تخطى إلى المحتوى

اللهم يسر لي جليسا صالحـا 2024.

لاكي

اللهم يسر لي جليسا صالحـا

سابقاً كان أهل الأخيار أكثر دعائهم حين خروجهم ودخولهم في المجالس :

"اللهم يسر لي جليساً صالحاً"

إن البحث عن جليس صالح في تلك الأزمنة الفاضلة والقرون الخـيِّرة ليس بالأمر العسير بل هو أمر ميسور ، لكثرة الأخيار وقلّة الأشرار .

أما في زماننا هذا فلو قلّبت ناظريك فيمن جلس إليك – في مكان عام – لرأيت أنك أحرى بهذا السؤال ، وبهذه المسألة : " اللهم يسر لي جليسا صالحـا "

إن الجليس الصالح ربما كان أندر من الغُراب الأعصم

كما أن جلساء السوء " أكْثَرُ مِنْ تفَارِيقِ العَصَـا " !

وليت رأس جليس السوء عليه ريشة حتى يُعرَف ويُحذر !

وقديما قيل : الوِحدة خيرٌ من جليس السّوء .

وذلك أن صاحب الوِحدة يُحدّث نفسه ، وحديث النفس معفوٌّ عنه ، وجليس السوء يأمر بالسوء ، فله نصيب مِن وَصْف ( يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء ) .
قال أبو الدرداء : لَصَاحِبٌ صالح خير من الوِحدة ، والوحدة خير من صاحب السوء ، ومُمْلِي الخير خير من الساكت ، والساكت خير من مُمْلِي الشر .

قال ابن حبان : العاقل لا يُصاحب الأشرار ، لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار ، تُعْقِب الضغائن ، لا يَستقيم وِدُّه ، ولا يَفِي بعهده .

ومِن علامات جليس السّوء :

أنه لا يُذكِّرك إذا غَفَلْت
ولا يُعينك إذا ذَكَرْت
ولا يأمرك إذا قصّرت
ولا ينهاك إذ أخطأت
ولا يُقوّمك إذا اعوججت
فلا يأمرك ولا ينهاك
بل هو موافق لك فيما فعلت
ساكت عما قصّرت فيه أو تَرَكْت
تاركك وهواك
فهو ساع في هلاكك
مسرع بك إلى رَداك
فهو يَتركك وهَواك ! زاعما أنه اختار لك الراحة ، وقد اختار لك العَطَب !

وهذا النوع من الناس يصدق فيهم قول ابن القيم رحمه الله :

إن فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر .
وكم سَلَبَت المخالطة والمعاشرة من نِعمة ؟
وكم زرعت من عداوة ؟
وكم غرست في القلب من حزازات تَزُول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول ؟!
ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة ، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها أربعة أقسام ، متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر :

أحدها : من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة فإذا أخذ حاجته منه ترك الْخِلْطَة ، ثم إذا احتاج إليه خالَطَه ، هكذا على الدوام ، وهذا الضرب أعـزّ من الكبريت الأحمر ! وهم العلماء بالله تعالى وأمره ، ومكايد عدوه ، وأمراض القلوب وأدويتها ، الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولِخَلْقِه ، فهذا الضرب في مخالطتهم الرِّبح كله .

القسم الثاني : مَن مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض ، فما دُمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته ، وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها ، فإذا قَضَيْتَ حاجتك من مخالطة هذا الضرب بَقِيَتْ مخالطتهم مِـنْ :

القسم الثالث : وهم من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوّته وضعفه ؛ فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن ، وهو من لا تربح عليه في دِين ولا دنيا ! فهذا إذا تمكّنَتْ مخالطته واتّصَلَتْ فهي مرض الموت الْمَخُوف !
ومنهم مَن مخالطته كوجع الضرس يشتد ضرباً عليك فإذا فارقك سكن الألم .

ومنهم مَن مخالطته حمى الروح ، وهو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيُفيدك ، ولا يحسن أن يُنصت فيَستفِيد منك ، ولا يعرف نفسه فيضعها في مَنْزِلتها ، بل إن تكلَّم فكلامه كالعِصِيّ تَنْزِل على قلوب السامعين ! مع إعجابه بكلامه وفَرَحِه به ، فهو يُحْدِثُ مِن فِيهِ كلما تَحَدَّث ! ويظن أنه مِسْكٌ يُطيِّب به المجلس ! وإن سكت فأثقل من نصف الرَّحا العظيمة التي لا يُطاق حملها ولا جرّها على الأرض !
ويُذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال : ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر !

وبالجملة فمخالطة كل مخالِف حمى للروح فَعَرَضِيَّة ولازِمَة .

ومِنْ نكد الدنيا على العبد أن يُبتلى بواحد من هذا الضرب وليس له بُـدٌّ من معاشرته ومخالطته ، فليُعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا !

القسم الرابع : مَن مخالطته الْهُلْك كلّه ، ومخالطته بمنْزِلة أكل السّمّ ، فإن اتَّفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء ! وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثَّرهم الله ، وهم أهل البدع والضلالة الصادّون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الدّاعون إلى خلافها ، الذين يَصُدُّون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ؛ فيجعلون البدعة سنة ، والسنة بدعة ، والمعروف منكرا ، والمنكر معروفا .

ومُجالسة الصالحين بـرّ وخير وفلاح

ألا ترى أن الكلب ذُكر في القرآن حين جالَسَ الصالحين ؟
( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ )

قال ابن القيم رحمه الله :
مجالسة العارِف تدعوك من سِتٍّ إلى سِت :
من الشك إلى اليقين
ومن الرياء إلى الإخلاص
ومن الغفلة إلى الذِّكر
ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة
ومن الكِبر إلى التواضع
ومن سوء الطوية إلى النصيحة .

والصّاحب دليل على صاحبه ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : المرء على دِين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .

قال هبيرة : اِعْتَبِر الناس بأخدانهم .

وقال الإمام مالك : الناس أشكال كأجناس الطير : الحمام مع الحمام ، والغراب مع الغراب ، والبط مع البط ، والصعو مع الصعو ، وكل إنسان مع شكله !

وقال أبو حاتم بن حبان : وما رأيت شيئا أدل على شيء – ولا الدخان على النار – مثل الصاحب على الصاحب !

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فكم من الناس لم يُرَد خيرا ولا شرا حتى رأى غيره ، لا سيما إن كان نظيره يفعله فَفَعَلَه ، فإن الناس كأسراب القطا مَجْبُولون على تَشَبّه بعضهم ببعض … وذلك لاشتراكهم في الحقيقة ، وأن حُكْم الشيء حُكم نَظِيره ، وشَبِيه الشيء منجذب إليه .

فاحرص على مُصاحَبة حامِل الْمِسْك !

وإياك إياك من الجلوس إلى نافِخ الكِير !

مقتبس من مقال للشيخ عبد الرحمن السحيم

جزاك الله خيراً على موضوعك المهم ..و الرائع ..

بارك الله فيك ..

قال أبو الدرداء : لَصَاحِبٌ صالح خير من الوِحدة ، والوحدة خير من صاحب السوء ، ومُمْلِي الخير خير من الساكت ، والساكت خير من مُمْلِي الشر

رضي الله عنه ..صدق فيما قال …

درر..جزاكِ الله خيراً وجزى الله شيخنا خير الجزاء..

نسأل الله أن نكون من الجلساء الصالحين وأن يوفقنا إلى جلساء صالحين..

جزاكي الله خيرا …….
اللهم يسر لي جليسا صالحا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.