كنت صغيرة جدا لااذكر في تلك اللحظة سوى حضن امي … اذا ارتفع صوتي بالبكاء …. كانت تعانقني …
تمسح لي دمعتي … تطعمني شربات من حليب … فلم اكن قادرة على الإمساك بشيء بعد …
اصوات غريبة كانت تتردد على مسمعي كل يوم … اصوات البائعين .. يخالطه صوت بكاء الأطفال وحتى النساء كان لمسمعي نصيب من سماع شكواهن وآلامهن ….
كل هذا سمعته اذناي ومازلت صغيرة ….
زادت سنوات عمري وسمعت ابي وامي يتحدثان عن رحلتنا .. في متن هذا القطار البطيء الذي قلما يسرع …. كان يسرع فقط في اللحظات السعيدة …..
لم يكن لي مقعد محدد …. اجول الأماكن لعلي اجد تفسيرا لتساؤلاتي … تارة اذهب الى ابي فأجده فرحا حزينا …
يمسك بين يديه صندوقا حتى الآن لااعلم ماذا يحوي …. عليه ورقة صغيرة ملونة بكل الألوان كتب عليها احب ابنائي واشقى لإسعادهم .. وتارة اعود مسرعة الى مقعدي لاني خائفة …
اعجبني شكل القطار الذي كنا نركبه …. مقاعده كثيرة والناس اكثر … من كل الجناس …..
هناك شيء ما يضيء بعيدا …. لحظة !!! لم اتمكن من معرفته ..النوم غطى ارجاء القطار …. وقمري شق منتصف السماء … لايهم فالصبح قادم بعد سويعات وشمسي لن تبخل علي بخيوطها الذهبية ….
عدت ادراجي ..الى حضن امي ونمت ….
ولما استيقظت … كان الشمس تنظر لي وتقول محدقة … اتيت اليك بيوم جديد … اذا مات باستطاعتك التفكير في حزن الماضي … وامل المستقبل …
فضلت ان تقرؤون بداياتي اولا
ولي بقية ارجو ان تنال اعجابكم …… دفاتري الخجولة تنتظر ردودكم عليها لتخرج من بيتها الذي يتوسط ظلام حجرتي …
ننتظر البقية حفظكـ الله ..
مرورك الأروع دمت بود
كانت تمثل لي هذه الإنسانة الشيء العجيب الذي لااعرف من اين تخرج كلماته وحروفه واوامره المتسلطة …
عدت من أول يوم فالثاني … فالثالث … حتى انه لم يبقى شيء ولا احد يعجبني سوى تلك العلامات الأربع التي عشقت ذكرها ..
فكنت كلما مررت بشيء اضفته الى قائمة حساباتي …. حتى المواليد قمت بحسابهم فألفت كتابا للجبر … وأحببت تعلمه وتعليمه …
تغير فهمي كثيرا ماعدت تلك الصغيرة التي تتنقل بين مقاعد القطار بدون بصر ولابصيرة ..
اصبحت حركاتي محسوبة من نفسي … وعقلي لايترك فرصة لانفاسي لتأخذ راحتها يفكر في كل شيء وينادي الهم ليسكنه ….
….. انطلقت الى عالم واسع …. ابوابه فتحت لي بدون ان اطرقها …. ذلك العالم الجميل الذي احسست بأني كالطيور المهجرة فيه … بكل مافيه من مغريات يدفعني الى الأمام لاخوض التجربة …..
لم يسمح لي بالتفكير في صوابه وخطأه ….. ركنت رأسي على حافة القطار وبدأت بالغوص في عالمي المتضخم بالخيال حتى وصلت للأعماق …
في هذه المرحلة عرفت الرواية والأساطير والحب والكتاب … مررت بأخوة وصداقة وشك الصحاب …. تذوقت طعم الصمت والعزلة وحتى الغياب …. منها ماهو حلو … ومر ….. فلم اعد اميز المذاق …..
الصقيع يغزو اركاني فأرتجف كورقة خريفية .. اتطاير كالعهن المتفتت ابحث عن واحة استقر فيها ….
جلست بجوار …. اخذ من عتيق مكتبته كتابا وتنحى كعادته وجلس شبه مستلق … عبق من الهواء ملء رئتيه … ثم اعطى لبصره مساحة حرة في الأفق ….
قبل الشروع في الحوار معي …
ارتد نظره الي … وسألني بإبتسامة صادقة مابك ؟؟
لم اجبه … حدثت نفسي لبرهة … هذا اخي كيف اقول له ومن اين ابدأ لالا افضل الإحتفاظ بالإجابة … بإبتسامة شبه زائفة : لاشيء ياأخي العزيز ..
ارجع نظره الى كتابه وهو يحاول أن يخلق لنفسه طقوس القرأة المعتادة … فتح الكتاب لمدة عاد و اغلقه … هنا شعرت بضيق يعتصر انفاسي ليعاود آلامي من جديد …
كرر محاولته بسؤالي دون جدوى …
هدأت … ثم عادت رغبته في القراءة من جديد استجمع قواه واخذ يفرغ عقله وذهنه من العوالق التي نغصت عليه متعة السفر على هذا القطار ….
كنت احد عوالقه التي شغلت جزأ من تفكيره …. كم كنت انانيه … فلم افكر يوما في سؤاله عن احواله وما يدور في خواطره …
بقيت بجانبه مدة طويلة وأنا لم افكر في تغيير مقعدي …. كان يذكرني بالسكون والهدوء بدون قصد منه ….
وقع نظري على عبارة في الصفحة الأخيرة من الكتاب الذي كان يقلب صفحاته (( طوبى لمن رزقوا السكينة في النفوس ))) … اهتز كياني لهذه العبارة … وسرح معها خيالي في رحلة لاستكشاف معناها … وكأني لم اسمع بالسكينة قط …
عدت من هذه الجولة الزمنية القصيرة بكل نفس راضية مطمئنة … اتخذ السكون مسكنا في كياني … فأصبح من مميزاتي … فعجز لساني عن اختيار كلمة شكر لهذا الكيان الشامخ ..
أحبك اخي…
رحلتي لم تنتهي ولا زالت دفاتري تكتض بإحساس جبار فأين ردودكم وانتقاداتكم التي تشرفني …..
هذه الكلمات خرجت من قلبي فعلا …ولذلك اود ان احتفظ بها لنفسي فلن يقدرها احد سواي …
تنقلت عيناى بين تلك الأزهار الملونة فى حديقة كلماتك .. ما أجمل هذا الأسلوب التلقائى ..
الذى ينقل مشاعر مرهفة .. ويترجمها بلغة جديدة تماما .. أذهلتنى جدا ..
أقول لك .. تابعى يا عزيزتى .. وأخرجى ما فى جعبتك ..
فأنت موهوبة بلا شك .. وتملكين حسا رائعا ومرهفا ينبىء بميلاد كاتبة فريدة ..
تمسكى بهذا الحلم وتابعى .. ولا ترهنى موهبتك طى الصفحات المخبأة بين الجدران المظلمة ..
إنها تستحق أن تخرج للنور وتعلن عن نفسها بمنتهى القوة والثقة ..
إسلوبك فريد .. ومشاعرك صادقة .. لا تكونى فريسة للإحباط فهو أسوأ عدو لنفسك ..
قدرى نفسك حق قدرها قبل أن يقدرها الآخرون ..
أنتظر مزيدك ..
تحياتى لك ..