تخطى إلى المحتوى

lلشيخ العودة وقضية التغير للملوك 2024.

  • بواسطة
قضية التغيير قضية شائكة ، وعويصة ، ولكن هذا لا يعني عدم طرقها أو الخوض فيها . والمشكلة التي تتكرر تاريخياً أن بعض الغيورين والصالحين قد يغلبهم ما يجدون من الحماس لدينهم والغيرة على دعوتهم والرغبة في الإصلاح فيندفعون مع الإخلال بشروط التمكين ، فيهلكون ويُهلكون ……..

، وقد أشار إلى هذه الفكرة الإمام ابن خلدون في مقدمته ، إشارة الخبير العارف بأحوال الأمم ، وسنن التغيير حيث يقول ( 280- 281 ) : ]ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء ، فإن كثيراً من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه ، والأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله ؛ فيكثر أتباعهم والمتشبثون بهم من الغوغاء والدهماء ، ويعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك ، وأكثرهم يهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين ، لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم ، وإنما أمر به حيث تكون القدرة عليه ؛ قال عليه الصلاة والسلام : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ) وأحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر كما قدمناه .

وهكذا كان حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب ، وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء ؛ لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة . والله حكيم عليم .
فإذا ذهب أحد من الناس هذا المذهب وكان فيه محقاً قصّر به الانفراد عن العصبية ، فطاح في هوة الهلاك . وأمَّا إن كان من الملبسين بذلك في طلب الرئاسة ، فأجدر أن تعوقه العوائق وتنقطع به المهالك لأنه أمر الله لا يتم إلا برضاه وإعانته والإخلاص له والنصيحة للمسلمين ؛ ولا يشك في ذلك مسلم ، ولا يرتاب فيه ذو بصيرة .
وهذا ما جرى فعلاً في عدد من التجارب الإسلامية المعاصرة ، التي نظرت إلى ما معها من الحق ، وما لديها من القوة ، ولكنها لم تنظر إلى ما يواجهها وينتظرها ، وما مع الآخرين وما لديهم ، فاصطدمت بصخرة الواقع الثقيل الذي يصعب تغييره على غير المتمرسين الصبورين .

هذا فضلا عن أن سنة التغيير نفسها تحتاج إلي سبر ومعرفة من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ، وعبر التاريخ وتجاربه وأحداثه .

إنّ العناية بجانب واحد فحسب ، واعتبار أن تغييره هو الحل ، كتغيير الحاكم مثلاً ، هو تقصير في النظر واختزال للمسألة ، وإلغاء للمجتمع بأبعاده المختلفة ، فالإصلاح يتطلب تصوراً شمولياً يستهدف تربية الأمة بكل جوانبها على الإسلام وقيمه وأحكامه ، وإعداد الكوادر العلمية المتنوعة في ميادين الحياة كلها ، وممارسة التجارب العملية التي هي محك لكثير من الأفكار النظرية المجردة .
نعم . مسؤولية الحاكم خاصة وضخمة وليست تقارن بمسؤولية وتبعة آحاد الناس ، لكن هناك قوى ووسائل وتشابكات يراعيها كل أحد حتى الحاكم نفسه ، لا بد أن يضعها في اعتباره ، ويعرف كيف يتعامل معها .

والشرع وإن جاء بأصول وأحكام محددة وواضحة ، إلا أنه راعى في تحويلها إلى صورتها العملية اعتبارات الواقع وظروفه وإمكانياته ، ومن ذلك أن جميع الأحكام الشرعية مرهونة بالاستطاعة كما في قوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ، ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، ( .. من استطاع إليه سبيلاً )
وكما في السنة ( .. فإن لم يستطع .. ) ( صل قائما ًفإن لم تستطع فقاعداً ) .
والاستطاعة تكون للفرد وللجماعة ، وتحديد مدى وجودها من عدمه يخضع لاعتبارات كثيرة , ويعتمد على الرؤية الشاملة والفهم الثاقب وإدراك متطلبات الموقف ، والفعل ، والفعل المضاد .

وبالعجز تسقط جميع الواجبات كما هو مقرر في موضعه من كلام العلماء .
لكن يبقى وجوب السعي لتدارك هذا العجز، وعدم الركون إليه ، وفرضٌ على الأمة أن تسعى في رفع كفاءتها وقدرتها العلمية والعملية ، والمستحيل لا وجود له إلا في عقول العاجزين كما يقول بعض الحكماء .
فليس المقصود بالعجز هنا فلسفة تبرير الضعف والقعود والإخلاد، لكن المقصود عدم الاستطاعة الذي ينتقل به المرء أو الجماعة أو الأمة من واجب إلى واجب آخر ، وليس إلى القعود والاستسلام لليأس .
وهناك قاعدة المصلحة والمفسدة الشرعية ، و فروع هذه القاعدة كثيرة ، وهي من القواعد المهمة في حياة المسلمين العملية ، ويقع الخلط واللبس فيها كثيراً ، بسبب سوء فهم القاعدة أو سوء فهم الواقع .
فالشرع جاء بتحصيل المصالح و تكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإذا تعارضت مصلحتان اختير أعلاهما ، وإذا تعارضت مفسدتان دفع أعلاهما ، وإذا تعارض تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة قدم دفع المفسدة عند التساوي وعند رجحان الدفع ، و إلا رجح جلب المصلحة … وهكذا.

وبناءً على هذه القواعد السابقة وغيرها جعل الشرع للأحكام العامة مرحليات متعددة ، كالجهاد مثلاً ، يكون فرض عين ، ويكون فرض كفاية ، ويكون مأذوناً ، ويكون ممنوعاً محرماً إذا أفضى إلى مفسدة أعظم . ويكون باليد و ويكون باللسان ويكون بالقلب بحسب المقدرة العامة والخاصة .
وهكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يكون باليد ، ويكون باللسان ويكون بالقلب ، وهذا مرهون بالاستطاعة كما في حديث أبي سعيد ، وهو في صحيح مسلم ، ومرهون بتحقيق المصلحة ، فلو كان مستطيعاً ، ولكنه علم وقرر أن في فعله مفسدة أعظم كان حراماً ، ولهذا قال تعالى : ( فذكر إن نفعت الذكرى ).
وهذه الأمور وتطبيقاتها الواقعية تحتاج إلى علم بالشرع ومعرفة بالواقع كما ذكره ابن تيمية في فتواه عن المسألة التترية وتحتاج إلى كمال إخلاص وتجرد من الهوى وحظوظ النفس ، ومن التقليد للنفس أو للغير ، ولا يحسن أن يتحول الحوار حولها إلى نوع من التنابز بالألقاب ، والتراشق بالتهم ، فهذا يتهم هذا بالتهور الأرعن ، أو بطلب الدنيا ، وهذا يتهم هذا بالتخاذل أو بالجبن أو بالخور أو بطلب الدنيا أيضاً !.
بل ينبغي إيثار حسن الظن بالآخرين في نياتهم واجتهاداتهم ، وحملها على أحسن المحامل ، وهذا لا يلزم منه تصويبهم فيما يرى أنهم أخطئوا فيه ، فالحق فوق الجميع ، وقد قال بعض الأئمة : فلان عزيز ، والحق أعز منه .
ويجب دراسة هذه التجارب وغيرها من تجارب الدعوة المعاصرة وغير المعاصرة بموضوعية وإنصاف وتجرد تام لا يحمل فيه الشنآن على الظلم والحيف ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ) وقبلها : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ) .
فتتحول المحاسن إلى عيوب .
إذا محاسني اللائي أدل بها كانت عيوباً فقل لي : كيف أعتذر ؟
ولاتغدو الدعوة إلى التوحيد في نظر المخاصم فتنة وكفراً بالأولياء ، وجحوداً للفضل ، ولاتغدو دعوة الآخرين إلى المراجعة و التصحيح نوعاً ً من التشفي والانتقام .

وهكذا لا يحمل الحب والولاء على العمى عن رؤيته الأخطاء والعيوب ، وقد يتحدث المحب المشغوف عن النقد الذاتي والمراجعة والتصحيح ، ولكن لا يسمح له تعاقده الولائي الراسخ بأن يتجاوز الخطوط الحمر ، وهذا من البدهيات الواضحة التي يدركها العقلاء .
ويبدو – والله أعلم – أن الإنصاف والتجرد في مثل هذه المواقف يكاد أن يكون مستحيلاً ، لولا أننا قررنا قبل قليل أن المستحيل لا وجود له إلا في أذهان العاجزين ، ولقد وصف الله الإنسان بأنه كان ظلوماً جهولاً .

نسأل الله أن يعين المسلمين على أنفسهم ، ويبصرهم بمواطن ضعفهم ، ويوفقهم لاستدراكها قبل فوات الأوان والله أعلم .

سلمان بن فهد العودة
الجمعة 21/12/1421هـ

——————
ألا أخـبركـم بـمن تحـرم علـيه النـأر؛ تحرم على كـل هـين لـيـن ســـهــل

يوجد شريط للشيخ سعد البريك اسمه ( صور تاريخية لتغيير المنكر ) انصح باستماعه
و شكراً

——————

جزاك الله خير

—————-
تم نقله للركن الإسلامي

جزاك الله خيرا وبارك فيك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.