻭﺇﻃﻼﻕ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻐﻠﻴﺒﺎً ﻟﻸﺻﻞ.
ﻭﻟﻠﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻣﺰﻳﺔُ ﻓﻀﻞٍ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺍﻹﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺤﻴﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ، ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﺷﻬﺮ.
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲُّ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ، ﻭﺍﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ، ﻭﻳﺠﺘﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
ﻓﻔﻲ "ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ" ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :"ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲُّ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﻌﺸﺮُ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﺷﺪَّ ﻣﺌﺰﺭَﻩُ ، ﻭﺃَﺣﻴﺎ ﻟﻴﻠﻪُ ، ﺃﻳﻘﻆ ﺃﻫﻠﻪُ". ﻭﺯﺍﺩ ﻣﺴﻠﻢ : "ﻭﺟﺪَّ ﻭﺷﺪَّ ﺍﻟﻤﺌﺰﺭ".
ﻭﻣﻌﻨﻰ "ﺃﺣﻴﺎ ﻟﻴﻠﻪ" ﺃﻱ : ﺍﺳﺘﻐﺮﻗﻪ ﺑﺎﻟﺴﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﻭﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﺟﻤﻴﻞ ، ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻣﻴﺖ ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺃﺧﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺻﺤﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﺟﻤﻊ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺴﺪ ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ : "ﻣﺜﻞُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺬﻛﺮُ ﺭﺑَّﻪ ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺬﻛﺮُ ﺭﺑَّﻪ ، ﻣَﺜﻞُ ﺍﻟﺤﻲِّ ﻭﺍﻟﻤﻴِّﺖ". ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻞ : {ﻭَﻣَﻦ ﻛَﺎﻥَ ﻣَﻴْﺘَﺎً ﻓَﺄَﺣْﻴَﻴْﻨَﺎﻩُ} [ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ : 122].
ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ : "ﻻ ﺃﻋﻠﻢُ ﻧﺒﻲَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺮﺃ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻠَّﻪ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ، ﻭﻻ ﺻﻠَّﻰ ﻟﻴﻠﺔً ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﺒﺢ ، ﻭﻻ ﺻﺎﻡ ﺷﻬﺮﺍً ﻛﺎﻣﻼً ﻏﻴﺮَ ﺭﻣﻀﺎﻥ". ﻓﻴُﺤﻤﻞ ﻗﻮﻟﻬﺎ : "ﻭﺃﺣﻴﺎ ﻟﻴﻠﻪ" ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﻠﻴﻞ ، ﺃﻭ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ، ﻟﻜﻦ ﻳﺘﺨﻠَّﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﺴﺤﻮﺭ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﻓﺎﻟﻤﺮﺍﺩ : ﺇﺣﻴﺎﺀ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻠﻴﻞ.
ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﻳﻘﺎﻅ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﻫﻠﻪ ﻟﻠﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ :
ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ : "ﻭﺃﻳﻘﻆ ﺃﻫﻠﻪ" ﺃﻱ : ﺃﻳﻘﻆ ﺃﺯﻭﺍﺟﻪ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻮﻗﻆ ﺃﻫﻠﻪ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺴَّﻨﺔ ؛ ﻟﻜﻦ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻠﻴﻞ ، ﻓﻔﻲ "ﺻﺤﻴﺢ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ" ﻋﻦ ﺃﻡ ﺳَﻠَﻤﺔَ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ : ﺍﺳﺘﻴﻘﻆ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺫﺍﺕ ﻟﻴﻠﺔٍ ﻓﻘﺎﻝ : "ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ! ﻣﺎﺫﺍ ﺃُﻧﺰﻝ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔَ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻦ ، ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻓُﺘﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺰﺍﺋﻦ، ﺃﻳﻘﻈﻮﺍ ﺻﻮﺍﺣﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤُﺠَﺮ ، ﻓَﺮُﺏَّ ﻛﺎﺳﻴﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﺎﺭﻳﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ".
ﻭﻛﺎﻥ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻄﺮﻕ ﺍﺑﻨﺘﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ، ﻭﻳﻘﻮﻝ : "ﺃﻻَ ﺗﻘﻮﻣﺎﻥ ﺗﺼﻠِّﻴﺎﻥ ؟".
ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻳﻘﺎﻇﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻷﻫﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺃﻇﻬﺮ ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺴَّﻨﺔ.
ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ :
ﻓﻔﻲ "ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ" ﺗﻘﻮﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ : "ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺠﺘﻬﺪُ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺠﺘﻬﺪُ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ".
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : "ﻭﻳُﺴﻦُّ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ".
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲُّ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﺷﺪَّ ﺍﻟﻤﺌﺰﺭَ ، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ "ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ" ، ﻭﻗﺪ ﺗﻘﺪَّﻡ.
ﻭﺷَﺪُّ ﺍﻟﻤﺌﺰﺭ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﻭﺍﻟﺘﺸﻤﻴﺮ ﻟﻬﺎ ؛ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ : ﺷﺪﺩﺕ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺌﺰﺭﻱ ، ﺃﻱ : ﺷﻤَّﺮﺕُ ﻟﻪ ﻭﺗﻔﺮِّﻏﺖ.
ﻭﻗﻴﻞ : "ﺷﺪَّ ﻣﺌﺰﺭﻩ" ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺍﻋﺘﺰﺍﻝ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﺠﻤﺎﻉ ، ﻭﻫﻮ ﺍﻷﻗﺮﺏ ، ﻓﻬﺬﻩ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﺮﺏ ، ﻗﺎﻝ ﻗﺎﺋﻠﻬﻢ :
ﻗَﻮﻡٌ ﺇِﺫﺍ ﺣﺎﺭَﺑُﻮﺍ ﺷَﺪُّﻭﺍ ﻣَﺂﺯِﺭَﻫُﻢ ﻋَﻦِ ﺍﻟﻨِّﺴﺎﺀِ ﻭَﻟَﻮ ﺑﺎﺗَﺖْ ﺑِﺄﻃﻬﺎﺭِ
ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺗﺤﺮِّﻱ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ :
ﻓﻤﻦ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻀﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﺃﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ، ﻭﻫﻲ ﺃﻋﻈﻢ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ، ﻓﻬﻲ ﺧﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﺷﻬﺮ ، ﻓﻠﻮ ﻗُﺪِّﺭ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻭﻳﻮﺍﺻﻞ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺭﺑﻪ ﻗﺮﺍﺑﺔ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻭﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ؛ ﻟﻜﺎﻥ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﻄﻮﺍﻝ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺇﻧﻌﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ، ﻭﻓﺘﺢ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺸﻤﻴﺮ ﻭﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺴﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺤﺼِّﻠﺔ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ، ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺪ ، ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﻪ.
ﻗﺎﻝ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺴِّﺮﻳﻦ : "ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺃﻟﻒ ﺷﻬﺮ".
ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﺗﺎﺭ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﺃﺭﺟﻰ ؛ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﺃﻗﺮﺏ.
ﻭﺃﻗﺮﺏ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﺒﻊ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ؛ ﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃُﺑَﻲِّ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ، ﻭﺳﻴﺄﺗﻲ ﺑﺘﻤﺎﻣﻪ.
ﻓﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺮَّﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ، ﻭﺃﻥ ﻳﺤﻴﻲ ﻭﻗﺘﻪ ﺫﻛﺮﺍً ﻭﺗﺴﺒﻴﺤﺎً ﻭﺗﻼﻭﺓ ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺎﺭﺍً.
ﻭﻳﺴﺘﺤﺐ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ ؛ ﻟﻘﻮﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : "ﺍﻟﺘﻤﺴﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ". ﻭﺇﻧَّﻤﺎ ﺗﻠﺘﻤﺲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ، ﻻ ﺑﺄﻥَّ ﻟﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﻭﻫﻴﺌﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺨﻼﻑ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ، ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﺇﻧﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : {ﺇِﻧَّﺂ ﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎﻩُ ﻓِﻲ ﻟَﻴْﻠَﺔٍ ﻣُﺒَﺎﺭَﻛَﺔٍ ﺇِﻧَّﺎ ﻛُﻨَّﺎ ﻣُﻨﺬِﺭِﻳﻦَ * ﻓِﻴﻬَﺎ ﻳُﻔْﺮَﻕُ ﻛُﻞُّ ﺃَﻣْﺮٍ ﺣَﻜِﻴﻢٍ} [ﺍﻟﺪﺧﺎﻥ : 3 – 4] ، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : {ﻟَﻴْﻠَﺔُ ﺍﻟﻘَﺪْﺭٍ ﺧَﻴْﺮٌ ﻣِﻦْ ﺃَﻟﻒِ ﺷَﻬْﺮٍ {3} ﺗَﻨَﺰَّﻝُ ﺍﻟﻤَﻼَﺋﻜَﺔُ ﻭﺍﻟﺮُّﻭﺡُ ﻓِﻴﻬَﺎ ﺑِﺈﺫْﻥِ ﺭَﺑِّﻬِﻢ ﻣِﻦْ ﻛُﻞِّ ﺃَﻣْﺮٍ {4} ﺳَﻼَﻡٌ ﻫِﻲَ ﺣَﺘَّﻰ ﻣَﻄْﻠَﻊِ ﺍﻟﻔَﺠْﺮِ} [ﺍﻟﻘﺪﺭ : 3-5]. ﻓﺒﻬﺬﺍ ﺑﺎﻧﺖ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ.
ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺍﻋﺘﻜﺎﻑ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ :
ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺟﻞَّ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺮ ، ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺗﻔﺼﻴﻠﻪ ، ﻭﻟﻮ ﺍﻋﺘﻜﻒ ﻟﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﻭ ﺑﻌﺾ ﻳﻮﻡ.
ﻭﻣﻘﺼﻮﺩﻩ : ﻋﻜﻮﻑ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺓ ﺑﻪ ، ﻭﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﺍﻟﻤﻌﺘﻜﻒ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻓﻴﻪ ، ﻣﻊ ﺍﺣﺘﺴﺎﺏ ﺍﻷﺟﺮ ، ﻭﺍﺳﺘﺸﻌﺎﺭ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻨﻪ ، ﻭﺃﻥ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﺴﺠﺪﻩ ، ﻭﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻻ ﻟﺤﺎﺟﺔ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ، ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻭﺍﻷﺫﻛﺎﺭ ﻣﻄﻠﻘﻬﺎ ﻭﻣﻘﻴﺪﻫﺎ ، ﻛﺎﻟﺮﻭﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﻀﺤﻰ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ، ﻭﺃﺫﻛﺎﺭ ﻃﺮﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ، ﻭﺃﺩﺑﺎﺭ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ، ﻭﺍﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ، ﻭﺍﻹﻗﻼﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﻨﻮﻡ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ، ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻲ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ.
ﻭﻳﺴﺘﺤﺐ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺒﺬﻝ ﻭﺍﻟﺠﻮﺩ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺳﺮﻑٍ ﻭﻻ ﻣﺨﻴﻠﺔ ؛ ﻟﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ "ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ" ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎﻝ : "ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲُّ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺟﻮﺩُ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥُ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ".
ﻗﺎﻝ ﻓﻲ "ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻉ" : ﻭﺍﻟﺠﻮﺩ ﻭﺍﻹﻓﻀﺎﻝ ﻣﺴﺘﺤﺐ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺍﻷﻭﺍﺧﺮ ﺃﻓﻀﻞ ؛ ﺍﻗﺘﺪﺍﺀً ﺑﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﻟﺴﻠﻒ ؛ ﻭﻷﻧﻪ ﺷﻬﺮ ﺷﺮﻳﻒ ، ﻓﺎﻟﺤﺴﻨﺔ ﻓﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ؛ ﻭﻷﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺑﺼﻴﺎﻣﻬﻢ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ، ﻓﻴﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺳﺎﺓ".
زاد الصائم