( ألا هل بلغت: اللهم فاشهد )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ولا عدوان إلا على الظالمين . أمابعد :
فنظراً لما تمر به الأمة الإسلامية من مرحلة حرجة في تاريخها ، إذ تكالب عليها الأعداء من كل جانب ، وتداعت عليها الأمم من كل حدب وصوب ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، وحيث نفذت أمريكا تهديدها وبدأت الحرب على المسلمين ؛ ابتداءً من أفغانستان ولا يعرف إلى أين تنتهي ؛ فقد صرح الرئيس الأمريكي في خطاب الحرب أن المعركة لن تقتصر على أفغانستان بل ستتعداها إلى غيرها ؛ فكثرت الأسئلة ، وتوالت الاستفسارات حول ما يجب على المسلم في مثل هذه الظروف ، حيث اختلط الحق بالباطل ، وكثر اللبس ، واهتزت الثوابت لدى كثير من المسلمين ، وأصبح المسلم في حيرة من أمره ، وبخاصة بعد أن تولت كثير من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة وزر هذا التخبط ،وتكلم في هذه المسائل أناس ليس لهم من العلم الشرعي نصيب ، فانطلقوا يرجفون في الأمة ، ويشككونها في دينها وعقيدتها ، ويظاهرون عليها أعداءها ، كما فعله أسلافهم من المنافقين من قبل" فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " . ونظراً لما أخذه الله على أهل العلم من وجوب البيان والنصح وحرمة الكتمان ؛ حيث قال تعالى : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ". وحرصاً على حماية الأمة والشباب ـ بصفة خاصة ـ من الانزلاق وراء هذه الفتن ، دون أن يدركوا أبعادها وآثارها ، وبياناً للحق وصدعاً به ؛ لذلك كله فإني ألخص الإجابة على ما وردني من أسئلة بما يلي ، فأقول :
أولاً : يجب أن نعلم أن هذه الأحداث ابتلاء من الله وامتحان للأمة جماعات وأفراداً ؛ كما قال سبحانه : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " ، وقال سبحانه : " الم ** أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " . والابتلاء والامتحان شامل لابتلاء القلوب والأجسام ،وهو ابتلاء حسي ومعنوي ، فليكن المسلم متيقظاً حذراً ، وأن ينتبه إلى مواقفه وأقواله واعتقاده ونياته فيما يتعلق بهذه الأحداث العظيمة ؛ حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها فيخسر أولاه وأخره . قال سبحانه : " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين " .
ثانياً: يجب أن ندرك أن المعركة في حقيقتها معركة بين الحق والباطل ، بين الإسلام والكفر ، بين الخير والشر ؛ كما أعلنها زعيم التحالف الغربي نفسه فصرح بأن الحرب حرب صليبية ، فلم يدع لنا أي مجال لأن نحملها على غير ذلك ، وأيده على هذه الحقيقة عدد من مساعديه ، بل وحلفائه ؛ كرئيس الوزراء الإيطالي ، ورئيسة وزراء بريطانيا سابقاً ( تاتشر ) ، وما صدر منهم بعد ذلك من تفسير لا يغير من الحقيقة شيئاً ؛ حيث إن برامجهم ومواقفهم تؤكد صحة ما أعلنوه ، وبخاصة بعد إعلان الحرب وتصريح الرئيس الأمريكي أن المعركة لن تقتصر على بلد معين ؛ بل ستتعداه إلى غيره ، مما يدل على ما يضمره القوم من شر وسوء طوية ومعركة مبيتة سلفاً " وما تخفي صدورهم أكبر " .
ثالثاً : وجوب البراءة من المشركين واليهود والنصارى ، وإعلان مفارقتهم ، وحرمة الولاء لهم أو توليهم التزاماً بقوله تعالى : "يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " . وقوله سبحانه :" لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه " وقال سبحانه :" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" . وثبت في حديث جرير بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : " أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، وهو يبايع ، فقلت : يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك ، واشترطْ عليّ فأنت أعلم، قال :" أبايعك على أن تعبد الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتناصح المسلمين ، وتفارق المشركين " . وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير آية الممتحنة :" ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في آخر هذه السورة كما نهى عنها في أولها ، فكيف توالونهم وتتخذون منهم أصدقاء وأخلاء " . وقال الشيخ حمد بن عتيق ـ رحمه الله ـ :" فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ، وأكد إيجابه ، وحرم موالاتهم وشدد فيها ، حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم ؛ بعد وجوب التوحيد ، وتحريم ضده " . والأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف في هذا الباب أشهر من أن تحصر أو تذكر ، فليحذر المسلم أشد الحذر من موالاة أعداء الله ، أو أن يقع في قلبه محبة لهم فيضل عن سواء السبيل وينتفي عنه الإيمان" لا تجد قوما ًيؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " .
رابعاً : حرمة مظاهرة المشركين واليهود والنصارى ، وإعانتهم على المسلمين ، وأن من فعل ذلك عالماً بالحكم طائعاً مختاراً غير متأول فقد برأت منه ذمة الله ، حيث إن المظاهرة والمناصرة أعظم أنواع التولي والموالاة ، قال الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " ( معنى ذلك : لا تتخذوا ـ أيها المؤمنون ـ الكفار ظهوراً وأنصاراً ، توالونهم على دينهم ، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلونهم على عوراتهم ، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء ، يعني فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ) أ . هـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين ؛ مع كونهم يصلون ويصومون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين ، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين " . وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ " إن الأدلة على كفر المسلم إذا أشرك بالله ، أو صار مع المشركين على المسلمين ، ـ ولو لم يشرك ـ أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم المعتمدين " . وقال في نواقض الإسلام العشرة : " الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قوله تعالى :" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " . وقال أحد علماء نجد كما في الدرر 9 / 291 :" فمن أعان المشركين على المسلمين ، وأمد المشركين من ماله بما يستعينون به على حرب المسلمين اختياراً منه فقد كفر " . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : " أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشي ء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام لقوله عز وجل :" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " . وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حدود الموالاة المكفرة فأجابت :" موالاة الكفار التي يكفر بها من والاهم هي محبتهم ونصرتهم على المسلمين ؛ لا مجرد التعامل معهم بالعدل " . وقال الشيخ صالح الفوزان ـ وفقه الله ـ :" ومن مظاهر موالاة الكفار : إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ، ومدحهم والذب عنهم ،وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة والعياذ بالله من ذلك " . وقال الشيخ عبد الرحمن البراك ـ حفطه الله ـ : " فإنه مما لا شك فيه أن إعلان أمريكا الحرب على حكومة طالبان في أفغانستان ظلم وعدوان وحرب صليبية على الإسلام كما ذكر ذلك عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وأنّ تخلي الدول في العالم عن نصرتهم في هذا الموقف الحرج مصيبة عظيمة ، فكيف بمناصرة الكفار عليهم ، فإن ذلك من تولي الكافرين ؛ قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) وعد العلماء مظاهرة الكفار على المسلمين من نواقض الإسلام لهذه الآية ، فالواجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين على الكافرين الظالمين ، قال صلى الله عليه وسلم : (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه )) . ا ـ هـ وكلام العلماء في هذا الباب يفوق الحصر ، ولذلك فليحذر المسلم أن يكون عوناً لليهود والنصارى على إخوانه المسلمين الأبرياء ، بأي شكل كانت الإعانة حسية أو معنوية فيخسر دينه ودنياه .
خامساً : وجوب الوقوف مع المسلمين المستهدفين بهذه الحرب الصليبية ، في أي بقعة من الأرض كل حسب استطاعته ، وعدم جواز التخلي عن أي مسلم يستهدف ظلماً وعدواناً ، والحرب على أفغانستان وحكومة طالبان ظلم وعدوان صريح، حيث لم تستطع أمريكا أن تقدم دليلاً مقنعاً على دور المسلمين في ما حدث في أمريكا ، وقد صرح بهذه الحقيقة أمير قطر بعد بدء الحرب وكذلك صرح قبله عدد من المسئولين العرب على أن أمريكا ليس لديها دليل ثابت على اتهاماتها ، بل قال أحد كبار المحامين البريطانيين : إن أدلة أمريكا على من اتهمتهم بالأحداث لا يمكن أن يقبل بها أي قاض أمريكي فضلاً عن غيره . ولذلك لا بد من نصرة إخواننا هناك وفي كل مكان . قال سبحانه : "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " . وقال صلى الله عليه وسلم :" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " . وقال صلى الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم : لايظلمه ولا يخذله " كما في حديث أبي هريرة ، وفي حديث ابن عمر :" لا يظلمه ولا يسلمه " . كما أن الوقوف مع هؤلاء المسلمين من أعظم ما يدفع الله به البلاء عن الأمة ، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والتخلي عنهم من أعظم أسباب غضب الله وحلول عقابه ، ومن خذل مسلما في مقام يستطيع فيه نصرته خذله الله .
–تابع
سابعاً : يحب أن نحسن الظن بالله ، وأن نعلم أنه مالك الملك ، لا يعجزه شيء ، وأنه لن يقع شيء إلا بقضائه وقدره ، وهو لا يقضي إلا الخير ، فلا بد من التفاؤل ؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس تفاؤلاً عند الأزمات الكبرى كما في الأحزاب وغيرها مع الأخذ بالأسباب المشروعة ، والبعد عن الإرجاف والخوف وتضخيم دور الأعداء ، " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ** فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ** إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ** ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً يريد الله ألاّ يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم " ، "وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ، وأن نتذكر قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ، وقوله :" لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم " . وقوله :" فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " ، وقوله :" لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم " . وقوله :" ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ** ألم يجعل كيدهم في تضليل ** وأرسل عليهم طيراً أبابيل ** ترميهم بحجارة من سجيل ** فجعلهم كعصف مأكول " . ولا بد من تقوية الإيمان ، وألا نخشى إلا الله ، وأن نتوكل عليه ، ونفوض أمرنا إليه ، " ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً " .
ثامناً : أن نعلم أن ما أصابنا بسبب ذنوبنا ومعاصينا ، قال سبحانه :" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير "، وقد نقل عن عليّ ـ رضي الله عنه ـ :" ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ". فلا بد من التوبة والإنابة والرجوع إلى الله ، والتضرع إليه ، والخروج من المظالم ، والربا ، مع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتحكيم شريعة الله في كل صغيرة وكبيرة ؛ في أنفسنا وبيوتنا وما ولينا ؛ لعل الله أن يكشف ما بنا من سوء ، "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " . ولا بد من الاستغفار القلبي والعملي "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " . وينبغي التسلح بسلاح الدعاء ، فإن الله يجيب دعوة الداع إذا دعاه وبخاصة المضطر " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " . " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " . " ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين " .
نسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وأن يرفع البلاء عن المستضعفين ، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم ، إنه سميع مجيب . "اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزم اليهود والنصارى ومن حالفهم، وانصر المسلمين عليهم " . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وكتب ناصر بن سليمان العمر الرياض ـ الأربعاء 23/ 7/ 1445
جزاك الله خيراً على ما نقلت ، و أثابكِ الله على كل عمل صالح تقوم به ..
ولكم تحياتي.