( فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة )
للعلامة فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله
رئيس الجامعة الإسلامية سابقا و المدرس بالمسجد النبوي
الجزء الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني: مُجملُ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في أهل البيت
عقيدةُ أهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الإفراطِ والتَّفريط ، والغلُوِّ والجَفاء في جميعِ مسائل الاعتقاد .
و مِن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرَّسول صلى الله عليه و سلم ، فإنَّهم يَتوَلَّونَ كلَّ مسلمٍ و مسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلِّب ، و كذلك زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم جميعاً
فيُحبُّون الجميعَ ، و يُثنون عليهم ، و يُنْزلونَهم منازلَهم التي يَستحقُّونَها بالعدلِ و الإنصافِ ، لا بالهوى و التعسُّف و يَعرِفون الفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ و شرَف النَّسَب
فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه و تقواه ، و لصُحبَتِه إيَّاه ، و لقرابَتِه منه صلى الله عليه و سلم .
و مَن لَم يكن منهم صحابيًّا ، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه و تقواه ، و لقربه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و يَرَون أنَّ شرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان ، و مَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن ، و مَن لَم يُوَفَّق للإيمان ، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً
و قد قال الله عزَّ وجلَّ : (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ))
و قال صلى الله عليه و سلم في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم في صحيحه برقم 2699 عن أبي هريرة رضي الله عنه : (( و مَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه )) .
و قد قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح هذا الحديث في كتابه جامع العلوم والحكم ص : 308 :
معناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة ، كما قال تعالى : (( وَ لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )) ، فمَن أبطأ به عملُه أن يبلُغَ به المنازلَ العاليةَ عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبُه ، فيبلغه تلك الدَّرجات
فإنَّ اللهَ رتَّب الجزاءَ على الأعمال لا على الأنساب ، كما قال تعالى : (( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاَ يَتَسَاءَلُونَ ))
و قد أمر الله تعالى بالمسارعةِ إلى مغفرتِه و رحمتِه بالأعمال ، كما قال : (( وَ سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَ الأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الكَاظِمِينَ الغَيْظَ )) الآيتين
و قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُشْفِقُونَ وَ الَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَ الَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَ هُمْ لَهَا سَابِقُونَ )) . اهـ .
ثمَّ ذَكَرَ نصوصاً في الحثِّ على الأعمالِ الصالِحَة ، و أنَّ ولايةَ الرَّسول صلى الله عليه و سلم إنَّما تُنالُ بالتقوى و العمل الصَّالِح ، ثمَّ ختَمها بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح البخاري برقم 5990 و صحيح مسلم برقم 215
فقال : و يشهد لهذا كلِّه ما في الصحيحين عن عمرو بن العاص أنَّه سمع النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم يقول : (( إنَّ آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، و إنَّما وليِّيَ اللهُ و صالِحُ المؤمنين ))
يشير إلى أنَّ ولايتَه لا تُنال بالنَّسَب و إن قَرُب ، و إنَّما تُنال بالإيمان و العمل الصالح ، فمن كان أكملَ إيماناً و عملاً فهو أعظم ولايةً له ، سواء كان له منه نسبٌ قريبٌ أو لم يكن
و في هذا المعنى يقول بعضُهم :
لعـمرُك مـا الإنـسانُ إلاَّ بدينه
فلا تترك التقوى اتِّكالاً على النَّسب
لقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ
وقد وضع الشركُ النَّسِيبَ أبا لهب . اهـ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث : فضائلُ أهل البيت في القرآن الكريم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الثالث إن شاء الله تعالى
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته