تخطى إلى المحتوى

أسأل له الجنة وأبخل عليه بالدنيا!! 2024.

  • بواسطة

أسأل له الجنة.. وأبخل عليه بالدنيا!!

* عبد الله فرج الله

مما يذكر عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: «ما أعطيت أحداً مالاً إلا وأنا أستقله، وإني لأستحي من الله عز وجل أن أسأل الجنة لأخ من إخواني، وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة، قيل لي: لو كانت الجنة بيدك، كنت بها أبخل».

* * * * *

قول رائع يؤسس لفقه دقيق في الأخوة.. يشير إلى أن عمر رحمه الله كان من أصحاب الاختصاص الدقيق جداً في هذا المجال..

إنه فقه، وياله من فقه!!

فقه.. تتجلى فيه آيات الإيمان، ليكشف عن معدن النفوس الأصيلة حين يصوغها الإيمان،، معدن النفوس الكبيرة حين تتذوق طعم الإيمان، وتنصهر في بوتقته..

هذا الفقه الذي أصبح بعناوينه الكبيرة جداً، وليست العناوين الدقيقة جداً، عند الكثيرين منا من نافلة القول والعمل، نمر عليه لاهين، ونقرأ عنه غافلين.. حتى أصبح من الثقافات العامة التي لا بد منها، لإثبات الذات في ميادين القول، ومجالس الوعظ..

ويالها من طعنة قاسية تدمي الصف المؤمن، وتدني نهايته، وتفكك أوصاله، حين يصبح هذا الفقه شعارات ترفع، وخطابات تلقى، وأقوالاً بليغةً تلوكها ألسنة سليطة، وقلوب مشحونة.. قد تتستر وراء دعوة حارة، ودموع حارقة، لكنها لا تقوى على إحراق الشحناء والبغضاء والكراهية التي تسكن هذه القلوب الغافلة!!

وما أتي الصف في يوم من الأيام إلا من قبل هؤلاء، الذين يحسنون في ميدان الوعظ والقول، ويسيئون في ميدان الفعل والعمل.. ميدان السلوك والتطبيق.. تماماً ككل الممثلين في زماننا هذا.. الذين نراهم على الشاشة بحلة الأبطال الفاتحين أو الأئمة الواعظين، وفي الواقع نراهم بحلة الشياطين..

وبأمثال عمر رحمه الله من أصحاب التخصص الدقيق جداً في كل الميادين، ميادين الدعوة والحياة: الأخوة، الصدق، البذل، التضحية، التجرد، الفهم، الإيثار، الزهد، العفة.. تجد الصف في أبهى حلله، وأنصع صفحاته، وأجمل مواقفه..

* * * * *

عمر رحمه الله.. أدرك أن الأخوة أكبر من أن تكون دعوة باللسان، تسأل فيها الله سبحانه أن يسكن أخاك الجنة، وأن يغفر له، ويرفع درجته، ويحسن ختامه، وغير ذلك من الأدعية الجميلة..

لكن إن تطلب الأمر من هذا الأخ الداعي أن يكون في موضع العطاء، الذي يستطيع من خلاله أن يمد يد العون والمساعدة لهذا الأخ المدعو له، فيفرج عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً، أو يسعى في حاجته.. تراه ينكص على عقبيه، متعللاً بالأعذار الواهية، معتذراً بضيق ذات اليد.. وقد يرمي إليه بالفتات القليل الذي هو أقل من الحرمان..

فأين هذا البخل من ذاك الجود؟!

أليس الأمر كما وصفه عمر ؟!

لو كانت الجنة بيد هذا الأخ الداعي، ومن أملاكه الخاصة لكان بها أشد بخلاً.. ما دام أنه يبخل بمتاع من الدنيا زائل!!

رحم الله عمر!!

ليس هذا فقط..

بل إن الأمر قد يتجاوز ذلك.. بله يتجاوز هذا البخل المادي، إلى بخل في ميدان العفو عن الزلات، وتجاوز الهفوات، وكتم السيئات، وستر العورات، وكظم الغيظ.. وتراه كريماً جواداً كالريح المرسلة في إشاعة سيئاته، ونشر هفواته، وإعلان زلاته، وتتبع عوراته، وهدم حسناته..

فأي أخوة هذه؟!وأي فقه هذا؟!

رحم الله عمر!!

فقد كان ذا قلب نوراني شفاف، ونفس بالغة الحساسية، في ميادين الإيمان والدعوة، لا تغره عبادة، ولا تؤمله طاعة، ولا يلهيه كل ذلك عن حقيقة ما يجب أن يكون عليه المؤمن الصادق، في كل ميادين حياته..

رحم الله عمر!!

ما أشد حياءه، وما أعظم خوفه!!

يستحي من الله سبحانه أن يطلب لإخوانه الجنة، في الوقت الذي يبخل فيه عليهم بحطام الدنيا، فيعطيهم قليلها، فماذا تعدل الدنيا كلها في ميزان الآخرة؟! وكيف يكون كريماً جواداً معطاءً صادقاً.. وهو يستكثر عطاء الدنيا ويستعظمه؟! وتراه جواداً كريماً في دعاء لسانه لهم بالجنة؟! لقد أدرك حقيقة الدنيا وهوانها، وعظمة الجنة وغلاءها، فجاءه هذا الشعور العظيم.. ولو أدركنا إدراكه لجاءنا شعوره الجميل هذا.. لكن هي الغفلة.. التي علت بها مكانة الدنيا في نفوسنا، فسيطرت..

* * * * *

إنها لفتة إيمانية روحانية رائعة، يلفت عمر أنظارنا إليها، ويضعنا من خلالها في امتحان صعب للغاية، فهل تقفز بنا هممنا الإيمانية، إلى حيث كانوا ؟!

وهل تحلق بنا أخوتنا في فضاءات رحبة، فتخرج بنا من أسر الذات، وقيد الأهواء، وضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة؟!.

رحم الله عمر !!

جزاك الله خيرا أختي الدرر ولنا في السلف الصالح قدوة حسنه..

جزاك الله خير الجزاء اختي الدرر
بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.