تخطى إلى المحتوى

محاضرة كتبتها بفيض قلمي نالت إعجاب الجميع عن 2024.

الحمد لله الذي خلق لنا الأسماع والأبصار ، وعافانا بالليل والنهار ، وخلق لنا اللسان للأذكار ، وأصلي وأسلم على البعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
إن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة فإنه صغير حجمه عظيم طاعته وجرمه ، وهو من أخطر أعضاء الجسم إذ أنه خفيف الحركة قوي الأثر ، فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخي العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شرف جرف هار ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة وكما قال رسول الله r لسيدنا معاذ بن جبل رداً على سؤال لمعاذ ، فقال معاذ: " وهل نحن مؤاخذون بما تقوله ألسنتنا يا رسول الله ؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم " وكما قال الشاعر :

احــــذر لــــســـانـــك أيـــها الإنـســـــان لا يــلــدغـــنــك إنـــــه شـيــطــــــان


وآفات اللسان كثيرة منها :
1-الكلام في ما لا يعنيك وفضول الكلام : فاعلم أنك إذا تكلمت بما أنت مستغنٍ عنه ولا حاجة لك به فإنك مضيّعٌ به زمانك ومحاسبٌ عليه فاستغن عنه بذكر الله وتسبيحه ، ومنها قصة التابعي الذي مرَّ على قصر كبير جميل فتسائل في نفسه : من صاحب هذا القصر ؟! فصام شهراً تكفيراً عن فضوله .
2- الخوض في الباطل : وهو الكلام في المعاصي كذكر مجالس الخمر ومقامات الفسق ، وأنواع الباطل كثيرة ، فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً ليضحك بها المجلس يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض وإن الرجل ليزل عن لسانه أشدُّ مما يزلُّ عن قدميه .
3- التقعر في الكلام: بالتشدق وتكلف الفصاحة والتصنع ، قال r : " إن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون في الكلام "
4- الغناء والشعر : فكلاهما حسنه حسن وقبيحه قبيح .
5المزاح : فهو منهي عنه إلا قدرٌ يسير منه كتطييب النفس وأن يقول حقاً ، ومنها قصة العجوز التي قدمت إلى النبي r فقال لها : لا يدخل الجنة عجوز ، فبكت ثم انصرفت ، فضحك الرسول واستدعاها ثم قرأ قول الله تعالى : " إنا أنشأناهنّ إنشاءاً ، فجعلناهن أبكاراً " ، وقــال عــمــر t : " أتدرون بم سمي المزاح مزاحاً ؟ فقالوا: لا ، قال: لأنه أزاح صاحبه عن الحق" .
6- إفشاء السر وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين : قال تعالى: " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله " وعن رسول الله r :" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " . وعقاب الكاذب شديدٌ جداً كما ذكر رسول الله r في حادثة الإسراء والمعراج :" … ثم مشينا فرأيت رجلاً مستلقياً على الأرض ورجلاً آخر واقفاً فوق رأسه وبيده كلاب من حديد يدخله في فم الرجل المستلقي على الأرض ثم يشده بقوة فيشرم فمه إلى قفا رأسه ، وكلما شُفِيَ الشرم عاد فشرمه مرة أخرى وهكذا … فقلت سبحان الله ، ما هذا ؟! قالا ، هذا الكذاب الذي يكذب على الناس يُفعل به هكذا منذ أن يموت إلى يوم القيامة " ، أما إفشاء السر فكما قال علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – والـــســــر فـــاكــتـمــــــه ولا تنــطـــق بــه إن الزجــاجـة كـسـرهـــــا لا يــشــعــب
7- السخرية والاستهزاء : وهي التنبيه على العيوب والنقائص في الغير على وجهٍ يضحك منه سواء بالكلام أو الإشارة أو الإيماء ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهن ".
8- الفحش والسب وبذاءة اللسان واللعن : قال r : " ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء ".
9- الغيبة : قال تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه " وقال r : " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " وحدُّ الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو فعله أو في دينه حتى في ثوبه وداره وسيارته ، لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن ، وإنه لينقص ذلك من حسناته يوم القيامة فيعطيها لمن اغتابه كما قال رسولنا الكريم : " إن العبد ليُعطي كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكن عملها فيقول يا رب من أين لي هذا ؟! فيقول: هذا بما اغتابك الناس وأنت لا تشعر ".
10- الحلف بغير الله : قال r :" من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " ، ومنها أيضا الخطأ في فحوى الكلام فيما يتعلق بأمور الدين ، قال النبي r :" لا يقل أحدكم ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت ". وعن ابن عباس t: إن أحدكم ليشرك حتى يشرك بكلبه فيقول لولاه لسرقنا الليلة و…. ولذلك كان الصحابة – رضوان الله عليهم – يعرفون مدى خطورة اللسان ، فسيدنا أبو بكر يمسك لسانه ويقول: ما أوردني الموارد إلاّ هذا اللسان ، أما عمر فيقول: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شرٍ تسلم من قبل أن تندم ، أما عبد الله بي مسعود فيقول: لساني سَبُع إن أرسلته أكلني ، وقال: ما شيء أحوج إلى طول السجن من لساني ، وقال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك ، فإنما جعلت لك أذنان وفم واحد ، لتسمع أكثر مما تتكلم به .
اجتمع قيس بن ساعده و أكثم بن حنيفى فقال أحدهما لصاحبه : كم وجدت في ابن آدم من العيوب ؟ قال : هي أكثر من أن تحصى وقد وجدت خصلة إذا استملها الإنسان سترت عيوبه .
قال : ما هي ؟
قال : حفظ اللسان .
قيل للربيع بن خثيم : ما نراك تعيب أحداً ؟!
فقال : لست عن نفسي راضياً حتى أتفرغ لذم الناس ثم أنشد :
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها لنفسي من نفسي عن النفس شاغل
وعن عبد الله بن عمرو y قال: قال رسول الله r :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " فهذا وأمثاله مما يدخل في الكلام ولا يمكن حصره ومن تأمل ما أوردناه في آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم وعند ذلك يعرف سر قوله r :" من صمت نجا " لأن هذه الآفات مهالك وهي على طريق المتكلم فإن سكت سلم ، اللهم احفظ علينا ألسنتنا ولا تطلقها إلا في ما يرضيك ، اللـهم آميـن .

لاكي

أتمنى أنها تكون نالت إعجابكم
لاكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.