تخطى إلى المحتوى

قصص للفتيان والفتيات والد جميل . 2024.

قصص للفتيان والفتيات
عبد الكريم عبد الله رفعت
-5-

لاكي

والد جميل

بالرغم من إن الحافلة التي يمتلكها والد "جميل" كانت قديمة ، ألا أنها تقضي له عمله دون تأخير. ولو لم يكن هذا مضيعا أكثر أوقاته في النوم إذن لكانت الحافلة تدر للعائلة دخلاً جيداً.
ومنذ فترة من الزمان ليست بالقصير فقد تعود والد "جميل" على إدمان الخمر ، لذا أصبحتَ تراه في كثير من الأوقات سكران ثملاً ، وبسبب سكره المستمر هذا كان ينام حيثما طاب له المبيت .
لاكي

وفي أحد الأيام ، وبينما كان يقود حافلته في أحد الشوارع ، انتابه النوم على مقود السيارة وفقد السيطرة عليها فكاد أن يدهس طفلين بريئين .

لم يكن يستأجره أحد من أرباب العمل مهما كانت حاجته مهمة ومستعجلة ، لأنهم في الحقيقة لم يكونوا يأمنون سكراناً يكاد لا يفيق ، فضلاً عن أنه لا يكاد يستيقظ حتى يعود إلى النوم ثانية .
كان كلما ساء عمله التجأ إلى الشرب ،وكلما شرب نام ، وكلما نام ازداد العمل سوء.
وكان مساء كل يوم يعاهد نفسه على أن لا يذوق الخمر بعدها مرة ثانية ، ولكنه لم يكن ليفي بعهده قط .
(وماذا في كأس واحدة ) .. هكذا كان يبدأ جلسته مساء كل يوم على مائدة الخمر ، والكأس الواحدة تجر أختها ، وتتوالى الكؤوس ، وينسى هو عهده مع نفسه بل وينسى كل شئ بالمرة.
نفد صبر ابنه "جميل" وقرر أن يواجه والده في هذا الأمر ، وجاء – فعلا – في إحدى الأماسي وطلب منه أن يعطيه الحافلة ليعمل عليها ويكسب الرزق من ورائها.
رفع والده رأسه الثقيل ببطء وحاول بجهد أن يفتح عينيه ، وصرخ فيه:
– الحافلة ملكي ولن أعطيها لأحد .. ثم انك صغير!
– كلا يا أبي أنا لم اعد صغيراً ألا تراني قد كبرت وأصبحت شاباً؟!
أحدق والده النظر فيه وقال في نفسه :
– حقا إنه كبر وأصبح شاباً يافعاً ولكن لا .. لن أعطيه الحافلة .
– أنت طالب والأجدر بك أن تهتم بدروسك.
– لم أعد طالباً !
هزه كلام إبنه هذا فأفاق :
– ماذا تعني ؟ هل تركت المدرسة ؟
– لم أذهب إليها يا أبي منذ أسبوعين .. لقد تركتها .

فار الدم في عروق والده وازداد غضباً :
– ولكن لماذا ؟ لا .. لا يمكن هذا ! ـِلمَ لم تخبرني ؟ ألست بأبيك ؟!
– بلى أنت أبي ولكنك صرت منذ مدة لا تأتي إلى البيت ، ثم أن المدرسة تحتاج إلى مصاريف ، ولم يبق في يدنا فلس واحد !

وأيدته والدته فيما قاله ،..
فرد عليهما :
– ولكن لِمَ لا تطلبون مني ما تحتاجون إليه ؟
و فجأة مد يده في جيبه كمن يبحث عن شئ ، ولكنه لم يجد فيه شيئاً ، فقد صرف آخر فلس في الخمر هذا المساء. خجل من نفسه كل الخجل وضاق صدره بل ومادت به الأرض ، وطأطأ رأسه .

( لقد أصبح سبب شقاء عائلته نتيجة إدمانه للخمر) ثم راح يتمتم مع نفسه :
– يا لبؤسي وشقائي ، لكم اجتهدت وحاولت ومازلت ، أن أترك هذا السم ولكنني لم أستطع ولم أفلح. ولكن سأتركه.. أجل سأتركه مهما كلفني ذلك ، وسأتخلص من ذلك الشيطان اللعين . ثمة أمران متناقضان وعليه أن أختار أحدهما : أهلي والسم . سأرجح أهلي على قناني السُّم .
رفع رأسه بتثاقل وكانت قطرات الدمع تلتمع في مقلتيه وقال متنهدا – كمن يطلب العون :
– يا لبؤسي وشقائي !
قام من مكانه منتفضا وعلامات العزم تبدو على ملامحه ، وقال بلهجة كلها صدق وحزم :
– أعاهد الله ثم أعاهدكم بأن أتوب توبة نصوحا ، ولن أرجع إلى أم الخبائث بعد اليوم أبدا ، ولن أذوق منها قطرة بإذن الله.
وأدخل يده في جيب سترته وأخرج منه زجاجة خمر أعطاها لأبنه "جميل" وقال :
– خذ هذه يا بني واكسرها ، فقد أنفقت ما معي لهذه الزجاجة بدلاً من أن أنفقه عليكم … اكسرها فلا أريد أن أراها ثانية.
اكسرها فلن يدخل هذا البيت بعد اليوم قطرة منها قط .. اكسرها.. أجل اكسرها وثق بأنك لن تراني سكراناً بعدها أبدا .
كاد "جميل" يطير فرحاً.. فأخذ الزجاجة و أسرع بها خارجا كالريح.. وهناك حطمها بكل ما أوتي من قوة ، وقال ضاحكاً :
– سحقاً لك ، فلن تُسكري والدي ثانية وتباً لك ألف تب .
ورجع إلى البيت فرأى والده يبكي ، و أمه واقفة بجواره وتقول له :
– لا عليك .. فكلنا سنساعدك ، سنفعل ما تحتاجه إلى ترك الخمر ، لا تحزن على ما فات وعش اليوم و تهيأة للغد .. سنكون كما كنا ، وسنعيش كلنا سعداء .
– أجل سنكون سعداء .. سنكون سعداء !
احتضن إبنه بذراعيه وضمه إلى صدره بحنان وقال :
– ستذهب إلى المدرسة ، لتواصل دراستك أما أنا فسأعمل بكل جهد وأبذل ما في وسعي ، وستنال أنت شهادة عالية ، وستصبح مهندساً أو طيبياً إن شاء الله. وأنا سأصبح والد الدكتور "جميل".. عدني على ذلك .. فماذا تقول ؟!
فأجهش "جميل" بالبكاء من شدة فرحته :
– نعم أعدك يا أبي ..أعدك!
وقال أبوه مؤكداً :
– وأنا أعدك يا ولدي بأنني سأترك الخمر إلى الأبد !
هكذا بدأت السعادة تبسط جناحيها عليهم بعدما كانت تنتظرهم على شوق أحرّ من الجمر ..

http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=432052

– الرجاء إدراج موضوع واحد فقط في اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.