الخادمات" الاجنبيات شكل مستتر "للعبودية" 2024.

الخادمات" الاجنبيات .. شكل مستتر "للعبودية"

حرمان من ابسط الحقوق .. اهانة وضرب وحالات انتهت بالموت

هكذا نهارا جهاراً أثناء تواجدنا في مكتبه ( أكبر مكتب لاستقدام الخادمات في سوريا ) للتقصي وراء حقوق "الخادمات" الوافدات العاملات في سوريا قال لنا بفظاظة بأن من حقه أن يشتم ويضرب، ومع أول كلمة حقوق… قال مقاطعا: "ط في حقوق الانسان".

عبارة قد تلخص واقع ما يعرف باسم "الخادمات الأجنبيات" الظاهرة الوافدة الى مجتمعنا من وقت ليس بالبعيد.

فيما اتفقت الكثير من الآراء على أن هذه الظاهرة في سورية باتت "شكلا مستترا للعبودية " ، كونها تخالف بشكل واضح وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة* ، ولم يوجد إلى تاريخ كتابة هذه الأسطر أية حلول ناجعة تلوح في الأفق تخفف عن "الخادمات" معاناتهنّ التي تمتد من حجز الحرية مروراً بالضرب إلى التعذيب والقتل في بعض الحالات.

و بين "خام" أو "خبرة" ، تتم عملية الاختيار وفق طلبات الزبون وبمساعدة " ألبوم الصور" وتبدأ الرحلة من بلد استقدام الفتيات في معظم الاحيان قبل أن يبلغنّ سن الرشد ، ليلعب القدر دوراً مهما في تقرير مصير كل واحدة منهن.

و في حين يتضمن الدستور السوري على مواد تتعلق بعدم تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة، وتحدد الدولة عدد ساعات العمل وتكفل الضمان الاجتماعي والراحة والإجازة والتعويضات والمكافآت.

تجد "الخادمة" نفسها بدون حقوق، فساعات العمل غير محددة ووقت الراحة غير موجود، والمطلوب العمل بصمت وهذا الصمت في أغلب الحالات يكون تعذيباً ينتهي بالموت قتلاُ أو انتحاراً.

قتل ، انتحار ، تعذيب

في السنوات الثلاث الأخيرة سجلت 20 حالة انتحار خلال عملية الهرب والمئات من حالات التحرش والعديد من حالات القتل"فشة خلق!".

وهكذا فإن "أرسيما" (26عام) في واحدة من القصص التي تابعناها من خلال مصدر رسمي لم يرغب بالكشف عن اسمه ، لم تدري أن البيت الذي ستعمل به في كفرسوسة ستخرج منه ميتة نتيجة "تعرضها لضربة قوية على الرأس" في 14/12/2017.

وجاء ذلك بعد معاناة طويلة استمرت حوالي ثمانية أشهر من ضرب وتعذيب وحرمان من أبسط الحقوق كتناول الطعام والاستحمام طيلة فترة إقامتها في زاوية ضيقة منخفضة السقف طولها 150سم ، في بيت مساحته 260 متر مربع ،ليأتي الموت بعد ذلك كرحمة لها بعد رحلة التعذيب الظاهرة على جسدها النحيل.

وروى لنا المصدر بأنه " لدى فحصها تفاجأت بنحفها الشديد فجميع عظامها بارزة ، إذ بلغ وزنها 35 كغ بعد أن كان 65 كغ عند دخولها المنزل ، وظهرت آثار التعذيب بوضوح على جسدها من إطفاء أعقاب السجائر إلى ضربات بأشياء حادة على يديها، ولدى سؤالي رب المنزل عن تلك الآثار أجابني أنه لم يلحظها كون الخادمة ترتدي لباس محتشم باستمرار وأن زوجته كانت تخبره أنها تضربها أحياناً لأن الخادمة كانت تستفزها وتثير غضبها، وذات مرة نسيت سلة القمامة بغرفة البنات مما دفع زوجتي للغضب وضربها بالسلة "

و أخبرنا ذات المصدر الرسمي المطلع أنه "بتاريخ 9/1/2017 تعرضت الخادمة ساندي إلى ضربات عنيفة على الرأس بواسطة "القشاطة" من قبل ربة المنزل، أدت إلى موتها، وقامت ربة المنزل مع أفراد عائلتها بتضليل العدالة بالقول أن الخادمة وقعت من سقيفة المنزل أثناء التعزيل ، ولم يصدر الحكم حتى الآن في القضية".

من يهرب من الأذى الجسدي يقع فريسة المرض النفسي

أما معاناة "جولاي ها" كانت رحلة أخرى في المجهول نهايتها المرض النفسي، فبعد معاناة طويلة من ضرب واضطهاد بين المكتب والعائلة الأولى التي عملت لديها ، تعاني جولاي ها من "اكتئاب نفاسي " وفقا لتشخيص الطبيب محمد وضاح حجار .

وروت لنا ربة المنزل الجديد الذي تعمل به "جولاي ها" عن الحالة المزرية التي وصلت بها:" كانت ترفض العمل وتستيقظ ليلاً خائفة على أولادها ظناً منها أنهم ماتوا، وكوني أم وأقدر هذا القلق والخوف على الأطفال كنت أتصل بأهلها في أندونيسيا لتكلم أطفالها لكن لا تلبث أن تمر ربع ساعة حتى تعود جولاي إلى حالة القلق ذاتها مما دفعني لاصطحابها إلى الطبيب النفسي علماً أن الجارات أشرنّ إلي بإعادتها إلى المكتب فترجع مثل الساعة لكنني رفضت فهم سيضربونها فوق ألمها ومرضها ، والله حرام".

طريق لا رجعة فيه

أما " خط الرجعة " للعاملات إن لم يرتحنّ بعملهن لدى العائلة فهو غير سالك أو سالك بصعوبة، فقد أخبرتنا " تي" عن محاولاتها المتكررة لتغيير العائلة التي تخدمها، وكيف قوبلت بالضرب من المكتب ومن العائلة نفسها لدى إعادتها إليها.

وهي الآن تعمل مكرهة لدى العائلة نفسها وتخبرنا عن وقت راحتها الذي تقضيه بكي ملابس جميع أفراد العائلة بمافي ذلك" الجرابات".

و قالت عبير 36 سنة وهي ربة المنزل الذي تعمل فيه تي :" الضرب ضروري..يعني عندما هربت تي وهي لا تتكلم اللغة العربية وأخذت تكسي بقصد الذهاب إلى المكتب فربما خطفها سائق المكتب وربما أعتدى عليها أو قتلها فمسؤوليتها تقع على عاتقي وهذا ما لا أريده"

و أضافت :"لا تنسي أن الخادمة إن لم تجد العقوبة ستكرر فعلتها مرة ثانية".

ولا يقف الأمر عند أذية الضرب ، فالمعاناة عند البعض تكبر وتكبر ، وقد تصل الى الانتحار.

فقد ذكر لنا طبيب في الطب الشرعي بدمشق " خلال الثلاث سنوات الأخيرة جاءنا حوالي 20 حالة انتحار عاملات أثناء محاولة الهرب، حيث نجد بجانب الجثة حقيبة ملابس، ومجموعة من الشراشف المربوطة التي تستخدمها العاملة للنزول من شرفة المنزل، فأحيانا تنتهي المحاولة بالنجاح، وأحيانا بالموت، لكن وباعتقادي هنا يكون الموت أرحم لها".

شتم وضرب و"ط " في حقوق الانسان

بين عزلة في غرفتها أو" كفين ع الماشي " أو " المسطرة " ، أساليب العقاب للعاملات اللواتي يخرجنّ عن إرادة رب العمل ، تقضي العاملات أيامهنّ لدى أغلب المكاتب كصيغة تأديبية لهنّ مما يشجع الأسر لإعادة الخادمة لفترة قصيرة تعود من بعدها كالساعة تماماً .

و لدى سؤالنا المكاتب عن الموضوع قال أيمن المعلم صاحب إحدى المكاتب:" كل خادمة تأتي وبرأسها "موال"، والمكتب يجب أن يكون بمثابة رادع لها ، نحن هنا نربيها، فإن أخطأت " بقلها ياحيوانة وبعملها كفين " وهذا حق شخصي لي و"ط" بحقوق الإنسان".

وشرح صاحب مكتب آخر طريقة العقاب التي يتبعها " إن أخطأت إحدى الخادمات فإني أبقيها بغرفتها دون الخروج منها، وأسمح لها بأن تأكل وتشرب ولكن لا أسمح بالجلوس مع صديقاتها في غرفة التلفاز أو أن تكلم إحداهنّ… بشكل عام 80% من الخادمات مرتاحات".

وبعد محاولات عدة لزيارة السكن المؤقت قام أحد أصحاب المكاتب باصطحابنا لرؤيته، وبدا السكن جيد مساحته60 متر مربع كما ينص قانون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فيه حوالي 3 غرف واسعة نسبيا تحوي عشرين سرير مكون من طابقين،بالإضافة إلى صالون والملحقات الصحية، وكانت العاملات المقيمات فيه يتجاوزنّ العشرين.

وتحت المراقبة تقضي العاملات أيامهن في السكن المؤقت ريثما يتم إجراء الفحوصات الطبية ليتم تسليم "البضاعة للزبون".حيث تتوزع كاميرات المراقبة في جميع أرجاء المسكن المؤقت، دون مراعاة لخصوصيتهن.

بهذا الصدد المحامي نزيه معلوف وهو قاضي سابق يقول :" إذا قارنا حقوق الإنسان مع واقع الخادمات في سورية فنجد فرق وامتهان كبير لهذه الحقوق ، فحرية الخادمة تخضع بشكل كامل لإرادة رب العمل من حيث طبيعة العمل وعدد الساعات ووقت النوم والراحة، أي عدم وجود حرية شخصية لها وهذا ما يتعارض مع دستور الجمهورية العربية السورية الذي جاء منسجماً مع الإعلان العالمي لجمعية حقوق الإنسان".

جولات تفتيشية لوزارة العمل .. كل ستة اشهر؟

و عن انتشار الوسائل التأديبية أو "إعادة ضبط المصنع" في مكاتب استقدام العاملات وكيفية الحيلولة دون استخدامها ، قال مهند معلا من مديرية القوى العاملة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل:"لدينا مفتشين يقومون بجولات تفتيشية دورية كل 6 أشهر وفقاً للقانون القديم كما يقدم المكتب تقريراً نصف سنوي عن الوضع العام في المكتب من عدد العاملات المستقدمات إلى عدد العاملات الهاربات واللواتي غيرنّ العائلات التي يعملنّ لديها وسائر الأمور الأخرى"

و تحت إلحاحنا لمعرفة الحلقة المفقودة بين التقرير السنوي للمكاتب والذي يبعد كل البعد عن الواقع وبين آلية وزارة الشؤون لحماية الخادمات أجاب مهند معلا:"نحن لا نتحرك إلا بناءً على شكوى مكتوبة، ويتم إحالتها إلى المديرية الخاصة بالمحافظة التي قدمت الشكوى لإرسال لجنة تفتيش ، وقد تم إغلاق مكتبين حتى الآن بسبب مخالفته ".

وعن لجان وزارة الشؤون التي تشرف على توفر شروط فتح المكاتب قال مهند معلا من ذات المديرية: " تتشكل لجنة من أربعة أشخاص تقوم بزيارة لمرة واحدة للتأكد من أن المكتب والمسكن الذي سيتم فتحهما مطابقين لشروط القانون، وهناك حوالي 42 مكتب في سوريا، تتوزع في خمس محافظات وهي دمشق، حلب، طرطوس، حماه وحمص".

لكن صاحب أحد المكاتب قال لنا :"إن بعض المكاتب تعمد إلى استئجار شقة مؤقتة والادعاء أنها سكن للعاملات أمام اللجنة التفتيشية، وسرعان ما يعيدون الشقة ويجمعون العاملات في غرفة واحدة " فوق بعضن البعض".

من يحميهن ؟

وبين المشهدين هناك طيف واسع من الممارسات التي عرضنا لبعضها في مقدمة هذا التحقيق والذي يتجاوز بعضها عمليات الضرب ليصل الى التعذيب والقتل ، دون وجود قانون واضح يحمي الوافدات اللواتي أتينَّ بحثاً عن لقمة العيش.

يرى عمار قربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان "الخادمات الأجنبيات في سوريا هي شكل مستتر ومقولب للعبودية"

والقانون الذي ينظم عملية الاستقدام حسب رأيه ، لاينظر إلى "حقوق العاملات" ، ويقول "للأسف نحن نحن لسنا جهة تنفيذية وغير قادرين على التدخل إلا من خلال الشكوى وتدخلنا يكون بإبلاغ الجهات الرسمية فقط".

و أشار قربي إلى الدور الذي من المفترض انهم يقومون به:"نحن نعمل على كشف مواطن الخلل ونضع الدولة أمام مسؤولياتها، ولدينا الدور الإعلامي من خلال التقارير التي نصدرها، ونعمل على توعية الأهل وتثقيفهم وخاصة ربات المنازل كي يتعاملوا مع الخادمات بإنسانية".

و أضاف:"الحل يكمن في وضع آليات مراقبة وعقوبات رادعة".

وهذا ما ذهب اليه المحامي نزيه معلوف خلال حديثنا معه بشكل موسع حيث اقترح "إيجاد جهاز رقابة، واستصدار قانون يقضي بزيارات دورية من جهات مختصة إلى العائلات والكشف عن المخالفات ، وإيجاد ما يسمى بتلفون الطوارئ وتوعية الخادمة بوجوده ورقمه وأهميته لحمايتها".

ودعا معلوف إلى ضرورة إيجاد قانون ينظم هذه المهنة بما يضمن "كرامة وحرية وحقوق العاملات" ، حيث قال:"اعتبروها سجينة والتقوا بها كما تلتقون بالسجناء وتعرفون أحوالهم".

و أضاف:" مثلي مثل الكثيرين أنا ضد وجود هذا العمل في سورية كونه يتعارض مع الإنسانية وهي تجارة رقيق بكل ما تحمل الكلمة من معنى".

السكوت أفضل .. فقد يجنبنا المشاكل ؟!

بالطبع لم تكن ضمن الروايات التي حصلنا عليها أو في أحاديث الخادمات اللواتي قابلناهم أي ذكر لدور جمعية او ناشط في التخفيف من معانتهنّ أو المساعدة في الحصول على حقوقهن.

وتبقى الشكوى المكبوتة، وبالكاد يمكن أن تتسرب أحياناً من بين شقوق نادرة في الجدار الحديدي المطبق حول معانات "الخادمات" قبل ان يأتي من يسد ثغرات الخوف بالنسبة لهن.

بدرية (24 عام ) أثيوبية واحدة من اكثر من 100 الف عاملة موجودة في سوريا اثناء وجودها معنا بعيدة عن أنظار صاحب أحد المكاتب ، سرقت بعض اللحظات واقتربت منا وهمست بألم" تعرضت في أحد المكاتب أنا وزميلاتي للضرب المبرح وأحياناً للحرق بالنار" ..

و صمتت مجبرة بسبب دخول صاحب المكتب آمراَ إياها بالسكوت "تجنباً للمشاكل"..

محمد سويد ـ نور عكة ـ لارا علي – سيريانيوز

*و تتضمن وثيقة إعلان حقوق الإنسان الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948 والذي وقعت عليه سوريا ما يلي :

– المادة 3: لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.

– المادة 4: لا يجوز استرقاق أو استعباد البشر ويحذر من الاتجار بالرقيق بجميع صوره.

– المادة 5 : لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب والمعاملة القاسية .

– المادة 13: لكل فرد حق في مغادرة أي بلد وله حرية التنقل وفق اختياره لمكان الإقامة وله الحق في العودة إلى بلده

لا حول ولا قوة الا بالله