فإن الدعاء من العبادات المشروعة في ليلة القدر، ومما يدل عليه حديث عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله؛ أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني. أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم.
قال ابن رجب في لطائف المعارف: وأما العمل في ليلة القدر: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها، والصلاة، وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضًا، قال سفيان الثوري: الدعاء في تلك الليلة أحب إليّ من الصلاة، قال: وإذا كان يقرأ، وهو يدعو، ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة، لعله يوافق. انتهى. ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسنًا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة: لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة، والقراءة، والدعاء، والتفكر، وهذا أفضل الأعمال، وأكملها في ليالي العشر وغيرها. اهـ.
قال ابن عثيمين: هذه أيضًا من أوقات الإجابة: عشية عرفة، وليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، وهي كغيرها من الليالي بالنسبة للإجابة، أي أن آخر الليل فيها وقت إجابة، وهي خير من ألف شهر بالدعاء فيها، وفي بالبركة التي تحصل بها، كما قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة). اهـ.
والليالي العشر الأواخر كلها ترتجى فيها ليلة القدر، فيكون الدعاء فيها مشروعًا، ومرجو الإجابة.
وإجابة الدعاء في شهر رمضان مرجوة حال الصوم، وعند الإفطار؛ لما ورد في سنن البيهقي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر. وانظر للفائدة الفتوى رقم:176401.
وأما عن إجابة الدعاء في شهر رمضان عمومًا: فقد روي فيه حديث لا يصح عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومًا وحضر رمضان: أتاكم رمضان، شهر بركة، يغنيكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن أبي قيس; ولم أجد من ترجمه. اهـ. وقال العيني في عمدة القاري: وفي إسناده محمد بن أبي قيس يحتاج إلى الكشف. اهـ. وحكم عليه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب بأنه موضوع – أي مكذوب -.