يقول الله تعالى في كتابه الحكيم :
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون )
صدق الله العظيم
يبدأ الارتباط الرسمي بين الرجل و المرأة عادة بعد الخطبة
و توثق بعقد القران قبل الزفاف
فمنذ تلك اللحظة التي يعلن فيها كلا الطرفين الموافقة على الآخر تكللها مباركة العائلتين..
يبدأ كل من الفتاة و الشاب بنسج أحلامهما فيما يتعلق بالحياة الجديدة التي سيدخلانها معا يدا بيد ..
فتبدأ الفتاة بدراسة أخلاق و صفات خطيبها
تفعم بالإعجاب بشخصيته و أفكاره و رومانسيته و طيبته معها …
و تسعد بأنه أصبح لها وحدها رجلها و فارس أحلامها المغوار
سيحملها على جواد أبيض ليدخل بها القفص الذهبي…
نعم القفص الذهبي …
فتبدأ بعدها بتخيل ذلك القفص
ماذا سيكون فيه و كيف ستنتقي كل قطعة بنفسها بكل التفاصيل
يلحقها التفكير بحفلة الزواج …
فستانها الذي وضعت ملامحه من الألف إلى الياء منذ سنوات عديدة و قبل أن تقابل فارسها
على الطرف الآخر لا يختلف حال الشاب كثيرا
يحلم بفتاته الجميلة الأنيقة
سيتزوجها فتدللـه.. سيكون قواما عليها…
ستكون أنثاه الضعيفة.. لن تكون إلا له ..له وحده..
فالآن هو مليكها و حبيبها …….
ثم يبدأ بتخيل حياته بعد زواجه منها
أخيرا سيودع حياة العزوبية للأبد
المنزل المقلوب حاله .. الطعام الجاف.. الملابس المتسخة و المتناثرة في كل جانب..
أخيرا ستدخل أنثاه لتضع لمستها في كل زاوية و في كل ركن
تبهره بمظهرها و جمالها الأخاذ… تشبع ذوقه بأشهى المأكولات..
تكون شريكة حياته تسانده و تدعمه… تساعده في اتخاذ قراراته
تكون القمة في كل شيء ….
في الأنوثة و الجمال و الرقة و الهدوء و الاتزان و العقلانية و النظافة
و لكن قد تأتي الرياح ..و الظروف بما لا تشتهي السفن
فها هي فاتن عادت ذات يوم إلى منزلها بعد الانتهاء من جولة البحث عن أثاث منزلها مع خطيبها
متعبة منهكة و…. غاضبة
فقد أخبرها كريم أنه لن يستطيع شراء البوفيه للمنزل حاليا
فوضعه المادي لا يسمح و المصاريف التي تنتظره كثيرة
و حماتها وجدت أن الفستان الذي أعجب فاتن مبالغ في سعره كثيرا..
و رجحت لها فستانا أرخص كثيرا لم يعجب بطبيعة الحال فاتن التي كانت تحلم بفستان أسطوري أو على الأقل تختاره هي كما تحب
كما أنها ترغب في إقامة حفل زفاف ابنها في منزل خاله لأنه كبير و بالطبع ..مجاني
على الرغم من قدرتهم على استئجار صالة للحفل
أخذها الغضب وهلة لكنها سرعان ما فكرت و قالت
لا يهم فهو حبيبي و زوجي مستقبلا و المهم أن أجتمع معه تحت سقف واحد مهما كلف الأمر
و تخرج مسرعة من غرفتها تبلغ أهلها أنها اتفقت على كل تلك الأمور مع كريم……….
و لا يختلف حال كريم عن حال خطيبته فاتن
فها هو في يوم و قد استشاط غضبا
لأن فاتن لم ترد على هاتفه و فضلت الخروج مع أمها لزيارة خالتها التي لم ترها من زمن طويل
فكيف تعصي أمره بعد ان عقد قرانهما و كيف تهمله هكذا
و لكنه سرعان ما يهدأ و يقول لنفسه : لا يهم كل ذلك سينتهي بعد الزواج
و سنكون لبعضنا ………..فقط
و يستمر الحال هكذا حتى الزواج.. ما بين أخذ و رد… شد و إرخاء…
و أول الزواج… شهر العسل الذي يراه كلا الطرفين آية من خيال
لكن…………
تفاجأ فاتن أن كريم لم يأخذ الإجازة التي وعدها بها..!
و الأسوأ أنه لن يبقى معها سوى أيام قليلة جدا… و تفاجأ أيضا ببعض الاشياء ناقصة في منزلها
و يعلل هو كل هذا بأنه لم يبقى معه المال الكافي لكل ذلك
و في العمل لم يرضى رئيسه أن يمنحه إجازة شهر
بل أنه بحاجة إلى مال كثير ليسد به السلفة التي أخذها من العمل
و إلا سيقوم رئيسه باتخاذ إجراء قانوني ضده …
و رغم كل خيبة الأمل تلك تأبى فاتن أن تفسد فرحة عمرها و شهر عسلها
بل و تتناول صندوق ذهبها الذي لم تلبسه بعد و تخرج منه عدة قطع و تصر على كريم ببيعها رغم رفضه
و في النهاية بالطبع يبيعها و يسدد ما عليه من ديون مقدرا لفاتن ما فعلته من أجله
و تمر الأيام فيأتي كريم يوما عائدا من العمل … يقبل على زوجته فاتن
يخبرها أنه قد دعا أهله على الغداء يوم الجمعة
فتغضب فاتن كثيرا و تستهجن أن يدعوهم دون أخذ رأيها مسبقا
ثم تبدأ في الشكوى منهم فتقول :
أن أمه فعلت كذا و لمحت بكذا ……
و أنها لم تنس يوم أن لم تشتر لها الفستان الذي أرادت
ثم تنقل الحديث إلى نقطة أكثر خطورة
فتعاير زوجها لأنها وافقت عليه رغم الفرق الشاسع بين عائلتها و عائلته اجتماعيا
و تتلفظ ببعض الألفاظ الخارجة
بل و تتبعها بقول : أنها بدأت تشعر بآثار الفروق في المستوى بينها و بينه
نتيجة لتربية أهل كريم له في بيئة أقل ..على حسب قولها من البيئة التي تربت فيها
و يجر الحديث بعضه ليضبح كلامها جارحا …
يصعق زوجها مما سمع يصمت و يعتزل ..
تشعر هي أنها(تسرعت) و أن الوضع متوتر
تذهب لتصالحه و تراضيه ……
يحاول أن ينسى و يمر الموقف دون تتباعات أكثر خطورة…
و هكذا تمضي الحياة الزوجية بين ما يسميه الإنسان تضحيات و تنازلات
و بين نوازع النفس البشرية و رغباتها المادية و المعنوية التي لم تحقق
فتشعر الزوج أو الزوجة بعدم الرضى و تقض راحته لولا أنه يدوس مشاعره السلبية على مضض
و يقنع نفسه أنه ما عمل إلا الصحيح
و أن الآخر يستحق منه ذلك و أن كل شيء يهون في سبيله
لكن الحياة بطبيعتها كلما تقدمت كلما تعقدت و زادت مشاكلها و مسؤولياتها
و تجتمع لحظة احتدام مع كومة تعب.. و نظرة حنق و بالطبع… وسوسة شيطان
فتنفجر الزوجة حاكية عن كل تضحياتها و تصرخ في زوجها :
أنا فعلت لك كذ و كذا و ضحيت بهذا و ذاك
و تبدأ بسرد تضحياتها من يوم عرفته حتى اللحظة
و تتبع ذلك أنه لا يستحق و أنها لم تر منه سوى.. القرف
و بالطبع لا يسكت الزوج فهو يرد عليها بنفس المعيار و المقياس و يبدأ
بسرد مواقفها السيئة مع أهله و كيف أنه تسامح و تهاون معها كثيرا
و أنه حقق رغبتها في العيش بعيدة عنهم على حسابه الشخصي
إلى أخره من الأمور و الحوادث…..
و هكذا يكتشف الزوجين بركانا من التراكمات السلبية كان خامدا و انفجر
و تصبح ثورته و هيجانه مرة أخرى مسألة وقت لا أكثر
و تستمر الحياة هكذا بوتيرة أعلى حدة و أكثر تحفزا و كأنهما في حرب
فأي لحظة او موقف أو حتى مشهد في تلفاز قد يصبح سببا في تقليب المشاكل القديمة
و جعلها تطفو على السطح من جديد و يعيد إليها الحياة و الذاكرة كمان لو أنها حصلت في وقت قريب
فتصبح محور نقاش أو بالأحرى شجار
فيبدأ الهمز و اللمز من قبل الزوجة يتبعه صمت الزوج الذي لا يعجبها بالطبع
فتكبر الكلمة و يعلو الصوت و يعاد المشهد من جديد …
تتطور المشادة….. و يثور البركان الخامد مرة أخرى ……
و الحقيقة أن كل ذلك هو نتاج تعامل خاطئ مع الأمور
منذ البداية و الوقوع تحت وطأة الصراع ما بين حب الذات و الرغبة بتحقيق رغباتها
و حب الآخر و التضحية برغبات النفس من أجله
و بعد عدة سنوات و عدة خيبات أمل متراكمة
ينتج عنه دافع معاد للطرف الآخر بناء على عدة مواقف و تراكمات قديمة
فيفاجأ كل طرف بكم هائل من الشحنات السلبية تجاه الآخر
جاهزة للانفجار في أي لحظة تبعا لأي تنبيه و لو غير مقصود لتلك الشحنات
و إثارتها و لو بلاشيء .. و تكثر الحواجز و تعلو بين الزوجين
فلا يلبثان إلا أن يجدا نفسيهما و قد تحولت الحياة بينهما
إلى مباراة تحسب فيها النقاط على كل جانب و تخزن لتخرج في وقت ما
فلا شيء يغفر و لا أمر يؤخذ ببساطة أو بحسن نية
و نجد فاتن مثلا و رغم مرور عشرة سنوات على زواجها لا تزال تذكر أن كريم لم يحضر لها البوفيه الذي ترغب و أنها باعت ذهبها من قبل أن تلبسه من أجله
و حتى لو أنها بعد ذلك اشترت ذهبا كثيرا مثلا ……
و هنا أحب أن أوجه حديثي للزوجين
فالحقيقة أنه من الجميل أن يضحي الإنسان من أجل من يحب
لكن لا يجب عليه أن يضحي إلا بما يمكنه بذله غير آسف عليه من أجل الحبيب
يضحي به و ينساه… و لا يستكثره لاحقا على من يحب
فالتضحية في الحياة الزوجية يجب أن يبتغى فيها وجه الله قبل كل شيء
و أن لا يوضع في الحسبان أنها رصيد يتم الضغط به على الآخر في أي وقت
و إلا لن تكون تضحية بل أي شيء آخر …….
كما أن التنازل يجب أن يكون بتوازن و بشكل معقول و لا يضغط على النفس بما فوق طاقتها
فيجعلها تضحي بأشياء يبقى أثرها في النفس طويلا أو إلا الأبد …..
مثل التنازل عن الكرامة أو الأهل أو أشياء تعني للإنسان الكثير………
و التضحيات الزوجية يجب أن تكون متبادلة… محققة التوازن في هذه الناحية من العلاقة
فكل إنسان يحب أن يشعر أنه يعامل كما يعامل و أن الطرف الآخر يكن له من الحب.. و يعطيه من القيمة
ما يجعله على الأقل يعطي مثلما يأخذ…
فكما هي الحياة دوما……. أخذ و عطاء……
و على الجهة الأخرى يجب أن يراعي كل طرف شريكه الآخر
فلا يهمل مشاعره و احتياجاته و لا يطالبه بما يفوق قدرته من تنازلات
تتكدس في النهاية على شكل تراكمات سلبية في النفس.. قد تدوم مدى الحياة
و تصبح السمة السائدة في التعامل بين الزوجين
هي التحفز و الحساب لكل حركة.. و محاولة الانتقام في كل لحظة و كل شيء ..دون غفران أو تسامح
و يحمل كل طرف الكثير من الآخر في نفسه.. مما يؤثر على جميع التعاملات و بالتالي على الحياة ككل مضفيا عليها سمة خاصة سيئة..
مزيج ما بين الندم و الغضب.. و أحاسيس دفينة أخرى..
كما يجب على الزوجين من حين لآخر
عقد جلسات مصارحة و فضفضة
يفرغ كل منهما ما بداخله للآخر
و يتم تصفية النفوس أولا بأول…….
و لهذه الجلسات أثر بليغ في تلطيف الأجواء
و مساعدة كل طرف على فهم الآخر و معرفة احتياجاته و استيعاب مشاعره و مشاكله…..
و بالتالي مضي الحياة بشكل أفضل و أكثر سعادة لكلاهما …..
نسأل الله التوفيق لكل أزواج و زوجات المسلمين و أن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل …….
بارك الله فيك و جزاك خيرا
فعلا كلمات و عبارات في غايه الصحة ..
احسنتي في أختيارك للموضوع
الف شكر على الطرح المفيدة والرائعة…
تقبلي خالص المحبه و دمت في رعايه الله .
بارك الله فيك
طرحك رائع للموضووووع
ربنا يكرمك يارب
وعجبتنى جدا الفقرة دى
و على الجهة الأخرى يجب أن يراعي كل طرف شريكه الآخر
فلا يهمل مشاعره و احتياجاته و لا يطالبه بما يفوق قدرته من تنازلات
تتكدس في النهاية على شكل تراكمات سلبية في النفس.. قد تدوم مدى الحياة
و تصبح السمة السائدة في التعامل بين الزوجين
هي التحفز و الحساب لكل حركة.. و محاولة الانتقام في كل لحظة و كل شيء ..دون غفران أو تسامح
و يحمل كل طرف الكثير من الآخر في نفسه.. مما يؤثر على جميع التعاملات و بالتالي على الحياة ككل مضفيا عليها سمة خاصة سيئة..
مزيج ما بين الندم و الغضب.. و أحاسيس دفينة أخرى..
نسأل الله التوفيق لكل أزواج و زوجات المسلمين و أن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل …….
موضوع عاية فى الروووووووووووووووعة
تسجيل حضور
ولى عودة للرد
دمتى لنا
ابدعتي في موضوعك وصدقتي في كل حرف قلتيه
ففعلا التضحيه يكون احيانا حلا ولكن هل ننسى اننا ضحينا بما نحب لما نحب اكتر؟؟