إن راحة القلب وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية وطبيعية وأسباب عملية وهي تجتمع كلها للمؤمنين ، وأما غيرهم فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالا ومآلا.
1- وأعظم هذه الأسباب وأسها: هو الإيمان والعمل الصالح، والله تعالى أخبر ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في الدنيا، وبالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة. وسبب ذلك هو أن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح المثمر معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والحزن. يتلقون المحاب بالقبول والشكر عليها واستعمالها بما ينفع. ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة والصبر الجميل. وهناك فرق بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه وبين من لم يكن كذلك. ويتبين ذلك عند الفقر فالمؤمن الحق يتلقى هذا الفقر بالقناعة والصبر ، والذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان تجده في غاية التعاسة والشقاء. وعند نزول أسباب الخوف فالمؤمن صحيح الإيمان ثابت القلب مطمئن النفس ، وفاقد الإيمان بعكس هذه الحال، ينزعج ضميره وتتوتر أعصابه.
2- من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف، والمؤمن يتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب للثواب فيهون عليه بذل المعروف.
3- ومن الأسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة: فإنها تهلي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت لهم الغم والهم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه، وإن كان هذا السبب مشترك بين المؤمنين وغيرهم ولكن المؤمن يتميز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه.
4- ومما يدفع الهم والقلق: اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي. ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن. فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل. والنبي صلى الله عليه وسلم قسم الأمور قسمين قسم يمكن للعبد السعي في تحصيل ما يمكن منه ببذل مجهوده والاستعانة بالله، وقسم لا يمكن في ذلك، فهو يطمئن له العبد ويرضى ويسلم.
5- ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته: (الإكثار من ذكر الله) فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته وزوال همه. فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
6- وكذلك : التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم،ويحث العبد على الشكر، الذي هو أرفع المراتب وأعلاها.
7- ومن أنفع الأشياء في هذا الموضوع: استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم}. فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل، رآه يفوق قطعا كثيرا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق, فيزول قلقه وهمه وغمه.
8- ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكن ردها، ويعلم أن الأمور المستقبلية مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام وأنها بيد العزيز الحكيم ليس بيد العباد منها شيء.
9- ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: استعمال هذا الدعاء: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر. فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر ونية صادقة مع اجتهاده فيما يحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحا وسرورا.
10- ومن أنفع الأسباب : أن يسعى في تخفيفها بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن نفسه على ذلك. فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان.
11- ومن أعظم العلاجات: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة, لأن الإنسان متى استسلم للخيالات وانفعل قلبه للمؤثرات أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية والانهيار العصبي.
12- ومتى ما اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة ووثق بالله وطمع بفضله اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم وزالت عنه كثير من الأسقام، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه.
13- وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر)). فائدتان عظيمتان:
أحدهما الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل وكل من بينك وبينه اتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لابد من أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه. الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق وبقاء الصفاء والمداومة على القيام بالحقوق والواجبات المستحبة وحصول الراحة بين الطرفين.
14- العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة، وأنها قصيرة جدا، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار.
15- وينبغي له ايضا إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية ودنيوية، وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم واضمحلال ما أصابه من المكاره.
16- ومن الأمور النافعة: أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم, إلا إن اشغلت نفسك في الاهتمام بها ، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما فضرتهم، وإذا لم تصغ لها بالا فإنها تضرك شيئا.
17- واعلم أن حياتك تبع لأفكارك،فإن كانت أفكارا فيما يعود عليك نفعه في دين ودنيا فحياتك طيبة سعيدة وإلا فلأمر عكس.
18- ومن أنفع الأمور: أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله: فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله، فلا تبال بشكر من أنعمت عليه.
19- اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها، ولا تلتفت إلى الأمور الضارة لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن واستعن بالراحة وإجماع النفس على الأعمال المهمة.
20- حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة، فتشتد وطأتها، فإذا حسمت كل شيء بوقته أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.
21- وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم، وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة، فما ندم من استشار، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.
وشكرا لكم متابعتكم..
أهلا ً بكِ فى روضة السعداء ،
بارك الله ُ فيكِ على النقل الطيب
ورحم الله ُ الشيخ عبد الرحمن السعدى
وأسكنه فسيح جنّاته ..
على النقل الموفق
تحيتي