وأطفاله منعماً سعيداً ، في عيش رغيد وفي صحة وعافية ، يضاحك
أولاده ويضاحكونه ، يلاعبهم ويلاعبونه ، والليلة التي تليها وبينما الإنسانُ
يجر ثياب صحته منتفعاً بنعمةِ العافية فرِحاً بقوته وشبابه ، لا يخطر له
الضعف على قلب ، ولا الموت على بال ، إذ هجم عليه المرض ، وجاءه
الضعف بعد القوة ، وحلّ الهمُ من نفسه محلَّ الفرح ، والكدرُ مكان
الصفاء ، ولم يعد يؤنسه جليس ، ولا يريحه حديث ، قد سئم ما كان
يرغبه في أيام صحته ، على بقاءٍ في لبه ، وصحةٍ في عقله ، يفكر في
عمرٍ أفناه ، وشبابٍ أضاعه ، ويتذكرُ أموالاً جمعها ، ودوراً بناها ، وقصوراً
شيدها ، وضياعاً جدّ وكدّ في حيازتها ، ويتألم لدنيا يفارقها ، ويترك ذريةً
ضعافاً يخشى عليهم الضَياع من بعده ، مع اشتغال نفسه بمرضه
وآلامه ، ولكن ما الحيلة إذا استفحل الداء ، ولم يُجدي الدواء ، وحار
الطبيب ، ويئس الحبيب ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه
تحيد ) عند ذلك ، تغير لونه ، وغارت عيناه ومال عنقه وأنفه ، وذهب
حُسْنه وجماله ، وخَرُس لسانه ، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل
، ويسمع ولا ينطُق ، يقلب بصره فيمن حوله ، من أهله وأولاده ، وأحبابه
وجيرانه ، ينظرون ما يقاسيه من كرب وشدة ، ولكنهم عن إنقاذه
عاجزون ، وعلى منعه لا يقدرون ( فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ
تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) ثم لا يزال يعالج
سكراتِ الموت ، ويشتد به النزع ، وقد تتابع نفسه ، واختل نبضه وتعطل
سمعه وبصره ، حتى إذا جاء الأجل ، وفاضت روحه إلى السماء ، صار
جثةً هامدة وجيفةً بين أهله وعشيرته ، قد استوحشوا مَن جانبه ،
وتباعدوا من قُربه ، ومات اسمه الذين كانوا يعرفون ، كما مات شخصه
الذي كانوا به يأنسون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، نعم .. إن أكبر واعظ
للإنسان هو الموت ، الذي قدره الله على خلقه ، وكتبه على عباده ،
وانفرد جل شأنه بالبقاء والدوام ، فما من مخلوق – مهما امتد أجله –
وطال عمره ، إلا وهو نازل به ، وخاضع لسلطانه ( كل نفس ذائقة الموت
ثم إلينا ترجعون ) ولو جعل الله الخلود لأحد من خلقه لكان ذلك لأنبيائه
المطهرين ، ورسله المقربين ، وكان أولاهم بذلك صفوةُ أصفيائه صلى
الله عليه وسلم كيف لا ، وقد نعاه إلى نفسه بقوله ( إنك ميت وإنهم
ميتون ) فالموت ، حتْم لا محيصَ عنه ، ولا مفرَ منه ، يصلُ إلينا في بطون
الأودية ، وعلى رؤوس الجبال ، وفوق الهواء ، وتحت الماء ، فلا ينجو منه
ملائكة السماء ، ولا ملوك الأرض ، ولا أحد من أنسٍ أو جن أو حيوان ،
ولو كانوا في بطون البروج ، وغياهِب الحصون ( أينما تكونوا يدرككم الموت
ولو كنتم في بروج مشيدة ) ولو نجا أحد من الموت لبسْطةٍ في جسمه
، وقوةٍ في بدنه ، أو وفرةٍ في ماله ، وسعةٍ في سلطانه وملكه ، لنجا
من الموت كثير من الناس ، وإلا فأين عاد وثمود ؟ وفرعون ذو الأوتاد ؟
أين الأكاسرة ؟ وأين القياصرة ؟ أين الجبابرة والصناديد الأبطال ؟ فالموت
لا يخشى أحداً ، ولا يُبقي على أحد ، ينتزع الطفل من حضن أمه ،
ويهجم على الشاب الفتي ، والفارسِ القوي ، الموت على وضوحِ شأنه ،
وظهورِ آثاره ، سرٌّ من الأسرار ، التي حيرت الألباب ، وأذهلت العقول ،
وتركت الفلاسفةَ مبهوتين ، والأطباءَ مدهوشين ، الموت !! كلمةٌ ترتجُ لها
القلوب ، وتقشعر منها الجلود ، ما ذُكر في قوم إلا ملكتهم الخشية ،
وأخذتهم العَبرة ، وأحسوا بالتفريط وشعروا بالتقصير فندموا على ما
مضى ، وأنابوا إلى ربهم " ألهكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف
تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون "
صيد الفوائد
تذكرة حسنة
نفع الله بمانقلت..وجزاك خيرا..
وجزاكم الله كل خير ووفقنا الله وأياكم إلى كل خير
وجعل ما خطته يداك في ميزان حسناتك .
مشكورة اختي على التذكرة .. فنحن مأمورون بالإكثار من ذكر هادم اللذات .
وجزاكم الله كل خير
أخواتي الغاليات