الماء الطهور والماء الفرات والماءالأجاج
بقلم المهندس عبد الدائمالكحيل
في هذا المقال سوف نرى بأن القرآنيتحدث أنواع المياه بدقة فائقة ويصنفها بما يتناسب مع درجة نقاوتها. فالقرآن يسميالماء المقطر وهو ماء المطر بالماء الطهور ويسمي الماء العذب الذي نشربه من الأنهاروالآبار بالماء الفرات ويسمي ماء البحر الذي يحتوي على نسبة عالية من الملوحةبالماء الأجاج، وقد ثبُت علمياً الفوارق الكبيرة بين هذه الأنواع، وهذا ما سنعيشمعه الآن من خلال الفقرات الآتية. ونود أن نشير إلى أن قطرة الماء الواحدة تحويخمسة آلاف مليون جزيء ماء!!! فكم تحوي بحار الدنيا؟
القرآن يتحدث عن الماء المقطر
يقول سبحانه وتعالى في محكم الذكر: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَيَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)[الفرقان: 48].فقدتأملتُ هذه الآية طويلاً ووجدتها تتحدث بدقة عن مواصفات ما يسميه العلماء بالماءالمقطر. فقد اكتشف العلماء أن الماء الذي نشربه يحتوي على الكثير من الموادوالأحياء. فكأس الماء الذي نظنه نقياً فيه ملايين الأحياء الدقيقة مثل البكترياوالفيروسات، وفيه مواد معدنية مثل الحديد والنحاس والألمنيوم والصوديوم والمغنزيوموالكالسيوم، وفيه أيضاً مواد عضوية مثل الكربون والتراب وغير ذلك… وكل هذا موجودفيما نسميه ماء نقياً[1]!
لقد اكتشف العلماء أيضاً أن هذا الماء يمكن تنقيتهبتسخينه حتى درجة الغليان أي 100 درجة مئوية، ثم جمع البخار وتكثيفه وتبريده،والحصول على الماء المقطر الذي يكون نقياً لدرجة كبيرة. ويقولون أيضاً إن أفضلأنواع الماء المقطر هو ماء المطر، ولكن قبل سقوطه على الأرض وتلوثه بالملوثاتالموجودة في الهواء.
لقد أفرزت حضارة هذاالعصر الكثير من التلوث، حتى إن سقوط المطر ينظف الجو لأن ماء المطر وهو ماء مقطَّريتميز بشراهته لامتصاص المواد، فيمتص من الجو غاز الكبريت وغيره من المواد والمعادنمثل الرصاص السام، وهكذا يكون طعم ماء المطر حامضياً. مع العلم أنه في الماضي كانماء المطر نقياً لأن الجو لم يكن قد تلوث.
عندما ينزل ماء المطر على الأرض يتسرب عبر التربة وبينالصخور ويسلك مسارات معقدة جداً، وخلال رحلته يمتزج ببعض المعادن والأملاح الموجودةفي الصخور، ويأخذ طعماً قلوياً شيئاً ما. ولذلك نجد أن طعم الماء المقطر غير مستساغلأنه عديم الطعم، بينما طعم ماء الينابيع يكون مستساغاً.
شكل (1) يصرح العلماء اليوم أن ماء المطر هو ماء مقطر، هذا الماء النقيله خصائص مطهرة وهو مزيل ممتاز للأوساخ ويستطيع تطهير وتعقيم أي شيء. وقد صدق اللهتعالى عندما سمّى الماء النازل من السماء بالماء الطهور، وهي تسمية دقيقة منالناحية العلمية (وأنزلنا من السماء ماء طَهوراً).
مواصفات ماء المطر
والآن سوف نعدّد بعض خصائص الماء النازل من السماء وهوماء المطر. يعتبر ماء المطر ماء مقطراً مئة بالمئة فهو ناتج عن تبخر الماء منالبحار وتكثفه على شكل غيوم ثم ينزل مطراً. لذلك هو ماء نقي تماماً. ماء المطريستطيع نزع الأوساخ من على جلد الإنسان أكثر من الماء العادي، لذلك يعتبر هذا الماءمادة معقمة ومطهرة تستخدم في الطب. وهو خالٍ من الفيروسات والبكتريا، وهو أيضاً ماءيمتلك خاصية امتصاص المعادن والغازات والغبار وأي مادة تصادفه بنسبة كبيرة، لذلك هومادة مطهرة للجوّ أيضاً[2]!
وبعد معرفتنا لهذه الصفات نجد أنهاتجتمع في كلمة واحدة هي التي عبر بها القرآن عن حقيقة ماء المطر في قولهتعالىوَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءًطَهُورًا)[الفرقان: 48].فكلمة (طَهَرَ) في اللغة تعني إزالة الأوساخ والنجاساتوالتنزه عنها كما في القاموس المحيط.
الماء الفرات
ولكن هنالك صفة جديدة لهذا الماء يحدثنا عنها العلماء وهيأنه ماء يستطيع أن يجدد الخلايا في الجسم بشكل أكبر من الماء العادي. أما علماءالطاقة فيؤكدون أن ماء المطر يمتلك كمية أكبر من الطاقة، وهذا ما ينعكس إيجابياًعلى الحالة النفسية للإنسان.
شكل (2) لقد سمّى الله تعالى ماء الأنهار والماء المختزن تحت الأرضوالذي نشربه بالماء الفرات، أي المستساغ الطعم، بينما سمّى ماء البحر بالأجاجللدلالة على ملوحته الزائدة، وسمى ماء المطر بالماء الطهور، وبذلك يكون القرآن أولكتاب يعطينا تصنيفاً علمياً للمياه.
وليس غريباً أن نجد القرآن يحدثنا عن هذه الخصائص بشكلواضح في قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُعَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَالشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِالْأَقْدَامَ)[الأنفال: 11].هذه الآية تتحدث عن ماء المطر من خلال قوله تعالى: (مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)وتحدثنا عن خاصية التطهير الموجودة في هذا الماء في قولهعز وجل: (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)وتحدثنا عن خاصية الطاقة التي يمتلكها هذا الماء وتؤثرعلى الإنسان في إعطائه الدفع والقوة لتثبت قدماه عند لقاء العدو، أي الحديث هنا عنالطاقة التي يستطيع الإنسان بواسطتها المواجهة أكثر[1]، وذلك في قوله تعالى: (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ).
بينما نجد القرآن يفرق بين كلمة (طَهوراً) وكلمة (فُراتاً) في آياته. يقول تعالى: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا)[المرسلات: 27]. فالماء الذي نشربه من الأنهار والينابيعوالآبار ماء عذب ومستساغ المذاق لأنه يحوي كمية من المعادن مثل الحديد الذي يجعلطعم الماء حلواً. وهذا يناسبه كلمة (فُراتاً)،و(الماء الفرات) في اللغة هو الماء المستساغ المذاق كما في المعاجم اللغوية. بينماالماء النازل من السماء هو ماء مقطر يمتلك خصائص التعقيم والتطهير وليس له طعم! لذلك وصفه البيان الإلهي بكلمة (طَهوراً).
فالماء عندما ينزل من السماء يكون طهوراً ثم يمتزجبالمعادن والأملاح في الأرض ليصبح فراتاً. وحتى عندما يتحدث القرآن عن مياه الأنهارنجده يستخدم كلمة (فراتاً) ولا يستخدم كلمة (طَهوراً) لأن ماء النهر العذب يحتويعلى كثير من المعادن المحلولة فيه، يقول تعالىوَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌسَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) [فاطر: 12].
الماء الأجاج
لقد استوقفني قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِهَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) [فاطر:12]. وتساءلتُ: لماذا أعطى الله تعالى لكل نوع من هذين النوعين صفتينعَذْبٌ فُرَاتٌ) – (مِلْحٌ أُجَاجٌ). فنحن نعلم بأن ماء النهر (عذب)،فلماذا أضاف الله صفة ثانية وهي (فرات)؟ وكذلك ماء البحر (ملح) فلماذا أضاف الله لهصفة ثانية وهي (أجاج)؟ وفيالوقت نفسه وصف الله تعالى ماء المطر بصفة واحدة فقط وهي (طهوراً)، فهل هنالك تكرار في القرآن أم إعجاز؟
لقد لقد وجدتُ بأن علماء المياه عندما يتعاملون مع الماءلا يكتفون بإطلاق صفة العذوبة أو الملوحة على الماء. فكل المياه التي نراها علىالأرض سواء في الأنهار أو البحيرات أو مياه الآبار جميعها تحوي أملاحاً بنسبة لانكاد نشعر بها، ولكنها لا تغيب عن الله تعالى وهو خالقها!
لذلك جاء البيان الإلهي بصفة ثانية وهي (فرات) أي مستساغالمذاق بسبب انحلال بعض المعادن والغازات فيه والتي تعطي الماء طعمه المعروف. وبالمقابل نجد أن صفة (ملح) لا تكفي لوصف ماء البحر بشكل دقيق فأتبعها الله تعالىبصفة ثانية وهي (أجاج) أي زائد عن الحد، وهذه الكلمة من فعل (تأجّج) أي زاد وبالغكما في معاجم اللغة العربية. ولكن هل تكفي صفة واحدة وهي (طهوراً) لوصف ماء المطر؟نعم لأن ماء المطر كما رأينا هو ماء نقي ومقطر ولا طعم له أو رائحة، ولذلك تكفيهصفة واحدة.
شكل (3) ماء البحر هو الماء الأجاج، وفي اللغة الفعل (أجَجَ) يعني زادعن الحدّ، وهذا ما نجده في مياه البحر التي تحتوي على درجة ملوحة زائدة. وصف اللهتعالى ماء البحر بأنه (ملح أجاج)، لأن كلمة (ملح) لوحدها لا تكفي، فالمياه العذبةتحوي على نسبة من الملوحة، ولكننا لا نحس بها!
وجه الإعجاز
ويتجلى وجه الإعجاز في أن القرآن يستخدم كلمة (طَهوراً) مع الماء النازل من السماء لأنه ماء نقيّ، وهو ما يسميه العلماء بالماء المقطرويعدّونه مادة مطهرة. بينما كلمة (فراتاً) لا يستخدمها الله تعالى مع ماء السماءأبداً، بل مع الماء الذي نشربه. لأن ماء الأنهار ليس نقياً مئة بالمئة، بل هنالكبعض الأملاح والمعادن المنحلة فيه والتي تعطيه طعماً مستساغاً.
ولو تأملنا حديث القرآن عن ماء البحر نجد كلمة (أجاج) للدلالة على الملوحة الزائدة فيه. والقرآن لا يكتفي بإطلاق صفة الملوحة على ماءالبحر، أي لم يقل ربنا سبحانه (وهذا ملح) بل قال: (وهذا ملح أجاج). لأننا منالناحية العلمية إذا قلنا إن هذا الماء يحوي أملاحاً فإن هذا لا يعني شيئاً لأن كلالمياه على الأرض فيها أملاح بنسبة أو أخرى، ولذلك يجب أن نحدد نسبة الملوحة فيه،وهذا ما فعله القرآن.
هنالك شيء آخر وهوأن القرآن أول كتاب تحدث عن خاصية التطهير الموجودة في ماء المطر أو الماء المقطر،وهذه الصفة كما قلنا لم تُستخدم في القرآن إلا مع ماء السماء. بينما نجد كتب البشرلا تفرق بين الماء العذب والماء الطهور والماء الفرات، بينما القرآن ميز بينها ووضعكل كلمة في مكانها الدقيق.
فسبحان الذيأحكم آيات كتابه وكلماته وكل حرف من حروفه! والسؤال الذي نودّ أن نوجهه لأولئك المشككين بإعجازالقرآن: لو كان القرآن من تأليف بشر هل استطاع التمييز بين هذه الكلمات في ذلكالعصر؟؟ إذن نستطيع القول بأن القرآن تحدث عن مواصفات وخصائص الماء قبل أن يكتشفهاعلماء الفيزياء بقرون طويلة. أي أن القرآن هو أول كتاب يفرّق بين أنواع المياه،أليس هذا دليلاً مادياً على أن القرآن صادر من الله تبارك وتعالى
المهندس عبد الدائمالكحيل
باحث في إعجاز القرانالكريم و السنة النبوية
سوريا
منقول مع الشكر
وجعله في ميزان حسناتك