وإما بيان لجزاء الموحدين الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل في الدنيا والآخرة وبيان لجزاء المشركين الذين أعرضوا عن التوحيد وما حل بهم من العقوبات في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة
وإما إخبار عن الموحدين من الرسل وأتباعهم أو إخبار عن المكذبين من المشركين وأتباعهم من الأمم السابقة كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات
وغيرهم من الأمم لما أعرضوا عن التوحيد وعصوا الرسل وماذا حل بهم ، وإما بيان الحلال والحرام وهذا من حقوق التوحيد فالقرآن كله توحيد لأنه إما لبيان التوحيد وبيان مناقضاته ومنقصاته ،
وإما إخبار عن أهل التوحيد وما أكرمهم الله به أو إخبار عن المشركين وما انتقم الله تعالى منهم به في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة ، وإما أحكام حلال وحرام وهذا من حقوق التوحيد فالقرآن كله في التوحيد
وحقوقه ومفسداته ومبطلاته فالقرآن كله يدور على التوحيد .
إن بعض الناس اليوم من جهلة الدعاة و أقولها بأسف لأنه لا يصلح للدعوة من كان جاهلاً لا يجوز أن يدخل في مجال الدعوة إلا من كان عالماً مسلحاً بالعلم ولكن فيه من جهلة الدعاة من يهونون
من شأن التوحيد ويقولون الناس مسلمون وانتم في بلاد مسلمين, العالم الإسلامي ليس بحاجة إلى من يلقي محاضرات في التوحيد أو يقرر مقررات في المدارس في التوحيد أو يقرأ كتب
التوحيد بالمساجد هكذا يقولون..! وهذا من الجهل العظيم لأن المسلم أحوج من غيره لمعرفة التوحيد من أجل أن يحققه ومن أجل أن يقوم به.
ومن أجل أن يبتعد عما يخل به أو يناقضه من الشركيات والبدع والخرافات ما يكفي أن يكون مسلماً بالاسم من غير أن يحقق الإسلام ولن يحققه إلا إذا عرف أساسه وقاعدته التي يبنى عليها وهو التوحيد.
فإن الناس إذا جهلوا التوحيد وجهلوا مسائل الشرك وأمور الجاهلية فإنهم حينئذٍ يقعون في الشرك من حيث يدرون أو لا يدرون وحينئذٍ تقوض عقيدة التوحيد كما قال أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: [ إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ]
وهل كل المسلمين يعرفون أمور العقيدة ويعرفون التوحيد ؟ إذا كان العلماء يعلمون هذا فالعلماء قلة وأقل من القليل العلماء بالمعنى الصحيح أقل من القليل وكلما تأخر الزمان فإن العلماء على الحقيقة
يقلون ويكثر المتعالمون ويكثر القراء ويكثر الرؤوس الجهّال كما قال صلى الله عليه وسلم :[ إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض هذا العلم بموت العلماء حيى إذا
لم يبقى عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأضلوا ]
وفي حديث آخر أنه في آخر الزمان يقل العلماء ويكثر القرّاء وفي أثر آخر يكثر الخطباء في آخر الزمان ويقل الفقهاء ومن هنا يجب علينا أن نهتم بجانب التوحيد وأن نعتني به عناية
تامة بأن ندرسه وندرّسه ونحاضر فيه ونعقد فيه الندوات ونشكل به البرامج في وسائل الإعلام ونكتب في الصحف وندعو إلى التوحيد رضي من رضي وغضب من غضب لأن هذا
أساس ديننا وهذا مبنى عقيدتنا ونحن أحوج الناس إلى أن نتعرف عليه وأن نتدارسه وأن نبينه للناس.
في العالم الإسلامي ـ ماعدا هذه البلاد التي حماها الله بدعوة التوحيد ـ المشاهد الشركية المشيدة على القبور كما تسمعون عنها أو كما رآها بعضكم ممن سافر، الدين عندهم هو الشرك وعبادة الموتى
والتقرب إلى القبور ومن لم يفعل ذلك عندهم فليس بمسلم لأنه بزعمهم يتنقّص الأولياء كما يقولون وهناك دعاة لا يهتمون في تلك البلاد بأمر التوحيد مع الأسف إنما يدعون الناس إلى الأخلاق الطيبة
وإلى ترك الزنا وترك شرب الخمور هذه كبائر محرمات بلا شك ولكن حتى لو ترك الناس الزنا وشرب الخمور وحسنوا أخلاقهم وتركوا الربا لكن لم يتركوا الكبائر ما داموا أنهم لم يتركوا الشرك وحتى
من لم يشرك ما دام أنه لا ينكر الشرك ولا يدعوا إلى التوحيد ولا يتبرأ من المشركين فإنه يكون مثلهم ولهذا يقول جل وعلا لنبيه (( وما أنا من المشركين )) ]سورة يوسف-108 ، هذا فيه البراءة من
المشركين، فالمسلم الموحد لابد أن يتبرأ من المشركين ولا يسعه أن يسكت والشرك يعج في البلد والأضرحة تبنى والطواف بالقبور معمور ولا يسع من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسكت على هذا
الوباء الخطير الذي يفتك بجسم الأمة ويقول لا ادعوا الناس إلى حسن السيرة والسلوك وترك الخمور وترك الزنا، وماذا تجدي هذه الأمور مع فقد الأساس ؟ أنت لما تبني بناءً ألست أول شيء تهتم بالأساس
والقواعد من أجل أن تقيم البناء الصحيح وإلا إذا لم تهتم بالأساس ولم تهتم بقواعد البناء فإنك مهما شيدته ونمقته فإنه عرضة للسقوط ويكون خطراً عليك وعلى من دخل هذا المبنى ، كذلك الدين
إذا لم يقم على عقيدة سليمة وأساس صحيح وتوحيد لله وتنزيه عن الشرك وإبعاد للمشركين عن موطن الإسلام فإن هذا الدين لا ينفع أهله لأنه دين لم يبنى على أساس ولم يبنى على قاعدة سليمة.
النبي مكث بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى التوحيد يقول للناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ـيدعو إلى التوحيد ـ.السور المكية كلها تعالج قضية التوحيد وتأسيس العقيدة ثم لمّا
تأسس التوحيد وقامت العقيدة نزلت شرائع الإسلام ، نزل الأمر بالصلاة والأمر بالزكاة هذا إنما نزل بالمدينة ـ الصلاة فرضت على النبي في مكة ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بأشهربعد تأسيس
التوحيد وبعدما بنيت العقيدة ثم نزلت الزكاة ونزل الصيام والحج وبقية شرائع الإسلام ـ ، ويوضح هذا جلياً أن الرسول لما بعث معاداً رضي الله عنه إلى اليمن رسم له منهج الدعوة
وقال له: [ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن
هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم ] .
التوحيد هو أول شيء أمر النبي معاداً بالدعوة إليه وهذا ليس خاص بمعاد، هذا عام لكل من يدعو إلى الله عز وجل أن نبدأ بهذا الأصل فإن هم أطاعوك لذلك وشهدوا أن لا إله إلا الله واعترفوا بعقيدة
التوحيد حينئذٍ مرهم بالصلاة والزكاة أما بدون أن يقروا بالتوحيد فلا تأمرهم بالصلاة لأنه لا فائدة للصلاة والزكاة ولجميع الأعمال ـ ولو كثرت ـ بدون توحيد. قال اله سبحانه وتعالى (( ولقد أوحي إليك وإلى
الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ))] سورة الزمر 65-66
أهمية التوحيد ( لفضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان )
حفظه الله ورعاه.
وأثابكـ الله
موضوع قيم
.,