يجب علينا الآن دراسة التاريخ ففيه العبرة والعظة
المحن التى يمر بها المسلمون
سببها و طرق الخلاص والدروس المستفادة
منها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
إن الناظر إلى أحوال الأمة الإسلامية اليوم يلحظ تأخرها بعد تقدمها، وذلها بعد عزها، واحتلالها بعد سيطرتها؛ إنَّ العالم الإسلامى لم يكن أشد هواناً على نفسه من الآن، ولا أشد ضعفاً ولا تخاذلاً
لا ضياعاً فى كل اتجاه من الآن. وسنتكلم اليوم على محنة من أشد المحن التى تعرض لها وهىَّ محنة البوسنة والهرسك. يقول الشيخ محمد قطب فى مقدمة كتابه : دروس من محنة البوسنة والهرسك
ويقول:
–أهمل الناس "الدنيا" بتأثير الصوفية {انتشرت الصوفية فى اواخر عهد الدولة العثمانية مما تسبب فى انهزامها امام قوى الشر من اليهود والنصارى} أهملوا كذلك "العلم" المتعلق بالحياة يا، من طب، وفلك، ورياضيات، وفيزياء، وكيمياء، فتأخرت الصناعة تبعاً لذلك، وتأخرت كذلك فنون الحرب وأدواته . . فمنذ القدم كانت فنون الحرب تعتمد في جانب مهم منها على التقدم العلمي والصناعي .
–وحين كان المسلمون يهملون علومهم وصناعاتهم، ويتأخرون في فنون القتال، كانت أوربا – بما تعلمته من علوم المسلمين – تتقدم علميًّا، وصناعيًّا، وتستجد للحرب أدوات جديدة لا يعرفها المسلمون .
وحين كانت أوربا "تتخذ الأسباب" للتمكين في الأرض، كانت الأمة الإسلامية "تتخذ الأسباب" لإهمال الحياة الدنيا والبعد عن التمكين!
– وحين تلاقت الفئتان كانت النتيجة معروفة!
–بدأت الدول الصليبية تنهش في جسم الدولة العثمانية، وتبتلع من الأرض الإسلامية قطعة وراء قطعة، والأمة مشغولة "بالذكر" لا على المنهج القرآني الذي يذكّر بمقتضيات لا إله إلا الله، فيدفع إلى القوة والتمكين، ولكن على منهج الصوفية الذي يهرب من المواجهة في عالم الشهادة زاعماً أنه يتوغل في عالم الغيب . . يتوغل حتى يصل إلى " الفناء"!!
–وبدأ "الرجل المريض" يترنح من توالي الضربات . .
هزيمة هنا وفتنة هناك . . وما يكاد يقضي على فتنة في أحد الأرجاء حتى تكون قد برزت فتنة جديدة في مكان جديد . . والصليبية الصهيونية تخطط وتُحْكِمُ الكيد، والأمة مشغولة بأضرحتها وأوليائها ومشايخها تستغيث بهم ليكشفوا عنها الضر، ويصدوا عنها العدو الذي يكتسح في كل يوم جزءاً من الأرض التي رواها الأجداد بالدماء .——انتهى
محنه البوسنة والهرسك
، حيث تكالب الغرب عليها من كل صوب وأذاقوا شعبها الويلات
ارتكب الجنود الصرب فظائع كثيرة في حق المسلمين البوسنيين، وكان كل شيء بعلم الكنيسة الأرثوذكسية وأوامرها؛ كان تركيز الصرب -في المناطق التي احتلوها- على أئمة المساجد ورجال الدعوة؛ حيث يتم شنقهم وتعليقهم على مآذن المساجد!!، كما حاول الصرب الأرثوذكس تنصير العديد من المسلمين، ونجح الرهبان في خطف (50 ألف طفل بوسني) من المستشفيات ومراكز اللاجئين، وتم شحنهم في حافلات إلى بلغراد، ثم إلى جهة تنصيرية ألمانية.
قام الجنود بقطع إصبعين وترك ثلاثة أصابع للضحايا كرمز على التثليث، ورسم الصليب على الأجسام بالسكاكين والحديد، كما أصدرت الكنيسة فتوى تبيح اغتصاب الصرب للمسلمات؛ فتم اغتصاب آلاف الفتيات. وسنذكر هذا بالتفصيل قريباً
ولكى نفهم هذه المحنة نوضح بايجاز بعض المعلومات عن البوسنة…..
اين تقع البوسنة؟؟
-هي إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة. تقع في منطقة البلقان بجنوب أوربا، يحدها من الشمال والغرب والجنوب كرواتيا الكاثوليكية، من الشرق صربيا الأرثوذكسية ومونتينجرو "الجبل الأسود"، لها منفذ من جهة الجنوب الغربي على البحر الأدرياتيكي تحتله كرواتيا.
تبلغ مساحة البوسنة 51129 كم2 وتمثل البوسنة جغرافيًا المناطق الوسطى والشرقية والغربية من البلاد، أما "هرسك" فهي اسم منطقة حوض نهر "نيريتفا"، ومن الناحية السياسية فالبوسنة والهرسك كانتا في السابق منطقتين تفصل بينهما سلسلة جبال إيفان، ثم اندمجتا على يد ملك البوسنة "بان كوترومانيتش" (1322م – 1353م) ومنذ ذلك الوقت ظلتا دولة واحدة وإن كثر الكروات في الهرسك.
بالقرب من مدينة موستار يمكن زيارة منبع نهر "نيريتفا" ورؤية قلعة حجرية في أعالي الجبال كانت تعود للملك "هرسك" الذي سميت الأراضي التابعة له باسمه. ينحدر شعب البوسنة والهرسك من "العرق السلافي"
وخلال الحكم العثماني (1463م-1878م) أسلم جزء من البوسنيين أطلق عليهم اسم البوشناق، وقد أخذوا الكثير من حياة الأتراك وطبائعهم؛ إذ إن الأتراك هم النافذة الأولى التي أطلوا منها على الإسلام.
-أهم المدن في البوسنة
سراييفو
مدينة سراييفو هي عاصمة البوسنة والهرسـك، أسسها الغازي "خسرو بك" واهتم ببنائها وتعميرها ويعتبر مسجد الغازي "خسرو بك" (أنشئ عام 1531م) من أكبر وأجمل مساجد البوسنة وإلى جانبه بنيت مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم.
موستارمدينة موستار من أهم مدن البوسنة، العدد الإجمالي لسكان "موستار" بمائة ألف نسمة؛ يمثل الكروات فيها الغالبية، بينما يمثل المسلمون أكبر أقلية بها.
تاريخ البوسنة
-في الزمن القديم كان سكان البلقان من قبائل تُدعى قبائل "إليريه".
– بحلول القرن السابع الميلادي أخذت منطقة البلقان تتعرض لغزو جديد، حيث أخذت قبائل تُدعى "سقلبية" تغزو مناطق إليريه، ومن قبائل السقالبة من يُطلق عليهم السلافيون الروس الذين اتجهوا إلى روسيا، والأوكرانيون الذين اتجهوا إلى أوكرانيا، والبولنديون الذين اتجهوا إلى بولندا، والتشيكيون الذين اتجهوا إلى تشيكوسلوفاكيا، والسلوفيون الذين اتجهوا إلى سلوفانيا، والصرب الذين توجهوا إلى صربيا، والكروات الذين سكنوا كرواتيا، والبشناق الذين كوَّنوا البوسنة والهرسك.
-ومع قدوم القرن التاسع الميلادي تم تنصير القبائل السلافية، لتقوم بعد ذلك دولتان هم دولة الصرب الأرثوذكس في الجنوب، ودولة الكروات الكاثوليك في الشمال، وامتد الصراع بينهم إلى الآن، وظلت بلاد البشناق منطقة نزاع تتعرض لضغط من الصرب الأرثوذكس تارةً ومن الكروات الكاثوليك تارةً أخرى.
–ظل البشناق في صراع مع الدولتين، حتى إحتدم الصراع بعد تكوين البشناق لدولتهم الأولى سنة (1137م)، وهي دولة قائمة على المذهب البوغوميلي. فزاد الضغط عليهم من البابا ومن ملوك المجر، وأصبح البشناقيون يتعرضون لجرائم كبرى أودت بحياة الكثير منهم.
ظل البشناق أو البوغوميليون صابرين على ما يتعرضون له من إيذاء لأكثر من مائتين وخمسين سنة، بدأ بعدها نور الإسلام يشع على المنطقة، عندما بدأ الإسلام الدخول لصربيا بعد فتح العثمانيين لها.
-فلما شعر البوغوميليون بعدل الإسلام وقوة الدولة العثمانية آنذاك، أقبلوا يطلبون العون من حملة "تيمورلنك" ولكن أُخرت الاستجابة لطلبهم إلى عام 1463م حين دخل الإسلام بلاد البشناق.
-فدخل العديد من السكان والكثير من السلاف المسيحيين إلى الإسلام، وحسن إسلامهم،
-ومنذ ذلك الحين لم تتوقف البوسنة والهرسك عن الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الحفاظ على إسلامها، ولمدة تزيد على الخمسة قرون لم يتوقف الصراع فيها ولم تتوقف المجازر ولم يتوقف البذل والعطاء، منذ دخول أهلها في الدين الإسلامي راغبين مقبلين مؤمنين، بعد الفتح الكامل لبلادهم على يد السلطان محمد الفاتح عام 1464م والتحاق 30000 منهم بالجيش الإسلامي.
-كما ظلت الحروب قائمة بين الدولة العثمانية وبين روسيا والدول الأوربية التي يستثيرها البابا وذلك مدة خمسة قرون، حتى أتى مؤتمر برلين سنة 1878م وهو بمثابة اللطمة للمسلمين، حيث منح المؤتمر للإمبراطورية الأسترو هنجارية – النمسا و المجر حاليًا- الإدارة المؤقتة للبوسنة والهرسك، لترحل بذلك الدولة العثمانية عن البوسنة والهرسك، وتصبح البوسنة في يد النمسا بحلول عام 1908م.
-عد أربعة قرون من العيش كولاية عثمانية تطبق فيها الشريعة الإسلامية والفرمانات والتنظيمات السلطانية.
انتقلت البوسنة والهرسك لتعيش مرحلة مختلفة مع الاستعمار النمساوي المجري النصراني.
كانت سلسلة أحداث غير المتوقعة هي التي أخرجت البوسنة من الدولة العثمانية، ففي عام 1877 م أعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية انتقامًا لهزيمة أتباعها الصرب والجبل الأسود وتمكنت من تحقيق النصر وانتزاع مكاسب كثيرة في معاهدة سان ستيفانو وهو ما لم يعجب إمبراطورية النمسا والمجر بسبب تغير موازين القوى لمصلحة الروس في البلقان، فضغطت فيينا إلى أن تمكنت مع دول أوربية أخرى من عقد مؤتمر ثان في برلين قسمت فيه الغنائم مرة أخرى، فذهبت البوسنة والهرسك للنمساويين واقتُطعت مقدونيا من بلغاريا للعثمانيين وحصلت كل من صربيا والجبل الأسود على استقلالهما.
-كان أول ما حرصت عليه فيينا هو تقليص علاقة البوشناق المسلمين الدينية والسياسية مع اسطنبول إلى الحد الأدنى، واتبعت في ذلك إجراءات عدة أهمها
•إنشاء منصب رئيس العلماء وتشكيل مجلس العلماء ليصبح (أعلى جهاز لإدارة وتنظيم الشئون الدينية للمسلمين البوسنيين).
•وعين الإمبراطور النمساوي الشيخ مصطفى حلمي حاجي عمروفيتش كأول رئيس للعلماء، إضافة إلى أربعة قضاة كأعضاء في مجلس العلماء، وفي عام 1888م تم الانتهاء من بناء المدرسة الشرعية وأطلق عليها مكتب النواب (أصبحت لاحقا كلية الدراسات الإسلامية) بهدف تعليم العلوم الشرعية وتأهيل القضاة الشرعيين.
حتى ينعزل المسلمون تماما عن دولة الخلافة.
-بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أصبحت البوسنة والهرسك تحت اسم مملكة الصرب والكروات وسلوفينيا. ثم أعيدت تسمية هذه المملكة حيث أصبح اسمها يوغوسلافيا سنة 1929م.
أخر الجزء الاول من محنة المسلمين فى الصرب ويليه الجزء الثانى باذن الله
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين …دمتم طيبين فى امان الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته