أوراق الأمل
حول التلفاز اجتمعت الأخوات. كان الجميع مسروراً ومتلهفاً لحفل تخرّج أخيهم منصور.
– هيّا يا أمي أسرعي. لقد بدأ الحفل.
أسرعت الأم تجاه المجلس وعيونها صوب التلفاز.
– هل رأيتن منصور؟
أجابتها ميثاء ضاحكة: لا يا أمي لم نشاهده، وكأن الحفل قد خُصّص لأخي فقط!
– ليت والدكن على قيد الحياة ليفخر بابنه في هذا اليوم.
قالت الأم تلك الكلمات وتساقطت دموعها.
تحلّقت الأخوات حولها، وبدأن في مواساتها: لا داعي للبكاء يا أمي.
– إنّ أبي لا يستحق إلاّ الدعاء الطيب. لقد كان صالحاً كريماً يخاف الله.
– لقد ملأ هذا البيت بالمودة والرحمة والحنان.
– وما يزال هذا البيت عامراً بالمودة وأنتِ بيننا.
تخرّج منصور أخيراً، وبدأت الأم تلح عليه كي يتزوج. كانت تخاف أن يخطفها الموت قبل أن تشاهد ذريته.
– أمورك الآن على خير ما يرام في العمل. وظيفة، رتبة ومنصب. أيضاً أمورك المادية ممتازة هذا إلى جانب ميراث أبيك. كل ذلك يهيِّئ لك الزواج بكل سهولة.
– لكنّنا حتى الآن لم نجد الفتاة المناسبة.
– هل تود الارتباط بملكة جمال؟!
– لا. لا أريد ملكة جمال. أريد فتاة طيبة متسامحة مثلكِ يا أمي.
– ما رأيك في أمل؟!
– ومن هي أمل؟!
– إنها ابنة أعز صديقاتي. طالبة تدرس في كلية الآداب في جامعة الشارقة. إنّها تقاربك في السن، وأظنها على وشك التخرج.
– وماذا غير؟!!
– ملامحها هادئة وناعمة. طيبة ولبقة في حديثها، وفوق هذا بشوشة والابتسامة لا تفارق محيّاها.
فاتحت الأم صديقتها المقربة برغبتها في التقدم لخطبة ابنتها أمل. طلبت منها مهلة قبل الرد. سأل والد أمل عن منصور فعرف أنه محافظ على فروضه في المسجد ودمث الخلق، وناجح في عمله.
– أنتِ أمل؟!
كادت أن تضحك بصوت عالٍ لكنها تمالكت نفسها.
– إن بيتي قد صار بيتك، وبإمكانك أن تزورنا متى تشاء.
لقد أصبحت أحد أبنائي يا منصور.
– لا أحب الدراسة!
– كم كانت نسبتك في الثانوية العامة؟!
– دعيكِ منّي ولننتقل إليكِ. كم كانت نسبتكِ في الثانوية العامة؟!
– أفهم أنكِ من مواليد 1962م ونسبتك 62%.
– لاااااااا. هل يعقل أن يكون عمري الآن 48 عاماً؟! ألا تعرف سنة ميلادي؟! خطيبتك من مواليد 1989م، وذلك يعني أن نسبتي 89%.
– الآن عرفت من كان يستولي على "براشيم" المكتبات!
– إذن أنتِ عبقرية بدون آلة حاسبة.
– إلى حدٍ ما.
– سأسألك سؤالاً أختبر فيه قدراتك الدهنية.
– أقصد قدراتك الذهنية. ركّزي معي. لدينا باص فيه 10 أشخاص. عند المحطة الأولى وقف وركب فيه 3 ركاب. في المحطة الثانية نزل منه 7 ركاب وركب فيه 13 راكب. أكمل الطريق ووصل عند محطة للبترول. نزل منه 5 ركاب ولم يرجعوا…
وبدأت أمل تسجل عدد الركاب. من نزل، ومن صعد حتى قال: والآن السؤال…
– ومن قال أني أريد العدد؟! إن الأحجية هي: ما اسم سائق الباص؟!
– أظن والله أعلم أن الحرب العالمية على وشك البدء.
لم ترد عليه، وعاد إلى حديثه: يجب أن أؤمّن على نفسي. لو حدث لي مكروه ستجن أمي.
– عن أي حرب تتحدث؟!
– من الواضح أن أحجيتي قد أغضبتكِ. إنّها من فئران أفكاري.
هنا لم تتمالك أمل نفسها وانفجرت ضاحكة على تعليقاته.
– ما هو؟!
– إنه بساطة أحاديثك وجمال روحك المفعمة بالتفاؤل والمرح.
– تلك هي شخصيتي.
– تحدّثي يا أمل بلا تردّد.
– تعلّمت في هذه الحياة أن من يحمل ابتسامة دائمة يحمل معها حزنا دفينا في قلبه. من يجلس معك ويعرفك قد يظن أنك بلا هموم!
– بل أنا من يعتذر على تعليقاتي المتواصلة. لقد أثرتُ غضبك بسبب أحجية الباص.
– ولماذا نفترق؟! أمي أنتِ بحديثك هذا تقتلين الفرح الذي في قلبي.
ارتسمت ملامح الفرح على وجه منصور للحظات حين شاهد أمل، وما لبث أن عاد إلى صمته وتجهمه.
– سامحونا على انقطاع زيارتنا.
– عذركم معكم يا أبا عمر.
– سيدتي يجب أن نحسم أمر أبنائنا بعد الذي حدث.
– كنت واثقا أننا سنفترق. "هكذا رد منصور".
اقتربت منه أمل ووضعت يدها في يده، وضغطت عليها قائلة:
ومن قال إننا سنفترق؟!
أطبق السكون على الغرفة. نظرت أمل إلى منصور نظرة دامعة مملوءة بالمشاعر! ومع هذا تفادى النظر إليها! ثم قطع السكون صوته.
– لقد خسرت من وراء هذا الحادث الكثير.
– لا تقل شيئا يا منصور. إن ما حدث لك ابتلاء من عند الله، ولا تنسوا أنني أب لشاب يقاربك في السن، وما حدث لك كان من الممكن أن يحدث له.
– إنني بحاجة إلى ممرضة لا إلى زوجة!
سألته أمل بصوت خافت: ما كل هذا اليأس؟!
سحب منصور يده من يدها.
– وما حاجتك بإنسان عاجز سيكون أسيراً لمقعد ما بقي له من العمر؟!
– أين تفاؤلك وابتسامتك؟ أين مرحك؟
هنا انفعل منصور وقال وهو يرتجف:
لماذا تصرين على الارتباط بمقعد؟!
ثم عاد إلى هدوئه.
– الحياة أمامكِ…
– الحياة لا طعم ولا قيمة لها حين لا نجد روحا نرتاح لها وترتاح إلينا، نسكن فيها وتسكننا.
وأمسكت بيده من جديد، وقالت:
لن أسمح لأخرى أن تسلبك مني.
لقد قام ذلك الحديث وتلك المشاعر بإذابة الرواسب التي خلفها الحادث في نفس منصور، وعاد التفاؤل إليه بعد أن قرر استكمال علاجه.
سافر منصور برفقة والدته للعلاج في الخارج. هناك أخبره أكثر من طبيب أن عودة رجله إلى سابق عهدها أمر مستحيل.
– وهل سأظل أسيراً للكرسي المتحرك طوال حياتي؟!
– بالطبع لا. بعد انتهائك من العمليات الجراحية ستبدأ مرحلة العلاج الطبيعي لكن في مستشفى آخر ومن بعدها قد تتمكن من السير لكن بصحبة عكاز طبي.
وبعد عشرة أشهر تخلّى منصور عن كرسيه المتحرك، واستبدله بعكاز يلازمه أينما ذهب.
وحان موعد العودة واقترب اللقاء وتجدد الأمل.
– ضيوف ينتظرونكِ في الصالة.
– مَنْ يا أمي؟!
– احملي لهم الشاي والقهوة وستعرفين.
غيرت أمل ملابسها على عجل، وعندما وصلت وقفت مذهولة وهي ترى منصور واقف أمامها وبيده عكاز، وبالقرب منه جلست والدته التي تشع الطيبة من وجهها. رحبّت بهما مرتبكة، وسلّمت على والدته ثم سلمت عليه، فقال لها هامساً:
– سامحيني لقد تأخرت!
فلم تتمالك دمعة تسللت إلى عينيها وردت بصوت أخف:
المهم أنك عدت بالسلامة.
النهاية
كم ضحكت عند قرائة الأحجيه التي لطالما حزرنا أياها أبي وفي كل مرة نقع في نفس الفخ ونعاود الحساب
وكم يشؤفني أنني أكون أول من رد على قصتك التي تشع بالأمل
تقبلي مروري
أختك ضوء
معاني جميلة
وأسلوب جميل
الامل والوفاء والإخلاص معاني تقترن بالسمو الاخلاقي . . والمشاعر
الإنسانية .
النبيلة
فكم من موقف طيب أثمر ثمرا يانعا .
بارك الله بك
وبقلمك ..
دمت ِ دائما في تميز .